استكمالاً للجهود البحثية التي يقوم بها “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية” بالتعاون مع منصات أخرى، نشرت وبالتعاون مع “المركز السوري للتطوير القانوني”، تقريراً بحثياً مكملاً لتقرير سابق حلل فيه خلفيات أكبر 100 مورد سوري للأمم المتحدة، بين عامي 2019 و2020، فيما يتعقب التقرير الجديد مشتريات الأمم المتحدة من مؤسسات الحكومة السورية، ويحلل شفافية عمليات الأمم المتحدة الإنسانية في سوريا.

وتتبع التقرير البحثي الجديد نسبة المشتريات من الموردين الذين تتكتم الأمم المتحدة على هوياتهم داخل سوريا عبر الزمن، ومقارنتها بدولٍ أخرى لديها استجابات إنسانية كبيرة.

واستندت تحليلات التقرير إلى معلومات من مصادرَ متنوعة مثل “قاعدة بيانات المرصد والسّجلات التجارية في سوريا والمواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الأعمال لتحديد احتمالية انتهاك أولئك الموردين لحقوق الإنسان متّبعين المنهجية التي طورتها “هيومن رايتس ووتش” و”البرنامج السوري للتطوير القانوني”.

كما واعتمد التقرير أيضاً على مقابلاتٍ مع موظفين سابقين في الأمم المتحدة وخبراء في عمليات الاستجابة الإنسانية في سوريا. وكان الهدف من التقرير فهم عمليات الشراء في الأمم المتحدة والمبادئ التوجيهية والتحديات، لتحديد القضايا التي قد تؤدي إلى منح عقودٍ لكياناتٍ منتهكةٍ لحقوق الإنسان.

انخفاض مشتريات الأمم المتحدة داخل سوريا

ويتعقب التقرير البحثي الجديد لأول مرة، مشتريات الأمم المتحدة من المؤسسات الحكومية السورية خلال الفترة التي تتيح بها الأمم المتحدة بيانات المشتريات على شكل قاعدة بياناتٍ (2016-2022).

ذكر التقرير أن المشتريات من داخل الدولة انخفضت أيضاً، ولكنها بالمقابل أصبحت أكثر خطورة نسبياً من حيث احتمالية تورط المورد بانتهاكات لحقوق الإنسان- “إنترنت”

وقد استخدم معدو التقرير الجديد بيانات مسربة من “وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية”، تظهر شركاء الأمم المتحدة من المنظمات غير الحكومية، والتي لا تنشرها الأمم المتحدة علناً على الإنترنت.

ويضيف التقرير البحثي الجديد، أن نتائج تحليل البيانات تُظهر انخفاضاً واسع النطاق في المشتريات من سوريا عبر مختلف وكالات الأمم المتحدة، حيث أبلغت 10 وكالاتٍ من أصل 14 عن انخفاض مشترياتها في الفترة 2021-2022، مقارنة بـ 2019-2020.

ويشير هذا الانخفاض إلى تحول في سياسة الأمم المتحدة حول مصادر توريد لوازم الاستجابة الإنسانية في البلاد، على الرغم من أن تجنب المشتريات من داخل الدولة المستهدفة يضر بالاقتصاد المحلي في الظروف العادية، إلا أنه مرحب به في السياق السوري في ضوء النهب الممنهج للمساعدات.

وطبقاً لبياناتِ مشتريات الأمم المتحدة، في الفترة 2021-2022، تم شراء ما مجموعه 308,759,391 دولاراً (309 مليون دولارٍ) من موردين مقيمين في سوريا.

ويغطي تقييم التقرير المخاطر لأكبر 100 مورد خلال هذين العامين ما نسبته 95 بالمئة من إجمالي المشتريات من الموردين من القطاعين الخاص والمشترك، الذين تفصح الأمم المتحدة عن أسمائهم، وهو ما يسمح للتقرير بإطلاق تعميمات حول مشتريات الأمم المتحدة بقدر معقول من اليقين.

وذكر التقرير أن المشتريات من داخل الدولة انخفضت أيضاً، ولكنها بالمقابل أصبحت أكثر خطورة نسبياً من حيث احتمالية تورط المورد بانتهاكات لحقوق الإنسان، حيث لاحظ التقرير ارتفاع نسبة المشتريات من الموردين ذوي مستويات الخطورة “المرتفعة” و”المرتفعة جداً” خلال الفترة 2021-2022، مقارنة بالفترة 2019-2020. وهو ما قابله انخفاض بنحو ستِّ نقاط مئوية في المشتريات من الموردين ذوي الخطورة المتوسطة.

بينهم سامر فوز ومحمد حمشو

وشكّل الموردون ذوو المخاطر المرتفعة جداً والمرتفعة 52 بالمئة خلال الفترة 2021-2022، مقارنة بـ 47 بالمئة في العامين السابقين. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا التّحول ناتجاً عن خروج الموردين ذوي المخاطر المنخفضة من السوق في ضوء تزايد ممارسات حكومة دمشق في مضايقة رجال الأعمال.

كذلك، ينعكس ارتفاع المشتريات من الموردين الخطرين على زيادة حصّة المشتريات من الموردين المملوكين لأفرادٍ خاضعين للعقوبات الدولية: من 23 بالمئة في الفترة 2019-2020، إلى 31 بالمئة في الفترة 2021-2022. ومعظم هؤلاء الموردين الخاضعين للعقوبات هم من المقرّبين من حكومة دمشق، مثل سمير حسن، سامر فوز، محمد حمشو، وبلال النعال.

في عام 2022، تجاوزت مشتريات المنظمات الحكومية والقطاع المشترك مثل “الهلال الأحمر العربي السوري” و”محروقات-سادكوب” 3 ملايين دولار.

وبحسب التقرير، تكشف قائمة أكبر 100 موردٍ خلال الفترة 2021-2022 كذلك أن الموردين ذوي مستويات المخاطر الأعلى يميلون إلى تلقّي تمويلا أكبر من الأمم المتحدة، وهو ما لوحظ أيضاً -وإن كان بدرجة أقل- خلال الفترة 2019-2020. وقد عززت سنوات حكم القلّة الفاسدة الروابط بين أكبر الشركات والطبقة الحاكمة، مما رسخ رأسمالية المحسوبية التي انتشرت بشكل أكبر خلال حكم الرئيس السوري بشار الأسد. وقد تزايد هذا الاتجاه منذ صراع عام 2011، مما أدى إلى ظهور طبقة جديدة من رواد الأعمال الذين استفادوا في البداية من الحرب ويواصلون الآن توسيع احتكارهم لقطاعات مختلفة.

وللتحقيق في مشتريات الأمم المتحدة من المؤسسات الحكومية، قام معدو التقرير بمراجعة قاعدة بيانات المشتريات وحددوا جميع الموردين الحكوميين منذ عام 2015 وحتى 2022. بينما ينطبق تصنيف المخاطر على الموردين من القطاعين الخاص والمشترك فقط.

ومن بين 727 مورداً مختلفاً خلال الفترة 2021-2022، تيين أن عشرين منهم مؤسسات حكومية، مما يعكس صغر حجم التوريدات من المؤسسات الحكومية مقارنة بالاستجابة الإنسانية بشكل عام، فيما تراوحت قيمة تلك التوريدات بين 1-2 مليون دولار سنوياً بين عامي 2015 و 2021.

وبحسب التقرير، فإنه يتم منح بعض الموردين عقوداً بدون قيود وذلك بسبب عدم توفر البدائل، كما في حالة شركة الكهرباء، والتي هي المورد الوحيد للكهرباء في سوريا.

سيارات تابعة لـ”الهلال الأحمر العربي السوري”- “إنترنت”

ويقول التقرير، إنه نظراً للمستويات المرتفعة -بشكل استثنائي- من الفساد الحكومي في سوريا، ينبغي الحضّ أينما أمكن على عدم التعاقد مع مؤسسات الدولة. في عام 2023، احتلت سوريا المرتبة 177 من أصل 180 دولة من حيث مؤشر مدركات الفساد.

وفي عام 2022، تجاوزت مشتريات المنظمات الحكومية والقطاع المشترك مثل “الهلال الأحمر العربي السوري” و”محروقات-سادكوب” 3 ملايين دولار. كذلك ارتفعت مشتريات المحروقات في عام 2022 ومن المرجح أن ترتفع أكثر، حيث بدأت حكومة دمشق بفرض أسعارٍ أعلى بكثير من التكلفة في أعقاب زلزال شباط/ فبراير 2023 دون أيِّ معارضة علنية من الدول المانحة والأمم المتحدة.

افتقار الأمم المتحدة للشفافية

اللافت وبحسب التقرير، فإن ما يثير القلق بشكلٍ خاص هو افتقار الأمم المتحدة إلى الشفافية، ففي عام 2022، سجلت سوريا أعلى حصّة من المشتريات من الموردين الذين تتحفظ الأمم المتحدة على هوياتهم في قاعدة بياناتِ مشترياتها لأسباب “الأمن” أو “الخصوصية” مقارنة بأكبر خمس دول في العالم من حيث حجم الاستجابة الإنسانية.

وتظهر البيانات أن الوكالات الأممية التي تشتري من موردين لم يتم الإعلان عن هويّاتهم تميل إلى أن تكون متّهمة بارتكاب المزيد من الانتهاكات. مثلاً، اتّهمت وكالة “أسوشيتد برس” منظمة “الصحة العالمية”، الرائدة في مثل هذه المشتريات، بتسليم “قطعٍ ذهبية وسيارات” إلى مسؤولي الحكومة السورية.

وحصل معدو هذا التقرير على مجموعة من البيانات المسرّبة في تموز/ يوليو 2023 من “وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية”، تحدد البيانات لكل شراكة المنظمات السورية والوكالات الأممية الشريكة، والمبلغ المخصص للشراكة، ونوع الأنشطة الممولة، وعدد المستفيدين، ومكان التنفيذ، وقرار الدوائر الحكومية المسؤولة حول السماح ببدء النشاط أو إيقافه.

وأظهرت القائمة المسرّبة أن المنظمات غير الحكومية التي تمولها الأمم المتحدة تظهر دعماً صريحاً وقوياً للحكومة في دمشق، التي تسببت بجزء كبير من الكارثة الإنسانية على السوريين في المقام الأول، وارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

على الرغم من الاتهامات الموجهة له بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، يواصل محمد جلبوط المشاركة في الاجتماعات التي تقودها الأمم المتحدة، وآخرها تمثيل “المجتمع المدني السوري” في جنيف بغرفة دعم المجتمع المدني في 29 كانون الثاني/ يناير 2024.

وبشكل خاص، تسلط مجموعة البيانات الضوء على التمويل التفصيلي لـ “الأمانة السورية للتنمية”، التي تقودها زوجة الرئيس السوري، أسماء الأسد، ومنظمات غير حكومية عديدة تدعو بقوة إلى إعادة انتخاب بشار الأسد مؤخراً، وكذلك إلى الشراكة مع نجل وزير الدفاع السابق.

منظمات تابعة لدمشق في جنيف!

كما تكشف مجموعة البيانات أيضاً أنه بين حزيران/ يونيو 2020 وشباط/ فبراير 2021، تلقت منظمة غير حكومية تدعى “نور للإغاثة والتنمية” ما يقارب 1.8 مليون دولار من صندوق الأمم المتحدة للسكان وأكثر من 170 ألف دولار من منظمة “الصحة العالمية”، إلى جانب شراكات سابقة أخرى مع “اليونيسف” و”مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”.

وتنشط هذه المنظمة غير الحكومية في عدة مناطق تابعة لحكومة دمشق، مثل مخيم اليرموك ويلدا وبيت سحم، ويرأس “نور للإغاثة والتنمية” المدعو محمد جلبوط، المتهم بالتعاون مع أجهزة الأمن السورية وتسهيل الإجراءات الأمنية ضد ناشطي “المعارضة السورية”، بما في ذلك انتزاع الاعترافات القسرية والتعذيب، الذي أدى إلى مقتل المصور الفلسطيني نيراز سعيد.

Syrian displaced families, who fled violence after the Turkish offensive in Syria, sit at a refugee camp in Bardarash on the outskirts of Dohuk, Iraq October 25, 2019. REUTERS/Ari Jalal

كما يرتبط جلبوط بميليشيا “لواء القدس” و”الجبهة الشعبية-القيادة العامة”، المدرجة على لوائح الإرهاب في عدد من الدول، وتظهر علاقات جلبوط الدولية أيضاً من خلال فعالياته مع المسؤولين الروس ومشاركته في حوارات سياسية سورية رفيعة المستوى.

وبالإضافة إلى تمويله من قبل العديد من وكالات الأمم المتحدة، على الرغم من الاتهامات الموجهة له بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، يواصل جلبوط المشاركة في الاجتماعات التي تقودها الأمم المتحدة، وآخرها تمثيل “المجتمع المدني السوري” في جنيف بغرفة دعم المجتمع المدني في 29 كانون الثاني/ يناير 2024.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات