في مفاجأة صادمة، أعلنت الحكومة السورية عن حجم الأضرار التي لحقت بالبلاد جراء الحرب المستمرة منذ أكثر من 13 عاماً؛ وفقاً للبيانات الرسمية، بلغت قيمة أضرار الحرب في سوريا نحو 300 مليار دولار أميركي، وهو رقم يُعد خيالياً بالنسبة لاقتصاد البلاد المُنهك.

هذا الإعلان المفاجئ يُثير العديد من التساؤلات حول حقيقة هذا الرقم الضخم، وما إذا كان يعكس الواقع الفعلي للخسائر التي تكبّدتها سوريا جراء سنوات الحرب المدمرة. كما يُثير هذا الإعلان تساؤلاتٍ حول مصير هذا الاقتصاد المنهار والطريق الطويل والشاق نحو إعادة الإعمار.

في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة السورية إظهار حجم الدمار الذي لحق بالبلاد، فإن هذا الرقم الخيالي يُعد بمثابة فقاعة تستنجد بها حكومة دمشق للحصول على المساعدات الدولية المطلوبة لإعادة بناء ما خرّبته سنوات الصراع والحرب المدمرة.

عينٌ على أموال الغرب

في تصريح مثير للصدمة، أعلن وزير المالية السوري، كنان ياغي، أمس الأربعاء، أن قيمة الأضرار التي لحقت بسوريا جراء الحرب المستمرة منذ 13 عاماً قد وصلت إلى 300 مليار دولار أميركي. هذا الرقم الخيالي يعكس حجم الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية والاقتصاد السوري خلال سنوات الصراع العنيف.

لافتة تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد معلقة على جدار في سوق الحميدية في دمشق في 20 سبتمبر/أيلول 2023. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

وفي تصريحات خاصة لقناة “CNBC عربية”، أوضح ياغي أن الحكومة السورية تتطلع إلى تحقيق معدل نمو اقتصادي بنسبة 1.5 بالمئة في العام 2024. وأشار إلى أن دمشق تسعى إلى الاعتماد على محركات النمو الذاتية، من خلال تنمية القطاع الخاص، إلا أن التوترات الجيوسياسية المستمرة قد أثّرت بشكل كبير على توقعات النمو الاقتصادي.

في ظل الأرقام الكارثية غير المتوقعة التي كشف عنها وزير المالية السوري، فإن دمشق يبدو أنها أعلنت عجزها بشكل رسمي، وهي تُدرك حجم التحديات الهائلة التي تواجهها في إعادة بناء ما دمرته سنوات الحرب، لذلك أكد الوزير كنان ياغي، في تصريحات خاصة، على أن بلاده بحاجة ماسة إلى الدعم والقروض الدولية لإعادة إعمار البنية التحتية المنهارة.

وأشار الوزير إلى أن الحكومة السورية تسعى إلى تعزيز التواصل مع المستثمرين السوريين في الخارج، من أجل تشجيعهم على توجيه استثماراتهم إلى داخل البلاد. إلا أن العقوبات المفروضة على النظام المصرفي السوري تُعيق عملية التحويلات المالية إلى الداخل، مما يشكل تحدّياً إضافياً.

ولفت ياغي إلى أن الحكومة تعمل بشكل مستمر على ضبط مستويات التضخم، في محاولة لتحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية. ومع ذلك، فإن التوترات الجيوسياسية المتواصلة تمثل عقبة كبيرة أمام تحقيق النمو الاقتصادي المنشود. وتُظهر هذه التحديات المتنوعة مدى الحاجة المُلحّة إلى مساعدات دولية واستثمارات خارجية لإنقاذ سوريا من أزمتها المطوّلة.

أرقام متضاربة

في عام 2018، وبعد سبع سنوات من الصراع، قدّرت الأمم المتحدة كلفة الدمار في سوريا بنحو 388 مليار دولار أميركي. وهذا الرقم الضخم يُمثل حجم الخسائر الهائلة التي لحقت بالبنية التحتية و الرأسمال المادي في جميع القطاعات.

ذروة غير مسبوقة لأسعار الملابس في سوريا فرحة العيد تُغيّبها أرقام خيالية! (4)
رجل يجلس خارج متجر في أول أيام شهر رمضان المبارك في سوق في مدينة دمشق القديمة في سوريا في 11 مارس/آذار 2024. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

وفي تطور مقلق، ارتفع إجمالي الخسائر الاقتصادية في سوريا خلال تسع سنوات من الحرب إلى أكثر من 530 مليار دولار أميركي بحلول عام 2020. وهذا يمثل زيادة تجاوزت 130 مليار دولار عن أسوأ التقديرات التي قدمها خبراء أمميون وسوريون قبل عامين فقط.

حتى المسؤولون الروس، قبل عامين، كانوا قد تحدثوا عن تكلفة الدمار في سوريا التي بلغت 400 مليار دولار. وهذه الأرقام المذهلة تُبرز فعليا المعاناة الاقتصادية الهائلة التي تتكبدها سوريا جراء سنوات الصراع العنيف.

في ظل الخسائر المرعبة التي تكبدها الاقتصاد السوري خلال سنوات النزاع المديدة، فقد أصبح الواقع الاقتصادي للبلاد في غاية القتامة. ففي عام 2022، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لسوريا أقل من ثلث قيمته في عام 2010، قبل اندلاع الأزمة.

وبحسب تقديرات “المركز السوري لبحوث السياسات”، فإن إجمالي الخسائر الاقتصادية للبلاد، بما في ذلك الفرص الضائعة، قد تجاوزت 700 مليار دولار أميركي على مدار الاثني عشر عاماً الماضية. وهذا الرقم الضخم يُعادل أكثر من 35 ضعف الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022.

لقد شكلت الحرب المدمرة في سوريا أضخم ضربة اقتصادية في العصر الحديث. فقد ترافق الانهيار الهائل في الناتج المحلي مع دمار البنية التحتية والرأسمال المتراكم، مما أدى إلى اختلالات اقتصادية كارثية.

البلاد شهدت تراجعاً مروّعاً في مستويات المشاركة الاقتصادية، حيث وصلت معدلات البطالة إلى أكثر من 40 بالمئة، ما أدى إلى خسارة ملايين السوريين لوظائفهم. كما عانت البلاد من غياب شروط العمل اللائق.

وبالتوازي، تدهورت المالية العامة بشكل مذهل، حيث قارب عجز الموازنة 100 بالمئة من الناتج المحلي، مع انهيار الإيرادات الحكومية وتراجع الإنفاق العام باستثناء النفقات العسكرية. وهذا الوضع أدى إلى تراكم دَيْن عام هائل يفوق 250 بالمئة من الناتج المحلي لعام 2022، ما سيثقل كاهل الأجيال القادمة لعقود.

قيمة أضرار الحرب في سوريا ومع تلاشي الصادرات وزيادة الاعتماد على الاستيراد تجاوز العجز التجاري 40 بالمئة من الناتج وانعكس ذلك في سقوطٍ حر لقيمة الليرة السورية لتصل إلى 15 ألف ليرة للدولار حاليا مقابل 47 ليرة للدولار عام 2010.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات