بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له الأحد الماضي في حادثة الطائرة المنكوبة قرب أذربيجان، اعتقد المحللون والمراقبون لملف السياسية الإيرانية اعتقادَين؛ الأول، أن إيران تمرّ بحالة من عدم التوازن الداخلي. والثاني، أن السياسة الإيرانية ستظل بذات القواعد فيما يتعلق بالسياسة الخارجية في الشرق الأوسط؛ ولوجود المرشد الأعلى، علي خامنئي على رأس السلطة الإيرانية. لترد تحركات إيران بالنفي على الأول، والتأكيد على الثاني. 

تريد إيران أن تقول أنها دولة لا توقفها حتى الأحداث القدرية المأساوية التي تقع خارج الاستعداد الإنساني. وربما مردود هذا يعود إلى طبيعة إيران الأيديولوجية التي تعتمد على الاستفادة من الأحداث السياسية وتحركها لتصيب في مخطط إيران القائم على فرض النفوذ والتمدد الإقليمي. 

ففي الوقت الذي أعلنت إيران فيه الحداد على رئيسي وبل وأثناء تشيع جثمانه؛ نجد وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية تعلن عن اجتماع بين قادة “الحرس الثوري” الإيراني وبعض من أهم الفصائل التي تدعمها إيران في المنطقة العربية. لكن ما هي دلالة هذا الاجتماع في هذا التوقيت؟ وماهي الرسائل التي تريد إيران إرسالها للقوى السياسية الدولية حول إعلان شبه رسمي عن جيش إيراني – عربي؟

اجتماع على هامش الحداد

على هامش تشييع جثمان إبراهيم رئيسي في طهران، ذكرت وسائل إعلام رسمية في إيران أن قادة الفصائل المتحالفة مع النظام الإيراني في المنطقة التقوا مع حسين سلامي، القائد الأعلى لـ”الحرس الثوري”، وإسماعيل قاآني، قائد “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري” الإيراني، والذي يتولى الإشراف وتدريب مجموعات الميليشيات المدعومة من إيران في الخارج. 

قادة في الفصائل الموالية لإيران تعقد اجتماعا في العاصمة الإيرانية طهران بحضور قائد “الحرس الثوري” اللواء حسين سلامي – إنترنت

وكتبت وكالة أنباء “إسنا” الإيرانية، أن “قادة فصائل المقاومة” التقوا مع كبار قادة “الحرس الثوري” الإيراني على هامش هذه المراسم. وبحسب الوكالة، حضر هذا الاجتماع إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، ونعيم قاسم نائب الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني، ومحمد عبد السلام المتحدث باسم “الحوثيين” في اليمن. 

كما أعلنت وكالة أنباء “فارس”، التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني، مشاركة ممثلين عن حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية، و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، و”فصائل المقاومة العراقية والسورية” في هذا الاجتماع. 

“جبهة المقاومة” هو اللقب الذي تستخدمه سلطات النظام الإيراني للجماعات المسلحة التي تدعمها طهران في الشرق الأوسط، مثل (حماس وحزب الله والحشد الشعبي والحوثيين في اليمن). 

طبقا لوسائل الإعلام الإيرانية، تم في هذا اللقاء بحث ومناقشة آخر الأوضاع السياسية والاجتماعية والعسكرية في غزة وعملية “طوفان الأقصى”، ودور جبهة “المقاومة”، وتم التأكيد على مواصلة ما أسموه “الجهاد والنضال حتى النصر الكامل”، بمشاركة كافة فصائل وجبهات “المقاومة” في المنطقة. 

كما تناقلت وسائل الإعلام التابعة لهذه الجماعات، بما فيها “المنار” و”الميادين” ومركز معلومات “الحوثيين” اليمنيين، خبر اللقاء بين قادة الجماعات المدعومة من إيران وكبار قادة “الحرس الثوري”.

جيش إيراني – عربي؟

في البداية ونحن نحاول البحث في الرسائل التي تريد إيران إرسالها من خلال هذا الاجتماع، لابد من القول  أن هذا الاجتماع يستمد خصوصيته من الظرف الذي تمر به إيران من مقتل الرئيسي والوفد المرافق له.

أحد المؤيدين للحكومة الإيرانية يرفع صورة للجنرال القتيل قاسم سليماني في ميدان فلسطين في طهران، في 14 أبريل/نيسان 2024، في احتفال بالهجوم الذي شنه الحرس الثوري الإيراني على إسرائيل. (تصوير حسين بيريس/فرانس برس)

كما أن هذا الاجتماع يأتي للرد الصريح والمباشر على سؤال ماذا بعد رحيل رئيسي؟ لتكون الإجابة هي أن إيران عازمة على المضي قدم في سياستها الدولي من خلال الوكلاء، بل والأخطر، أن هذا إعلان شبه رسمي، لجيش إيراني – عربي تابع لطهران. 

وهناك نقطة أخرى لابد من الإشارة إليها، وهي مدى نفوذ وسلطة “الحرس الثوري” الإيراني الذي يسير بخط متوازي مع السياسة الإيرانية دون التداخل معها، إلا أن هذا لا يعني أن سلطة الرئيس الإيراني مقابلة في قوتها لسلطة “الحرس الثوري”، لأن الأخير هو السلطة الأولى في إيران، والذي لا طالما اعتمد على سياسة العسكرة والعنف والتخلص من المعارضين. 

فوقفا لهذه المعطيات السياسية الإيرانية كان من الطبيعي أن يتصدر “الحرس الثوري” المشهد في طهران خاص بعد غياب رئيسي. وهنا نطرح سؤال لماذا هذا الاجتماع في هذا التوقيت الدقيق؟

في الواقع، الاجتماعات بين إيران وفصائل ما يطلق عليها “المقاومة” مستمرة وهناك تنسيق كامل بينهم، وإيران لا تنكر هذا. ومع هذا هناك أكثر من دافع لعقد هذا الاجتماع. الأول: يتمثل في وجود أطراف هذا الاجتماع جميعهم في طهران في توقيت واحد لتقديم واجب العزاء. 

أما الثاني، هو حسب ما جاء في الإعلان الخاص بهذا الاجتماع أنه متعلق بالقضية الفلسطينية ومناصرتها، وهذا في  ظل التصعيد الإسرائيلي في رفح  وفي جنوب لبنان. 

أما السبب الثالث، هو الأهم لأنه متعلق بطبيعة المرحلة القادمة في السياسة الخارجية الإيرانية؛ لأن هذا الاجتماع يؤكد على استمرار طريقة إيران في التعامل مع الوكلاء والالتزام بالقضايا المتعلق بـ”محور المقاومة”، وهذا هو السبب الرئيسي الذي دفع إيران إلى هذا الاجتماع المبكر. 

في هذا الصدد يعلق الباحث إسلام المنسي، لـ “الحل نت” قائلا: إن هذا الاجتماع في هذا التوقيت يعكس رغبة إيران في القول بأن موت رئيسي لن يغير من سياستها شيئاً، وأن الأمر لن يختلف عما كانت عليه الأمور في السابق، فالسياسة الإيرانية ذات ثوابت لا تتغير بتغير الرئيس وإنما هي تخضع للمرشد ووقفا لتصوره  لما يجب أن تكون عليه السياسة في طهران. 

وبالتالي فإن المرحلة التالية لرئيسي لن تتغير على الإطلاق فيما يتعلق بالنهج الذي تسلكه القيادة الإيرانية خاصة في وقت تشهد فيه المنطقة صراعات محتدمة، فطبيعة النظام السياسي في إيران والذي تعود فيه الكلمة الفصل إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية يجعل من الرئيس وطاقمه مجرد منفذين لسياسات الدولة ومن ثم فإن من سيخلف رئيسي سيمضي على نهجه بالتأكيد. وهذه هي أقوى الرسائل التي تريد إيران إرسالها للداخل والخارج.

تحدي لسيادة الدول

فيما يتعلق بالقول أن هذا الاجتماع جاء من أجل مناصرة “المقاومة” في لبنان وفلسطين مما يعني استمرار الدعم الإيراني لكل وكلائها. ليكون هذا الاجتماع رسالة واضحة إلى هذه الدولة التي من وجهة نظر طهران هي دول شكلية فقط، أما القرار الحقيقي والفعلي بيد “الحرس الثوري” الإيراني. 

لبنان مثلا ليست القرار فيها قرار الحكومة، وإنما بيد “حزب الله”، وهذا يؤكد أن الجبهة اللبنانية هي جبهة إيرانية يقودها حسن نصرالله حسب طبيعة ومصلحة إيران، وهذا الاجتماع يمثّل تحدّياً للدولة اللبنانية. 

وأما عن فلسطين لا يمثل هذا الاجتماع أي مسند من مسندات الدعم والمساعدة في القضية الفلسطينية، بل إن كل ما تقوم بها إيران وأذرعها يضرب القضية الفلسطينية، لأن القضية الفلسطينية هي قضية عربية، وهذه القضية تمر من خلال الممثل الشرعي لها هو الشعب الفلسطيني وليست الفصائل الإيرانية. 

فوجود إسماعيل هنية في هذا الاجتماع لن يقدم أو يخدم القضية الفلسطينية، فإيران التي تتدعي العداء مع إسرائيل لم يحدث يوماً أن قتلت جندي إسرائيلي، وعندما تريد فعل هذا يكون من خلال الشعب الفلسطيني حتى يكون الرّد من إسرائيل على الشعب الفلسطيني كما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الفائت. 

حتى الضربات الأخيرة بين طهران وإسرائيل كانت مدروسة بشكل مسبق حتى لا تحدث أزمة بين طهران وتل أبيب. فكيف يكون اليوم هذا الاجتماع من أجل مناصرة ما تطلق على نفسها “المقاومة” سواء في لبنان أو فلسطين وإنما ما تريده طهران هو إرسال رسائل مفادها “أنها تسيطر على هذه الدول وكل ما فيها”.

غياب التيار الاصلاحي

في الوقت الذي اعتبر البعض من المعارضة في طهران أن موت رئيسي ربما يحمل مرحلة جديدة من السياسة في طهران، فقد تشهد حراكا سياسيا جديدا خاصة مع الإعلان المرتقب عن تنظيم انتخابات لاختيار رئيس جديد. 

ويرى هؤلاء أن الحراك ربما يشهد عودة لمحاولات السياسيين الإصلاحيين في إيران للمشهد من جديد بعد أن تم تحييدهم من قبل الجناح المتشدد في السياسة الإيرانية. 

إلا أن هذا الاجتماع بهذه الأطراف وفي هذا التوقيت لا يحمل خيرا للإصلاحيين، فطهران تبحث الآن على من هو أكثر تطرف من إبراهيم رئيسي ويكون أكثر قسوة مع الإصلاحيين. وهنا ترى الأكاديمية نبيلة المحمدي، أن النظام الإيراني بطبيعته شديد التعقيد فقد تتطور من نظام عسكري ديني هجين إلى نظام عسكري أكثر، مما يعني أن إيران ستكون أكثر تشددا في الداخل، مع استمرار القلق الخارج المصاحب لزيادة نفوذ “الحرس الثوري” الإيراني الذي لا يوجد وفاقٌ بينه وبين الإصلاحيين. 

فالإصلاحيون وفق حديث المحمدي لـ”الحل نت”، يهدفون إلى تنويع العلاقات الخارجية وتوسيعها، ومن ناحية أخرى يرفضوا التطرف والتشدد في السياسة الخارجية، ولهذا وجود “الحرس الثوري” بهذه القوة وتلك النفوذ بمثابة مشكلة على الإصلاحيين التعامل معها دون تأخير. 

والدليل على عدم التوافق بين الإصلاحيين و”الحرس الثوري” ما كان يحدث بين حسن روحاني الرئيس الإيراني السابق و”الحرس الثوري” من التراشق بالتصريحات والاختلاف حول الاتفاق النووي، فوجود “الثوري” الإيراني بهذه القوة يعني غياب التيار الإصلاحي، ويحتاج خامنئي إلى رجال لن يترددوا في مواجهة الضغوط الدولية أو يستسلموا لإغراءات التجارة مع الغرب، كما فعل روحاني. 

هذه الرسالة التي تلقفها الإصلاحيون من وراء هذا الاجتماع القائم بين “الحرس الثوري” والفصائل المدعومة من إيران وكأنه إعلان لجيش إيراني – عربي، كما أنها استعراض من “الحرس الثوري” لنفوذه وصلاحياته في ظل وجود المباركة الدينية من خامنئي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات