لم تكتب النهاية لمعضلة منصب رئاسة برلمان العراق حتى مع انعقاد جلسة الحقيقة، السبت الماضي، ليبقى كرسي الرئيس مفقودا، رغم شغوره منذ 6 أشهر، وطبعا بلطجة الحلبوسي كانت السبب في إفشال اختيار رئيس جديد يخلفه لكرسي الرئاسة، فما السيناريوهات المتوقعة أو المقبلة؟ 

السبت المنصرم، عقد البرلمان العراقي جلسته الثانية لاختيار رئيس للبرلمان يخلف الرئيس المعزول من عضوية البرلمان ورئاسته محمد الحلبوسي، بقرار قضائي، في تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم، بتهمة التزوير، لكن الجلسة كان مصيرها مثل مصير الجلسة الأولى، التي عقدت في كانون الثاني/ يناير المنصرم، وهو الفشل أو تعمد إفشالها.

مرشحان من بين 4 يتنافسان بشكل محتدم على المنصب المخصص عرفيا وفق مفهوم المحاصصة السياسية للمكون السني، هما سالم العيساوي، ومحمود المشهداني. الأول يمثل كل القوى السنية باستثناء كتلة “تقدم” التي يتزعمها الحلبوسي، والثاني اضطر زعيم “تقدم” لاعتماده مرشحا للمنصب عن كتلته، علما أن القوى السنية -ما عدا كتلة الحلبوسي- تملك 37 مقعدا، و”تقدم” يملك ذات المقاعد.

مع انعقاد الجلسة بحضور غير معهود من النواب للعملية الانتخابية، بلغ 311 نائبا من أصل 329 نائبا، كانت الأمور تشير إلى أن أمر حسم منصب رئاسة برلمان العراق سيمضي دون عوائق، وانتهت الجولة الأولى بفوز العيساوي بحصوله على 158 صوتا، مقابل 137 صوتا للمشهداني، لكن ذلك لم يؤهله ليكون رئيسا للبرلمان، لأنه لم يحقق أغلبية (النصف + واحد)، أي 165 صوتا من مجموع 329 صوتا، إذ فصلته 7 أصوات عن الجلوس على كرسي الرئاسة. 

البطجة تنتصر على حساب رئاسة البرلمان؟

هنا، وبهذه الحالة فإن الحسم سيكون بجولة ثانية، ومن يحصد أعلى الأصوات بغض النظر عن عددها سيكون هو الرئيس لمجلس النواب العراقي، وبينما كانت الأمور تسير لعقد الجولة الثانية، حدث ما كان متوقعا، إفشال الجلسة بشكل متعمد، خشية من الخسارة من قبل الحلبوسي، الذي يعد المنصب من استحقاق كتلته “تقدم”. 

البلطجة تنتصر! هكذا يمكن وصف المشهد، إذ وإبان دخول النواب لقاعة المجلس لإجراء الجولة الثانية، قام النائب عن “تقدم” هيبت الحلبوسي، بافتعال مشكلة مع النائب مثنى السامرائي، تطورت إلى عراك بين النواب وضرب بالأيدي، وشتائم وتجاوزات لفظية مُعيبة، ليُعلن النائب الأول لرئيس البرلمان، محسن المندلاوي، رفع الجلسة إلى إشعار آخر. 

العيساوي والمشهداني – (فيسبوك)

قال المندلاوي، إنه لن يعقد جلسة لانتخاب رئيس لبرلمان العراق إلا باتفاق الكتل السنية بأجمعها والدخول بمرشح واحد، لحل النزاع بين “تقدم” والقوى السنية الأخرى والتي تشمل “السيادة وحسم والعزم”، وهو أمر يبدو أنه يستحيل حدوثه، وبالتالي فإن انعقاد جلسة حسم منصب كرسي الرئاسة ستطول بالنظر للواقع الراهن. 

الحلبوسي يصر على أمر واحد، هو تعديل النظام الداخلي للبرلمان العراقي، كي يتم السماح له بترشيح شخصيات مناسبة للمنصب، لكن هذا الأمر قوبل بالرفض المطلق من قوى “الإطار التنسيقي” وكتل أخرى عدة؛ كي لا تصبح “عادة أو سُنّةً” يتم اللجوء لها في كل مرة مستقبلا، وبالتالي لا حل للحلبوسي غير البلطجة. 

افتعال العراك والفوضى من قبل “تقدم” لإدراكه أنه لو أُجريت الجولة الثانية لحُسمت الأمور لصالح العيساوي، فجاءت البلطجة إنقاذا لمصير الحلبوسي؛ لأن فوز العيساوي يعني شبه نهاية الحلبوسي سياسيا، خاصة وأن الأول والثاني كلاهما من محافظة الأنبار التي يستحوذ رئيس البرلمان السابق على قاعدتها الشعبية، لذا يخشى الحلبوسي من أن يسحب العيساوي البساط منه في حال فوزه. 

كل السيناريوهات تؤدي إلى خسارة الحلبوسي

واقعيا، لم يتبق أمام البرلمان العراقي سوى عام و3 أشهر، أكثر أو أقل بقليل، لتنتهي الدورة الحالية، ويأتي برلمان جديد، عقب إجراء الانتخابات النيابية في 2025 التي لم يتم تحديد موعدها بالضبط، وهذا يعني، أن الوقت يمضي بسرعة، وحسم المنصب لم يتم، وبالتالي فإن هذا هو أحد السيناريوهات. 

من يقوم بمهام رئيس البرلمان حاليا، هو محسن المندلاوي، النائب الأول لرئيس مجلس النواب، وهو شيعي مقرب من “الإطار التنسيقي”، وبالتالي فإن “الإطار” هو أكثر المستفيدين من نزاعات القوى السنية حول المنصب لأكبر فترة ممكنة؛ لأنه بهذه الحالة، فإن “الإطار” يستحوذ على منصبي رئيس الحكومة ورئيس البرلمان، وطبعا رئيس الجمهورية للكرد، وبالتالي فإن الخاسر الوحيد هو المكون السني. 

سيناريو استمرار خلاف القوى السنية وعدم اتفاقها على مرشح لرئاسة برلمان العراق، وبقاء المندلاوي بتسيير مهام الرئاسة لحين انتهاء الدورة الحالية للمجلس التشريعي، مرجح جدا، وهذا يعني خسارة الحلبوسي قبل الكل؛ لأن المنصب الذي كان من نصيبه، لم يشغله أي شخص من حزبه، بل ويبقى بيد مكوّن آخر. 

السيناريو الآخر المتوقع، هو انعقاد جلسة جديدة، والمضي بجولة ثانية لحسم الصراع، وهو ما يعني بالضرورة فوز سالم العيساوي بالعملية الانتخابية على حساب محمود المشهداني،  وهذا يعني أيضا خسارة الحلبوسي، الذي يقاتل على المنصب، كونه يمثل الأغلبية عند السنّة من حيث المقاعد، لأن البقية كلهم اجتمعوا معا وتحالفوا كي يصلوا لعدد مقاعده، لكن اللعبة السياسية في العراق لا تعترف بالأغلبية، بل بالتحالفات.

في كل الأحوال، فإن الحل لا يعني أن يتم عبر البلطجة دوما، فالبلطجة وإن توفّر التنفيس مؤقتا، إلا أن النهاية المتوقعة، هي بأحد السيناريوهين، استمرار قيادة برلمان العراق من قبل الشيعة عبر المندلاوي، أو مجيء العيساوي، وفي الحالتين فإن الحلبوسي هو الخاسر الأكبر، وما عليه إلا الرضوخ والتفاهم مع بقية القوى السنية لنيل استحقاق المكوّن، أو أن يبقى المنصب لدى “الإطار”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات