أطلق “حزب الله” حملة إعلامية يجمع فيها التبرعات ويطالب المواطنين بالتبرع له لشراء صواريخ ومسيّرات تحت عنوان “مسيرة – ميسرة”، حيث طالب فيها اللبنانيين بأن يكونوا جزءاً من المعركة لمواجهة إسرائيل، واختتمت الحملة بعبارة “هيئة دعم المقاومة”، وهي هيئة رسمية للحزب مع أرقام هاتف ليتصل بها المتبرعون، وبالتزامن مع تلك الحملة، أفادت تقارير أن طهران زوّدت “الحوثيين” في اليمن بصاروخ باليستي من طراز “قدر” الذي يُطلق من البحر.

إعلان “حزب الله” لشرائه الأسلحة علنا، هل يُعتبر مؤشراً على ضعف إمكانيات الحزب المالية؟ وهل هذا يعني أن إيران راعية حسن نصرالله وحزبه تواجه مشكلات اقتصادية.. أم أنها أصبحت تفضل “الحوثي” لتمنحه الدعم السخي بينما تراجعت أهمية “حزب الله” لديها؟

ازدواجية المعايير

كشفت حملة “حزب الله” لجمع التبرعات عن عدد من ازدواجيات المعايير من عدة من الجوانب، ففي الداخل اللبناني، جاءت حملة “حزب الله” لجمع تبرعات بالتزامن مع إعلان رئيس “مجلس النواب” نبيه برّي، أنه فتح قنوات اتصال مع البنك الدولي ومع الدول الصديقة والشقيقة، للمساهمة بإعادة إعمار جنوب لبنان بعد ما دمرته إسرائيل خلال هذه الحرب، بحسب موقع الشرق الأوسط.

شاشة تلفزيونية في مخيم البرج للاجئين الفلسطينيين تبث خطاباً للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 5 يناير/كانون الثاني 2024 في بيروت، لبنان. (تصوير مروان طحطح/غيتي)

فما عكست حملة “حزب الله”، ازدواجية واضحة في المعايير بين مَن يستجدي العالم لإعمار الجنوب، وبين من يطلب تبرّعات للاستمرار بالحرب، والمضيّ بعملية الهدم والدمار.

كما أن الحملة كشفت عن ازدواجية المعايير للحزب نفسه، فـ”الحزب” الذي يستجدي المواطنين لمساعدته، هو نفسه من كان يهدد إسرائيل بالانتقام قبل يومين ويهدد منذ أشهر باستعداده الكبير للحرب وضرب تل أبيب.

أما عن تفسيرات الحملة ذاتها، فهناك من اعتبرها أن الحزب يعاني ضائقة مالية بسبب نقص التمويل من إيران، وهناك أيضاً من فسّرها بأنها محاولة من الحزب لإشراك المواطنين في المواجهة، كنوع من التعبئة الشعبية التي تستهدف إظهار أن اللبنانيين يؤيدون سياسة “حزب الله”، وإثبات الدعم الشعبي له في هذه المرحلة.

حملة “حزب الله” لا تُعتبر جديدة، حيث قامت معلّمة في واحدة من أشهر المدارس في جبل لبنان بطرد تلميذ من صفّه في شباط/فبراير الفائت، ليس لسبب إلا لأنه رفض طلبها بتقديم المال كمساعدة لـ”حزب الله” كونه يخوض معركة في جنوب لبنان، على حدّ تعبيرها، قائلة له: “أنت مش لبناني”.

ولكن لاحقاً ترددت أنباء عن الضائقة المادية التي يعاني منها الحزب أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة، ففي عام 2022، أفادت وسائل إعلام لبنانية بأن “حزب الله” يعاني من نقص التمويل بسبب الاحتجاجات المستمرة في إيران، حيث لا يستطيع الحزب استقدام بضائع تموينية إيرانية لمنتسبيه. بينما في عام 2020 وحده، قدّرت وزارة الخارجية الأميركية أن إيران حوّلت أكثر من 700 مليون دولار إلى “حزب الله”.

لكن في عام 2019، وفق تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، أشار إلى أن العقوبات الصارمة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على التجارة مع إيران عام 2018، أضعفت من قدرتها على تمويل ميليشياتها، وخاصة “حزب الله”، الذي يُعتبر أبرز وكلاء طهران في المنطقة، ويمكن حينها تأريخ بداية الأزمة الاقتصادية التي لحقت بـ”حزب الله”، كما نقلت الصحيفة الأميركية عن عدد من مسؤولي الميليشيات وأعضائها وأنصارها أن إيراداتها هبطت بشكل غير مسبوق، مما أجبرها على إجراء تخفيض كبير على النفقات. 

ماذا قدم “حزب الله” لإيران؟

أحد التفسيرات لنقص التمويل من إيران لـ”حزب الله”، هو أن الحزب فقد مكانته الاستراتيجية في ظل وجود عدد من الميليشيات الأخرى التي تستحوذ على الاهتمام الإيراني وعلى رأسها “الحوثي”. وهذا يأخذنا إلى فهم “الأهمية الاستراتيجية” لـ “حزب الله” لدى إيران، وهل يمكن استبدالها بـجماعة “الحوثي” أم لا؟

حرب بلا قوانين حزب الله يعلن المعركة مع إسرائيل ويحدد شروط الهدنة! (3)
مقاتلو حزب الله يحضرون جنازة رفيقهم الذي قُتل في جنوب لبنان بنيران عبر الحدود مع القوات الإسرائيلية، خلال جنازته في مركبا في 21 ديسمبر 2023. (تصوير وكالة فرانس برس)

مما لاشك فيه أن “حزب الله” يُعد الحليف الأهم لإيران في المنطقة، وفي مناسبات عدة دعم مصالح طهران وبأشكال عدة، كما قام “الحرس الثوري” الإيراني بدور في تطوير الجناح العسكري للحزب.

تقرير لوزارة الخارجية الأميركية لعام 2015، قدّر أن إيران زوّدت “حزب الله” بمئات ملايين الدولارات، وبعد تدريب “الحرس الثوري” لمقاتلي الحزب تمكّن هؤلاء من تدريب بقية عناصره.

هناك مصالح استراتيجية تربط إيران بـ “حزب الله”، فيعتبر الحزب أداة من أدوات الردع في مواجهة أي ضربات أو هجمات عسكرية من قبل الغرب لإيران، لذا مثل الحزب أحد مصادر الردع في التصدي لتهديدات توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية خلال الفترة من 2005 إلى 2010.

كما يمثّل الحزب محوراً رئيساً في استراتيجية إيران التي تقوم على توظيف أدوات و وكلاء إقليميين في الدول محل اهتمام إيران، حيث يعمل الحزب جنباً إلى جانب “الحرس الثوري” في تأسيس وتدريب ونقل السلاح إلى الميليشيات والتنظيمات العراقية واليمنية، وكذلك قام بدور في الحرب السورية للحفاظ على بقاء بشار الأسد، كما أن “حزب الله” يساعد في الحفاظ على توازن القوى الإقليمي، خصوصاً ضد إسرائيل.

من جانبه، علّق كميل البوشوكة، الباحث في معهد “الحوار” للأبحاث والدراسات، بأن إيران تريد أن تُظهر للغرب والدول الإقليمية أن محور المقاومة مثل “حزب الله” لديه عددٌ كبير من المؤيدين في المنطقة، لذلك سيقف الناس إلى جانب هذه الميليشيات من خلال الاستجابة لطلب “حزب الله” للتبرع. 

واعتبر البوشوكة في حديثه لـ”الحل نت”، أن التبرع يُعتبر جزءاً من أجندة النظام الإيراني. الذي أيضاً يطلب التبرعات من الشعب الإيراني من أجل أجندته، ولكن يتم تغطيتها بدعم إنساني مثل دعم الضحايا في الكوارث والفيضانات وغيرها من الكوارث.

إن ما يحدث وفق تفسير البوشوكة، هو تكتيك سياسي من جانب إيران من أجل مزيد من التقارب مع الدول العربية، كما أن إيران تُجري مفاوضات مع أميركا والغرب من وراء الكواليس، وتريد أن تقول لهم إن سياستنا منفصلة عما تفعله هذه الميليشيات، فهي تعمل من تلقاء نفسها.

هل استولى “الحوثي” على اهتمام إيران؟

بالتزامن مع حملة “حزب الله” لجمع التبرعات المثيرة للجدل، أفادت أنباءٌ الأربعاء 29 أيار/مايو الجاري، أن إيران زوّدت “الحوثيين” في اليمن بصاروخ باليستي من طراز “قدر” الذي يُطلق من البحر، فيما يُعتبر صاروخ “قدر”، نسخة محسّنة من صاروخ “شهاب-3 أ”، ويُشار إليه أيضا باسم “قدر-101”.

المراكز الثقافية الحوثية سم قاتل لتغيير الهوية اليمنية ودعم معركة المد الإيراني (4)
متظاهر يمني يرفع لافتة مكتوب عليها “هجمات إيران على إسرائيل أسعدت المسلمين” أثناء مشاركته في مظاهرة تضامنية مع الفلسطينيين ضد إسرائيل، في 19 أبريل/نيسان 2024، صنعاء، اليمن. (تصوير محمد حمود/غيتي)

“قدر-110” يصل طوله إلى 16.5 مترا، وقطره إلى 1.25، بينما يصل مداه الأقصى إلى 1950 كم، و وزن رأسه الحربي 798.3 كغ. فيما يُعتبر صاروخ “قدر” أول صاروخ باليستي إيراني مضاد للغواصات. وسيقدم الآن لـ”الحوثيين” لاستخدامه في الخليج العربي. 

هذا مما لا شك فيه، يعكس اهتمام إيران بـ”الحوثي”، والذي كما يبدو أنها أثبتت كفاءة في إزعاج الغرب والدول العربية خلال الستة أشهر الأخيرة، حيث هاجم “الحوثيون” في اليمن، كثيراً من سفن الشحن التي تبحر في البحر الأحمر. 

في البداية، بعد اندلاع الحرب في قطاع غزة، ركّزت جماعة “الحوثي” هجماتها على سفن زعمت أنها إسرائيلية، وفي وقت لاحق، بدأوا في تنفيذ هجمات عشوائية ضد السفن الدولية، من دون تقديم أي تفسيرات.

فيما تعود العلاقة بين “الحوثي” وإيران، إلى ما قبل 20 عاماً، وهم فصيل يُشكّل حوالي 30 بالمئة من سكان اليمن، حيث قاموا بالتمرد على الحكومة المركزية في اليمن. دعمهم النظام الإيراني، بمساعدة “قوة القدس” التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني، التي تموّل وتدرب منظمات وميليشيات أخرى.

في عام 2009، بدأت إيران في تزويد “الحوثيين” بكميات كبيرة من الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ والطائرات من دون طيار، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية دقيقة حصلت عليها سفينة الاستطلاع الإيرانية “شاهد”.

وفي السنوات الأخيرة، كانت طهران تزود “الحوثيين” بمئات الملايين من الدولارات سنوياً. أما في الوقت الحالي، يتلقى حوالي 120 ألفاً من عناصر الجماعة المصنّفة إرهابية، معدات قتالية ورواتب من طهران.

طهران حوّلت أنظارها

يمكن فهم أن الدافع وراء اهتمام إيران بـ”الحوثيين” هو الضرورات المحلية والطموحات الإقليمية، فحتى لو قاموا بوقف هجماتهم في البحر الأحمر إذا وافقت إسرائيل و”حماس” على وقف إطلاق النار، فإن طموحاتهم المحلية، إلى جانب أهداف إيران الأوسع، ستجعل “الحوثيين” قوة لا يُستهان بها في المنطقة، وربما هذا ما يقف خلف الاهتمام الإيراني بهم.

بعد ثماني سنوات من الصراع، أصبح “الحوثيون” الآن أقرب عسكريًا إلى إيران، وربما ازدادت أهميتهم خلال الشهور الأخيرة، كما أنهم أصبحوا أكثر اندماجا من ذي قبل في الشبكة المسلحة الموالية لإيران. 

لكن “الحوثيين” يختلفون عن وكلاء إيران في المنطقة، ليس فقط في كونهم جزءاً من المذهب الشيعي الزيدي. لكن تتمتع الحركة المسلحة اليمنية بالاستقلال الاقتصادي عن طهران، ولها أجندتها السياسية الخاصة وبنية السلطة المتميزة التي تقودها النخبة على عكس “حزب الله”.

على الرغم من التكامل المتزايد، فإن العلاقة بين “الحوثيين” وإيران ليست علاقة راعي كلاسيكي. وفي حين أن “الحوثيين” يتصرفون في كثير من الأحيان كوكلاء للحصول على الشرعية الإقليمية وتعزيز موقفهم تجاه الجهات اليمنية، فإن لديهم أجندتهم الخاصة فضلاً عن أن “الحوثيين” هم لاعبون سياسيون براغماتيون وقابلين للتكيف، وهي المميزات التي كما يبدو استغلتها إيران، حيث سمحت مرونة “الحوثيين” وقدراتهم غير المتوقعة للإيرانيين بوضع المملكة العربية السعودية بشكل غير مباشر تحت الضغط، وعن طريقهم حصلت إيران أيضاً على منفذ غير مباشر إلى البحر الأحمر.

أخيرا، ربما لم يعد “حزب الله” جزء استراتيجي من أجندة النظام الإيراني؛ خصوصا مع إثبات جماعة “الحوثي” أهميتها الاستراتيجية، لذا حوّلت دعمها إليها لأنها تخدم أجندة طهران الخارجية أكثر من “حزب الله” الذي أجمع الغرب بعد أحداث غزة على ضرورة إيقافه والخلاص منه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات