في كل خطاب له، يظهر حسن نصرالله وكأنه صاحب الدين والدولة في لبنان، والآمر الناهي فيها ومالك زمامها ولجامها. يختفي لبنان الرسمي كلما نطق نصرالله ويتوارى زعماؤه السياسيون الذين ينشغلون بمصالحهم الخاصة.

يتميز الخطاب السياسي لحسن نصرالله بالتجاهل، والتعالي، فيتجاهل الأوضاع الاقتصادية والمالية التي تعاني منها لبنان منذ سنوات لأسباب هو وحزبه عامل رئيسي فيها. ويتعالى بخطابه المتغطرس على مخاوف الشعب اللبناني من مغبة حرب شاملة تعيد دائما إلى الأذهان حرب تموز/يوليو 2006. 

فالساحة اللبنانية على صفيح ساخن من قتلى وجرحى ودمار كبير هي حصيلة ساعات من المواجهات العنيفة على جبهة جنوب لبنان – شمال إسرائيل، حيث لجأت تل أبيب و”حزب الله” إلى تصعيد عملياتهما العسكرية، وتوسيع رقعة الاشتباك. 

ففي الوقت الذي يشهد فيه الجنوب اللبناني الغارات الجوية المتتالية من إسرائيل، تخبرنا التقارير من داخل ميلشيات “حزب الله” بوجود تصدع داخلي بين القادة والمقاتلين. مما يضع الحزب وسياسته الحربية في مأزق؛ لأن هذا الوقت ليس وقت مناسب لتصفية الحساب الداخلية بين قادة الحزب ومقاتلين.

هذا إن دل على شيء، دلت على ضعيف البنية الهيكلية الداخلية للحزب وميلشياته وخاصة في ظل غياب اللغة المشتركة للتفاهم، حيث لجأ قادة الحزب إلى التهديد والوعيد للمقاتلين الميلشيات، ورد المقاتلين بالتجاهل والتعالي عن الرد أيضاً، ليضعوا حسن نصرالله في موقف لا يحسد عليه، فهل تدور الحرب دون محارب !!! مما يجعلنا نتسأل لماذا يرفض مقاتلو “حزب الله” العودة إلى الحرب؟ وما أثر هذا على الحزب وسياسته؟ وهل يبحث “حزب الله” عن بديلا للمقاتلين؟

عصيان داخل “حزب الله”

أفاد موقع “الجنوبية” اللبناني، بوجود تقارير خاصة تكشف عن عصيان مقاتلي الاحتياط في “حزب الله”، ورفضهم العودة إلى القتال في الجنوب، مما ترتب عليه أن قامت إدارة الحزب بتهديدهم بحرمانهم من المساعدات وتعويضاتهم والضمان الصحي لإجبارهم على تغيير قرارهم. 

حسن نصر الله حزب الله لبنان إيران النظام الإيراني الحرس الثوري فيلق القدس إسماعيل قآاني إسرائيل لبنان
أعضاء من حزب الله يشاركون في تشييع أربعة أفراد من عائلة واحدة قتلوا في غارة جوية إسرائيلية في جنوب لبنان قبل أيام، في 11 مارس/آذار 2024، في بليدا بالقرب من الحدود مع إسرائيل. (تصوير حسن فنيش/وكالة الصحافة الفرنسية)

فقد أرسل الحزب الآلاف من الدعوات لمقاتلين سابقين في صفوفه يدعوهم إلى العودة للقتال في سبيل القدس. في حين أكدت مصادر من داخل “حزب الله” أن المقاتلين رفضوا العودة للحرب بسبب تقصيره في عمليات نقل ودعم النازحين من الجنوب. 

بعد رفض الالتحاق من المقاتلين عمل “حزب الله” على تفعيل معادلة لا التحاق لا مساعدات. ويبدو أن الحزب سيدخل على هذه المعادلة تعديل أكثر قسوة للتعامل مع المقاتلين، فالوقت وقت الحرب لا مجال فيه للمساومات والضغط من جانب المقاتلين.

كما أن هذه المعادلة وتفعيلها توضح بطريقة لا تحتمل الجدل، زيف الشعارات التي لطالما تغنى بها أنصار “حزب الله” مثل شعار ” فداء السيد” هو الشعار الشهير الذي يطلقه أنصار الحزب زاعمين خلاله أن أرواح ضحايا القصف هي فداء لـ حسن نصرالله زعيم الميلشيا، وبذلك سقطت دعوة الفداء على جبهة دعوات الرفض من المقاتلين، الذين وصفهم حسن نصرالله فيما سبق بأنهم أشرف الناس. 

هنا تثار الأسئلة، هل سقطت هذه الصفة عنهم مع إعلانهم عن رغبتهم في عدم العودة إلى الحرب!!! وهل يعني هذا بداية سقوط هيكل “حزب الله” وخاصة أن أغلب القرى في الجنوب باتت شبه مدمرة وخالية من السكان!!! 

في وقت الذي يصل الصراع الداخلي في الحزب إلى ذروته، ليشهد “حزب الله” تهديدا حزبياً داخلياً، ودمراً جغرافياً، يخرج إعلان شخصي وخاص جداً عن حسن نصرالله هو يودع والدته في المستشفى قبل أيام من وفاتها خلال الأيام الماضية. فهل نَفَذت طرق الحزب في استقطاب جنوده وعودتهم، فعمد إلى لغة العطف والاستعطاف. وهنا نطرح سؤال جوهري لماذا يرفض المقاتلين العودة للقتال؟

لماذا العصيان؟

توجد جملة من الأسباب التي تدفع المقاتلين إلى رفض العودة، منها ما هو متعلق بسياسة “حزب الله” المقترنة بطبيعة الحال بالأوضاع الاقتصادية التي يمرّ بها الحزب منذ سنوات، وأيضا هناك أسباب تتعلق بالمقاتلين أنفسهم وعدم رعاية الحزب لأسرهم هذا ما كشفت عنه التقارير التي أشار إليها موقع “الجنوبية”. وهناك أسباب غير مباشرة تتعلق بطريقة إدارة ومشاركة الحزب في حروب المنطقة.

زعيم حزب الله حسن نصر الله يلقي خطابا متلفزا في خربة سلم بجنوب لبنان في 14 يناير 2024، بمناسبة مرور أسبوع على مقتل القائد الميداني وسام الطويل (في الصورة – يمين). (تصوير محمود الزيات/وكالة الصحافة الفرنسية)

بحسب تعليق الكاتب الصحفي، إبراهيم ريحان، فإن السبب في رفض المقاتلين العودة إلى القتال ليست بسبب الخوف، وإنما لأن أمد الحرب طال هذه المرة، فلن يحدث من قبل أن دخل “حزب الله” حرب واستمرت أكثر من شهر، أو ثلاثة وثلاثين يوما كما حدث في حرب تموز 2006، فقد كانت هذه الفترة مريحة له نسبياً للاعتناء بـ الأهالي والنازحين من الجنوب. 

ولكن اليوم بعد أن طال أمد هذه الحرب، فلن يكن أحد يتوقع أن تستمر الحرب ما يقرب من ثمانية شهور، فقد أدى هذا إلى عبء النزوح، كما أن العديد من النازحين قد فقدوا منازلهم وفقدوا تجارتهم وفقدوا أرضهم الزراعية مما يعني أن أغلب النازحين من عائلات هي في الأساس تعيش على النشاط الزراعي وتقوم حياتها على مدخلات الزراعية مثل الزيتون والتبغ الذي احترق في الموسم الماضي بسبب الحرب، فهم أصبحوا بلا مصدر رزق لهم. 

ما يأخذونه من “حزب الله” لا يكفي للعيش عليه وخاص مع تفاقم أزمة السكن في ظل الهجرة الداخلية المستمرة، ومع ارتفاع الأسعار في كل السلع اليومية، فلن يعد ما يحصلون عليه من الحزب يكفي لشراء أبسط الأمور الحياتية اليومية. 

أيضا مما ساهم في تفاقم المشكلة بين “حزب الله” والمقاتلين هو أن الحزب لم يتناول الأمر بجدية، ولم يقدم حلولا لموضوع النازحين من الجنوب، وهذا في ظل أن الدولة اللبنانية لا تستطيع أن تلبي احتياجات النازحين بشكل مقبول بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها الحكومة. 

كما أن تعرض لبنان طول الفترة الماضية للعقوبات الاقتصادية أثر بشكل ملموس على مدخلات “حزب الله” التي فقد جزء كبير منها بسبب الحرب في سوريا أو المشاركة في الحروب في المنطقة. واليوم بحسب ريحان، لا أحد يقدم الدعم لأسر النازحين وعائلتهم، الذي هو جزء كبير منهم هم عائلات المقاتلين في “حزب الله”، هو ما أدي إلى العصيان الذي يعيشه الحزب اليوم في الجنوب.

ويري الكاتب اللبناني محسن الحاج، في تعليقه لـ”الحل نت”، عن عصيان مقاتلي الحزب، أن الأخير أنهك المقاتلين في حروب كثيرة خلال السنوات الماضية، فـ”حزب الله”، وسّع من نطاق عملياته بإرسال جحافل من مقاتليه إلى سوريا وعشرات المدربين العسكريين إلى العراق وبدعمه للانقلابين في اليمن، كما ساعد في تنظيم مجموعة من المقاتلين المسلحين من أفغانستان الذين يمكنهم القتال في أي مكان تقريبا. 

كل هذه العمليات كانت في مقابل استغلال الحزب لحاجة المقاتلين إلى المال. فالمتعاقد كان يتقاضى حوالي 400 دولار، والمتفرّغ (أعلى رتبة) نحو 600 دولار، إلا أن رواتبهم خُفّضت إلى النصف مع الإجراءات الاقتصادية الصعبة وخاصة مع العقوبات الإيرانية المستمرة التي منعت إيران من تقديم الدعم المالي لـ”حزب الله” ومقاتليه.

“حزب الله” يمر بأزمة اقتصادية دائما بسبب نشاطه العسكري المستمر في الجبهة اللبنانية في المنطقة العربية، على اعتبار أنه جزء من محور المقاومة الإيرانية. فقد أطلق “حزب الله” حملة إعلامية يجمع فيها التبرعات ويطالب المواطنين بالتبرع له لشراء صواريخ ومسيّرات تحت عنوان “مسيرة – ميسرة”، حيث طالب فيها اللبنانيين بأن يكونوا جزءاً من المعركة لمواجهة إسرائيل، واختتمت الحملة بعبارة “هيئة دعم المقاومة”، وهي هيئة رسمية للحزب مع أرقام هاتف ليتصل بها المتبرعون.

 وبالتزامن مع تلك الحملة، أفادت تقارير أن طهران زوّدت “الحوثيين” في اليمن بصاروخ باليستي من طراز “قدر” الذي يُطلق من البحر. وهذا ليس بشئ جديد على “حزب الله” فقد سبق وفعل نفس الأمر في عام 2019 ، فاستنجد نصرالله في إطلالته بـ”هيئة دعم المقاومة” لمواجهة العقوبات بدعوته من أسماهم “الإخوة والأخوات” إلى تفعيل نشاطهم المادي لجمع التبرعات، لأننا على حدّ قوله “نحتاج إلى التعاطف من جديد” وعلى المناصرين أن “يوفّروا فرصة الجهاد بالمال عبر قجّة المقاومة”. 

إن “حزب الله” سلك مسار الداخلي بعدما المزيد من العقوبات الاقتصادية على طهران، والتي شملت خصوصاً قطاع النفط إلى جانب قطاع المصارف ما أضعف قدرته المالية وأثّر على تمويله، لا سيما أن حوالي 700 مليون دولار من عائدات النفط كان يُنفقها النظام الإيراني سنوياً على ميليشيات “حزب الله”، باتت الآن أمراً مستحيل، نتيجة استراتيجية الولايات المتحدة ة تجاه إيران والتي تهدف إلى الوصول بالصادرات النفطية الإيرانية إلى المستوى “صفر”، أو ما يُعرف بالتصفير النفطي.

 كما إن “حزب الله”، منخرط في كل قتال تقريبا يهمّ إيران، والأهم أنه ساعد في تجنيد وتدريب وتسليح طيف من المليشيات المسلحة الجديدة التي تخدم أيضا أجندة إيران في المنطقة. والتحالف مع إيران يعني المال لتسيير شبكة الخدمات الاجتماعية الموسّعة في لبنان من مدارس ومستشفيات وقوات الكشافة، فضلا عن الأسلحة والتكنولوجيا وأجور عشرات من المقاتلين في صفوفه.

نتائج العصيان على “حزب الله”

الأزمات الاقتصادية المتتالية التي يعاني منها “حزب الله” مع دخوله المستمر بالحروب، ومع عدم الاهتمام بأهالي المقاتلين كل هذه الأمور دفعت بالمقاتلين إلى العصيان ورفض العودة إلى الحرب بسؤال “الحل نت”: لـ سليم نخله الباحث اللبناني عن مدى تأثير هذا العصيان على “حزب الله”؟

نصرالله إسرائيل
والدة (في الوسط) الموالي لإيران محمد علي عساف، الذي قُتل مع ستة من رفاقه الآخرين في واحدة من أعلى أعداد القتلى في الحزب في يوم واحد، تبكي أثناء موكب جنازة ابنها في بيروت. (تصوير مروان نعماني/ وكالة الأنباء الألمانية)

بلا شك، برأي نخلة، أن هذا سوف يؤثر على جيش “حزب الله” لأن المقاتل الذي تفرغ للقتال في صفوف الحزب وهو يشعر أن أسرته في أمان حتى في حال وفاته في أثر الاشتباك أو القتال أو حتى في غارة، كان يعتقد أن الحزب يتكفل بعائلته حتى إن نزحت إلى مكان آخر بسبب الحرب، وهذا الذي كان يحدث في الفترات الماضية من الاهتمام من قبل الحزب. 

ولكن في ظل غياب الاهتمام من “حزب الله” ربما نشهد خواء داخل الحزب، وبعد ما كان يفتخر حسن نصرالله بالعدد الكبير المقاتلين لديه. وربما سيؤثر هذا العصيان على شعبية الحزب داخل لبنان وخارجها، وهذا الشيعة مهمة لـ”حزب الله” التي تمثل مصدر من مصادر قوته. 

فعندما يضعف هذا المصدر سيؤثر على قوة الحزب في الجبهة الحربية في الجنوب، وفي مدى قوته وتأثيره على اللبنانيين، مما يعني أن هذا العصيان يمثل ضربة أخرى لـ”حزب الله” ليست أقل قوة من الضربات التي يتلقاها من إسرائيل، وهذا يوضح لماذا لجأ الحزب إلى التهديد والوعيد.

وربما كان يتوقع الحزب هذا العصيان؛ لأن الحزب منذ شهر ساهم بتمويل وتسليح ذراع الجماعة الإسلامية – “قوات الفجر”، والتي كانت قد انسحبت من العمل العسكري في الجنوب منذ سنوات وسنوات، فساهم بعودتها لمناطق الجنوب وأخذت بين الحين والآخر تتبنى بعض العمليات، وهذه المجموعات تدور في فلك “حزب الله” وتعمل بوحي منه وتحت حمايته وإشرافه، وكان الحزب بهذا العمل يبحث عن مجده القديم. 

لكن الفعل الأساسي على عاتقه في تحديد توقيت العمليات ونوعية السلاح والأهداف المراد قصفها، وبالتالي أعاد الجنوب لأيام خوال. حين كانت الفصائل الفلسطينية تستبيح الجنوب وتقصف شمال فلسطين مما حقق أهداف إسرائيل في اجتياح العام 1982.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات