لم تزل الأزمة السياسية في ليبيا رهن حالة الصراع الدولي والتنافس المحلي بين الأجسام والقوى الفاعلة في شرق وغرب البلاد على خلفية الوصول لعتبة الاستحقاق الانتخابي وتشكيل حكومة موحدة تتولى تنفيذ الانتخابات على منصب الرئيس.

خلال الشهر الفائت تقدم المبعوث الأممي عبدالله باثيلي باستقالته تاركاً جهود التسوية لنائبته ستيفاني خوري التي ما لبثت أن عقدت عدة اجتماعات مع القوى المحلية بغية استقراء المشهد وسط ترجيحات من مصادر مطلعة بتسميتها المبعوث الجديد خلفاً لباثيلي الذي شن هجمات لاذعة على كافة القوى المحلية محذراً من المستقبل الذي يقع ضمن إكراهات الوضع الدولي.

ليبيا في مرمى روسيا

نحو ذلك ذهبت عديد التقارير إلى أن روسيا بدأت منذ مطلع العام الجاري تطوير حضورها الميداني في شرق وجنوب ليبيا كنقطة مركزية لتعزيز مصالحها الاستراتيجية في القارة الإفريقية تحت اسم الفيلق الروسي الإفريقي واعتماد ليبيا كمحور توزيع نحو مسرح الأحداث التي تستهدفها موسكو.

حفتر في زيارة إلى موسكو سبتمبر 2023- “القيادة العامة”

على الجانب الآخر أشارت تقارير إلى أنه بإشراف أميركي – أوروبي ودعم مالي ليبي يتم حالياً تجهيز فيلق جديد لمواجهة الفيلق الروسي في ليبيا.

وبحسب وسائل إعلام ليبية، فإن الفيلق الجديد سيتكون من عناصر مسلحة ليبية خالصة من ستة تشكيلات مسلحة تابعة لوزارة الداخلية والدفاع التابعة لـ”حكومة الوحدة الوطنية” على أن توكل مهمة قيادته والإشراف عليه لعناصر عسكرية أجنبية.

المهمة الأساسية لهذا الفيلق الليبي – الأوروبي هو مواجهة المد الروسي في ليبيا وإفريقيا نيابة عن الدول الغربية.

من خلال ذلك سيتم اعتماد ميزانية خاصة لهذا الفيلق من الأموال الليبية في الخارج وفقاً لقرار “مجلس الأمن الدولي” رقم 1973 لسنة 2011.

ظل حالة التنافس والصراع الدولي على بوابة البحر المتوسط وإفريقيا في الداخل الليبي يبدو جلياً مع متابعة بيان “مجلس البحوث والدراسات الشرعية” بدار الإفتاء الليبية في العاصمة طرابلس والداعم لرئيس “حكومة الوحدة الوطنية”، عبدالحميد الدبيبة والذي اعتبر أن القوات الروسية التي تتواجد ميدانياً نحو جغرافيا شرق وجنوب ليبيا وتقع تحت سيطرة المشير خليفة حفتر “قوات غازية”، مطالباً الليبيين القتال ضدها.

ووصف المجلس تتابع وصول هذه القوات خلال شهور العام الجاري بأنه “تطوراً خطيراً. وقال في بيان إن هذه القوات هي “قوات غازية معتدية” وأعلن أن “الجهاد ضدها واجب شرعياً على الليبيين” مطالباً “كل من يملك المال أو السلاح أو القرار أن يعين على إخراج هذا العدو المحتل”.

وحذر البيان من أن واجب الجهاد الدفاعي ضد القوات الروسية في ليبيا لا يعني الوقوع تحت سيطرة محتل آخر سواء كان أميركا أو الاتحاد الأوروبي أو غيرهما من الدول “فإن جهاد المحتلين لا يجوز أن يكون تبديل محتل بمحتل آخر”.

الجانب اللافت في قراءة هذا البيان يأتي مع التحركات السياسية والدبلوماسية لروسيا بعد افتتاح القنصلية الروسية في العاصمة طرابلس مؤخراً واجتماع وزير الخارجية الروسي  سيرغي لافروف مع ممثلين للمجلس الرئاسي ورئاسة الأركان في غرب ليبيا، الأمر الذي يضع التركيبات المسلحة الخاضعة لدار الإفتاء والمفتي الغرياني على حافة الاستعداد ومواجهة التكتلات المسلحة الأخرى في طرابلس مما يدفع باحتمالات سيناريو السيولة بين تلك التشكيلات والعبث بالاستقرار الهش في مدن الغرب الليبي.

صرعات داخلية على الاستحقاق الانتخابي

في سياق آخر ذي صلة بالأوضاع المحلية اجتمع رئيس “حكومة الوحدة الوطنية” عبد الحميد الدبيبة ورئيس “مجلس الدولة الليبي” محمد تكالة، يوم الاثنين الموافق الثالث عشر من شهر أيار/ مايو الجاري بشأن المشاورات نحو  تنفيذ انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة عادلة ونزيهة في ليبيا.

وبيّن المكتب الإعلامي لرئيس “حكومة الوحدة الوطنية” أنه جرى خلال اللقاء الاتفاق على ضرورة التركيز على المشاريع التنموية ودعم البلديات لتنفيذ برامج الإدارة المحلية والقضاء على المركزية، وضرورة معالجة ملف المحروقات ووضع الضوابط اللازمة.

الرئيس السابق خالد المشري المحسوب على تيار “الإخوان المسلمين” في ليبيا حسم موقفه لصالح الترشح من جديد على منصب رئيس “المجلس الأعلى للدولة”- “إنترنت”

اتفق الدبيبة وتكالة في اللقاء الأخير على عقد اجتماعات للمتابعة من قبل “مجلس الدولة” و”هيئة الرقابة الإدارية” و”ديوان المحاسبة”، بهدف تعزيز خطة الإفصاح والشفافية في كافة المصروفات الحكومية.

وجرى خلال اللقاء الذي عقد بـ”ديوان مجلس الدولة” بحث الشأن السياسي والإنفاق الحكومي للعام الجاري  2024.

إلى ذلك أكد محمد تكالة رئيس “المجلس الأعلى للدولة”، التزامهم باتفاق القاهرة بما في ذلك البنود المتعلقة بتشكيل الحكومة وتنفيذها في القريب العاجل.

وتحدث الأخير لـ “بي بي سي”، قائلاً عن علاقته برئيس “حكومة الوحدة الوطنية”، عبد الحميد الدبيبة، إن تعامله مع الدبيبة يأتي في إطار الاعتراف الدولي بحكومته واعتراف “المجلس الأعلى” بها أيضاً وفي سياق تعامل مجلسه مع مؤسسات الدولة الأخرى التنفيذية والتشريعية.

وفيما يتعلق بحكومة أسامة حماد في بنغازي شرق ليبيا قال رئيس “المجلس الأعلى للدولة” إنها لم تكن “حكومة شرعية منذ البداية”. واعتبر تكالة من جانبه، اعتراف “مجلس النواب الليبي” في طبرق بحكومة حماد بأنها مناكفة سياسية ورسائل ظل يبعث بها رئيس “مجلس النواب”، عقيلة صالح إلى الدبيبة، على حد قوله.

يأتي ذلك في ظل تتابع أنباء من مصادر مطلعة على شأن الوضع في “المجلس الأعلى للدولة” من تراكم الغضب المكتوم ضد رئيسه المنتخب منذ شهر آب/أغسطس الماضي على حساب السيد خالد المشري الذي حافظ على منصبه لعدة دورات متتابعة في إشارة واضحة لرغبة رئيس الحكومة في غرب البلاد استعادة “المجلس الأعلى للدولة” لرقعة الحكومة بعد التناغم الذي حدث بين الرئيس السابق خالد المشري ورئيس “مجلس النواب” في شرق ليبيا، عقيلة صالح نحو اتفاق سياسي يسمح بتشكيل حكومة جديدة تمهيداً للانتخابات على منصب الرئيس.

توجه “الإخوان” نحو مقاليد الحكم

في مقابل ذلك، تحدثت مصادر مطلعة لـ “الحل نت” بأن الرئيس السابق خالد المشري المحسوب على تيار “الإخوان المسلمين” في ليبيا حسم موقفه لصالح الترشح من جديد على منصب رئيس “المجلس الأعلى للدولة”.

وأضافت المصادر التي فضلت عدم الإفصاح عن هويتها، أن أعضاء كتلة التوافق الوطني في المجلس الأعلى للدولة والتي يتكون معظم أعضائها من الحزب الديمقراطي برئاسة محمد صوان ويشكل مع “حزب العدالة والبناء” برئاسة عماد البناني كتلة الذراع السياسية  لتيار “الإخوان المسلمون” غضبهم من أداء الرئيس -تكالة – خلال الشهور الفائتة والتي بدا معها المجلس وكأنه غرفة للحكومة مما وضع معظم الأعضاء في حرج شديد.

رئيس “حكومة الوحدة الوطنية” عبدالحميد الدبيبة يفكر في اختيار شخصية من مدينة مصراته غرب ليبيا كبديل تكتيكي يمكن المناورة به خلال الانتخابات القادمة على منصب رئيس “المجلس الأعلى للدولة”.

مصادر مطلعة خاصة لت”الحل نت”

نحو ذلك تابعت المصادر حديثها قائلة إن ثمة تحركات في إطار حملة مبكرة لانتخابات رئيس “المجلس الأعلى للدولة” خلال مطلع شهر آب/ أغسطس القادم نحو ترتيبات لافتة من “حكومة الوحدة الوطنية” ورئيسها عبدالحميد الدبيبة للحفاظ على استمرار منصب الرئيس حيز الحكومة ورئيسها عبدالحميد الدبيبة سواء من خلال الاستقرار على مواصلة دعم رئيس المجلس الحالي، محمد تكالة أو اختيار شخص آخر يمثل الحكومة في المرحلة القادمة وسيناريو الاعتماد على شخصية تعمل داخل سياق تفتيت الأصوات لصالح تكالة خاصة مع قرار خالد المشري الترشح على منصب رئيس “المجلس الأعلى للدولة” وفرصه الكبيرة لحيازة المنصب.

لفتت المصادر بقولها إلى أن رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة يفكر في اختيار شخصية من مدينة مصراته غرب ليبيا كبديل تكتيكي يمكن المناورة به خلال الانتخابات القادمة على منصب رئيس “المجلس الأعلى للدولة”.

اختتمت المصادر حديثها لـ “الحل نت” أن ثمة ترجيحاً لصياغة خريطة تحالفات أمنية وسياسية جديدة في طرابلس والغرب تحديداً من خلال رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة تضمن له البقاء في منصبه خلال العامين القادمين في مواجهة تلك التحركات التي تعمل على تشكيل حكومة مصغرة بغية توحيد السلطة التنفيذية في كافة الجغرافيا الليبية.

إذاً، يبدو أفق الحل السياسي في ليبيا مشتبكاً بصورة معقدة من خلال توظيف كافة الأجسام السياسية المحلية الفاعلة لحالة التنافس والصراع الدولي والتحرك على حواف هذا الصراع وداخل عمق تناقضاته واستخدام كافة آلياته نحو كل التفاعلات المحلية مما يجعل خلق بيئة ناضجة لدفع ليبيا بعيداً عن نفق الدولة الهشة أمر غير يسير. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات