تُعد التكنولوجيا عاملًا حاسماً في حياتنا اليوم، وهي كذلك في المجال الحربي والعسكري، حيث أضحى التفوق التكنولوجي والعامل المتحكم في العمليات الحربية. والأمن السيبراني هو أحد أنظمة الأمن التي تتمتع بأهمية خاصة، فسرّية المعلومات وعدم الاختراق أول حائط صد للأمن القومي، ومن خلال الذكاء الاصطناعي أصبح مجال الأمن الإلكتروني أكثر المجالات عرضة للاختراق.

وجاء في تقرير أعدته مؤسسة “راند” للأبحاث والتطوير بعنوان (مخاطر الذكاء الاصطناعي على الأمن ومستقبل العمل): “أن تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال المراقبة أو الأمن الإلكتروني للأمن القومي يفتح وجهة هجوم إلكتروني جديدة قائمة على هذا الضعف في ماهية البيانات المغذية. وقد يتعلم الخصوم كيفية تغذية نُظم المراقبة العاملة بالذكاء الاصطناعي بمعلوماتٍ مضللةٍ بشكلٍ منهجي، فينشؤون باختصار عميلًا مزدوجاً آلياً بشكلٍ سري وعن غير قصد”.

ومن جانبٍ آخر فإن للذكاء الاصطناعي قدرة على فك الشفرات و تخمين كلمات المرور تفوق قدرة الإنسان بكثير، هذا ما جاء به تقرير “مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب” و”معهد الأمم المتحدة الإقليمي لبحوث الجريمة والعدالة” عن الاستخدام الضار للذكاء الاصطناعي، فكان العنصر الرابع للاستخدامات الضارة تخمين كلمة المرور، وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يعمل على معالجة ملايين الاحتمالات في ثوانٍ معدودة، مما يجعل عملية الاختراق أكثر سهولة، وغيرها من عمليات زرع البرامج الضارة وفيروسات الفدية.

ووفقاً للإمكانيات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، فهو سلاح جديد سيجعل الحروب والعمليات الإرهابية أكثر تقدّماً. وهذا ما أثار مخاوف العالم من استخدام تنظيم “داعش” الإرهابي لتقنية الذكاء الاصطناعي، لما لديه من قدرة مختلفة قد تمكّن هذا التنظيم من تغيير قواعد اللعبة، ومن ثم سعت الدول الأوروبية لدراسة الوضع والبحث عن سُبل المواجهة.

قدرة “داعش” على استخدام التقنية

في تصريح للباحث في شؤون الجماعات الجهادية والأمن السيبراني أحمد سلطان خص به “الحل نت” قال: هناك مبالغة في تقدير وتقييم قدرة “داعش” على استخدام الذكاء الاصطناعي من الجانب الأوروبي، فالواقع أن استخداماتها في هذا الأمر محدودة، والكوادر التي كانت تشرف على العمليات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتدير منصات عمله وتسعى لتطوير مجال العمل من خلاله، كثير من هذه الكوادر لم يعد موجوداً، بفعل الكثير من الاستهدافات، وخروج بعضهم من هذا التنظيم.

رغم انهيار الخلافة المكانية وتشتت مقاتليها وعودة العديد من عوائل المقاتلين والهروب من معاقل “داعش”، إلا أنها تسعى للتواجد مرة أخرى وتعمل على ترتيب صفوفها مرة أخرى بكل السبل الممكنة- “الصورة من الإنترنت”

وأضاف سلطان أن التنظيم كان لديه مشروع هام جداً لإنتاج الأسلحة واستخدام الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة.. وغيرها من الأسلحة التي كانت تطمح لوجودها، وكان مشروع طموح للغاية، ولكنه توقف نتيجة الضربات وانهيار الخلافة المكانية. مع كل هذا نقول إن خطر استخدام الذكاء الاصطناعي وتطوّره مع التنظيم لا زال قائماً، والتنظيم في مرحلة ما سيوظفها، ويسعى لذلك.

والواقع أن “داعش” رغم انهيار الخلافة المكانية وتشتت مقاتليها وعودة العديد من عوائل المقاتلين والهروب من معاقل “داعش”، إلا أنها تسعى للتواجد مرة أخرى وتعمل على ترتيب صفوفها مرة أخرى بكل السبل الممكنة، وما طرحته مؤخراً من فيديو لمذيع أُثبت أنه لم يكن واقعياً وكان من فعل الذكاء الاصطناعي، يوحي بسعيها لامتلاك هذا السلاح مرة أخرى، خاصة أن مجموعة “سايت إنتليجنس” أفادت بما تقدمت به مع “واشنطن بوست” بأن “داعش” تملك منصة اسمها “هارفست نيوز” عملت على بث فيديو أسبوعياً منذ شهر آذار/ مارس الماضي.

وإن كان الوضع ليس خطيراً كما يقول أحمد سلطان، وأن أوروبا تبالغ في تقديرها، فإنه أيضاً ليس مطمئناً، فالتطور المهول الذي يمرّ به الذكاء الاصطناعي يجعل امتلاك منظمة إرهابية له يمثّل خطراً ليس هيناً. صحيح أنه لازال استخدامها للذكاء الاصطناعي في إطار الدعاية وبناء شعبية لها، ولكن امتلاكها لهذه الأداة يشير بإمكانية استخدامها في مهام أخرى أكثر خطورة.

آليات المواجهة

إن نظام الحوسبة المعقد والتشابك يجعل أي عملة اختراق أو شن هجوم سيبراني لا يتعلق بمؤسسة بعينها، فلكل مؤسسة رابط بمؤسسات أخرى، كالمؤسسة العسكرية التي تربط بمؤسسات تجارية ومدنية وسياسية بطبيعة الحال، مما يجعل عملية الهجوم التي يمكن أن تمارس على مثل هذه المؤسسة عملية تدميرية شبه شاملة، ستنشئ ضرراً في مؤسسات عديدة.

وتعطي التكنولوجيا المتطورة آليات التحكم عن بعد إمكانية اختراق الجماعات الإرهابية لنظم التحكم، وارتكاب جرائم إرهابية من خلال السيارات والطائرات والأسلحة ذات تقنية التحكم عن بعد، مما يجعل إمكانية ارتكاب الجرائم الإرهابية أكثر سهولة وأقل تكلفة بكثير عن ذي قبل.

وعبر هذه الأخطار التي بإمكانها أن تهدد حكومات ونُظم عالمية، من الضروري أن تعمل الجهات الأمنية والبحثية المعنية بشؤون الإرهاب والجماعات الجهادية للبحث عن آليات للمواجهة، فإذا كان الذكاء الاصطناعي يعد سلاحاً فارقاً إلى هذا الحد، فيعد امتلاك “داعش” هذا السلاح داعياً للبحث عن سبل المواجهة والحد من استخدامها لهذا السلاح.

وفي تصريح للكاتب والباحث في شؤون الجماعات الجهادية أحمد سلطان خص به “الحل نت” أوضح أنه لا يمكن السيطرة بشكلٍ كامل على التكنولوجيا بطبيعة الحال وهذا ما أثبته تنظيم “داعش” من خلال توظيفها في خدمة أغراضه، مهما كانت هذه التكنولوجيا من خلال الإنترنت والبث الإعلامي أو من خلال التسليح عبر الطائرات المسيرة، ولكنه يلتزم بحدود ومحاذير كثيرة خشية الاختراق، وتوظيف هذه التقنيات للوصول لأعضائه، وحتى لا يتأثر التنظيم وتسهل عمليات استهدافه.

وأردف سلطان أن آليات المواجهة تتعلق بقدرة الدول على تتبع الأنشطة واستهداف الذين يطورون الخبرات لصالح الاستخدامات الإرهابية، والتجارب السابقة تقول إن أي تقنية طورت بالأساس للاستخدام السلمي منع استخدامها في الأنشطة العدائية أمر عسير وربما غير ممكن، وهذا ما يجعل المهمة صعبة للغاية، ولكن من الضروري البحث في سُبل المواجهة، وتطوير آليات العمل.

ورغم صعوبة المهمة إلا أن الخطر الداهم الذي تمثله يفرض على المجتمع الدولي البحث في سبل المواجهة، الذي يعد أول طرقه إعداد نظام ذكاء اصطناعي مقاوم لهجمات الإرهابيين، وفي الوقت نفسه شن هجمات قوية على هذه النظم، كما يحدث في الحروب العسكرية على أرض الواقع، لتكبّدها خسائر كبيرة لا تمكنها من التطور، وتعمل على الحد من صلاحيتها ووجودها، خاصة أن للدول إمكانيات مفتوحة أكبر مما تملك الجماعات الإرهابية.

تعد أولى الخطوات التي يمكن عملها في مواجهة استخدام “داعش” لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، إعادة استنساخ مشروع فريق الأحلام التكنولوجي؛ ليشكل هجمة شاملة من الشركات والأشخاص البارعين في هذا المجال على “داعش”.

وقد قدم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في عام 2016 فريق الأحلام التكنولوجي لمواجهة تنظيم “داعش” عبر منصات التواصل الاجتماعي، واشترك في هذا الفريق كبرى الشركات التكنولوجية العالمية والأشخاص البارزين في هذا المجال، فانضمت شركة “أبل” على منصات التواصل الاجتماعي، مثل منصتي “فيس بوك” و”تويتر”(إكس حالياً) إلى هذا الفرق وغيرهم من الشركات، للعمل على مقاومة الفكر الداعشي في مواقع “السوشيال ميديا” والحدّ من انتشار خطاباتها، وكان لها دورٌ كبير في الحدّ من انتشار مثل هذه الخطابات وعمليات التجنيد.

وتعد أولى الخطوات التي يمكن عملها في مواجهة استخدام “داعش” لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، إعادة استنساخ مشروع فريق الأحلام التكنولوجي؛ ليشكل هجمة شاملة من الشركات والأشخاص البارعين في هذا المجال على تنظيم “داعش” الإرهابي، تعمل على الحدّ من استخدامها لهذه التقنية وعدم تطور آليات عملها، ووقف بحور الدماء التي قد تنتجها هذه التقنية في أيدي الإرهاب والتطرف، خاصة أن هذه التجربة أثبتت نجاحها قبل ذلك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات