يظهر “حزب الله” كأنه تنظيم حديدي لا يُقهر ولا يتزعزع في لبنان، لكن هذه الصورة تعرّضت للاهتزاز منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر الفائت وحتى اليوم، والأسبابُ عديدةٌ تبدأ بالإخفاقات في تحقيق شعاراته ومعادلاته ولا تنتهي بالخسائر البشرية التي مُني بها بفعل التفوّق العسكري الاسرائيلي.

أما الأكثر إثارة للجدل فهي وضع بيئته التي تشهد تململاً واضحاً نتيجة تجاوز عدد المقاتلين الذين قتلوا “على طريق القدس” ما لا يقل عن 300 عنصر. وهذا الرقم يتجاوز عدد القتلى الذين سقطوا في حرب تموز 2006!

فعائلات هؤلاء الضحايا بدأوا يتساءلون عن مبررات هذه الحرب، ولماذا يُقتل أبناؤهم من أجل قضايا الآخرين، لا الدفاع عن الأرض والوطن؟ كل المبررات التي يُطلقها الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله لم تعد مقنعة، و”الحزب” يبذل جهداً كبيراً لإقناع هؤلاء بالتزام الصمت وعدم البوح عن مشاعرهم في وسائل الإعلام. 

لذلك يستخدم “الحزب” الترغيب والترهيب، لتبقى الأوضاع تحت السيطرة، إضافة إلى معارضة شديدة من أكثرية اللبنانيين، على تنوّعهم، للحرب الدائرة وخصوصاً أنه اتخذ قرار الحرب منفرداً بحجة دعم غزة.

صراعات داخل “حزب الله”

يبدو أن شعارات “الحزب” المستوحاة من شعارات النظام الإيراني مثل “رمي إسرائيل بالبحر” و”تدميرها بسبع دقائق” و”أوهن من بيت العنكبوت” و”توازن الرعب” و”الصلاة في القدس”… كلّها تبخّرت وبات “حزب الله” بفعل الضغط الإسرائيلي وتفوّقه العسكري غير قادر على حماية مقاتليه. 

سيارة لبنانية محملة بالمراتب تعود إلى قرية كفركلا على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، مقابل بلدة المطلة شمال إسرائيل، 17 أغسطس 2006. (مناحيم كاهانا/وكالة الصحافة الفرنسية)

حتى أن القرى الحدودية اللبنانية أصبحت ركاماً ومعظم سكّانها تهجّروا، ويعيش “حزب الله” هاجس تطبيق القرار الدولي 1701 الذي يُلزمه بالرجوع 10 كيلومترات، على الأقل، من الحدود الإسرائيلية، ما يفقده مبرر وجوده وسلاحه وكل مقولة “المقاومة” التي يتذرّع بها للاحتفاظ بسلاحه.

إذاً، لا يبدو “حزب الله” في أفضل أحواله، وكشفت بعض التقارير أن مقاتلي الاحتياط في “الحزب” يرفضون دعوات انضمام وجّهت إليهم مؤخراً، إذ أرسل “الحزب” آلاف الدعوات لمقاتلين سابقين في صفوفه يحثّهم فيها على العودة لـ”الجهاد في سبيل القدس”. 

وقد أفادت مصادر من داخل “حزب الله” أن المقاتلين رفضوا العودة بسبب تقصير القيادة في عمليات نقل ودعم النازحين من جنوب لبنان، لا سيما بأن عوائل قسم منهم كانوا من ضمن النازحين. لذا قررت القيادة تهديدهم بالحرمان من المساعدات والرواتب والضمان الصحي لإجبارهم على تغيير قرارهم.

ويُرجّح بأن تلجأ القيادة لإجراءات بحقّهم تفوق الحرمان من المساعدات لإرغامهم على العودة. ولعل رفض هؤلاء المقاتلين يؤشّر إلى بداية تصدّع في صفوف “حزب الله” مع استمرار حربه على إسرائيل. ويبقى السؤال: هل ستشهد الأيام القادمة المزيد من حالات العصيان المشابهة؟

تحول داخلي غير مسبوق

يكشف العضو المؤسس في حركة “التحرّر من أجل لبنان”، الدكتور علي خليفة، لـ”الحل نت”، وهو معارض شيعي لـ”حزب الله”، أن هناك تململاً واضحاً في بيئة “الحزب” كما في داخل التنظيم نفسه. حيث نعلم أن الاعتراضات كثيرة على قرارات الأمانة العامة التي تختزل كل الهيئات التقريرية في الحزب كالمجلس السياسي والمجلس الشرعي. 

الأمانة العامة لـ”حزب الله” بشخص الأمين العام مرتبطة بـ”الحرس الثوري” الإيراني، أي أنها لا تملك ما تقدّمه للمداولة وأخذ القرار بل يتمّ فقط تنفيذ قرارات “الحرس الثوري” من دون مراجعة. 

ويشير خليفة، إلى أن الأمانة العامة تسعى لتجنيد المنضوين في “كشافة المهدي” ودفعهم إلى خطوط المواجهة في الجنوب وأنه يتم الترويج بين صفوف النازحين من أجل دفع أبنائهم للانخراط في “كشافة المهدي” لقاء عطاءات مالية تُقدّم للعائلات وسط الشّح المستجد في التمويل وحاجة النازحين إلى المال.

أما الملامح الأخرى للتصدّع فهي مرتبطة بما ذكرناه آنفاً أي التعويضات للمتضررين في الجنوب، ولا شك في أن أهالي الجنوب هم من ضحايا هذه الحرب، ويستحقون التعويض لأن “لا ناقة ولا جمل” لهم بالحرب التي ورّطهم بها “الحزب”، لكن ليس من الدولة وأموال الشعب اللبناني. 

يلفت نائب في المعارضة اللبنانية – رفض الكشف عن اسمه – إلى أن الجهة المسؤولة عن التعويض هو “حزب الله” نفسه لأنه اتخذ قرار الحرب منفرداً ولم يفد غزة وأهلها بشيء إنما يعكس مجرّد حسابات خاطئة جداً يدفع لبنان والشعب اللبناني ثمنها. 

ويضيف النائب في حديثه لـ”الحل نت”، “الوقاحة هنا أن حزب الله ضغط على حكومة تصريف الأعمال التي أعلنت مع بداية العمليات العسكرية من الجنوب بأنها لم تتخِّذ هذا القرار، وبأنه لا علم لها بما يجري في الجنوب، لتصرف مبلغ 93 ألف مليار ليرة لدفع مساعدات للمتضررين من الأحداث العسكرية في الجنوب، علماً أن مبلغ الـ 93  ألف مليار ليرة هو كناية عن ضرائب ورسوم مجباة من اللبنانيين، فهل وافقت أكثرية الشعب اللبناني، من خلال ممثليه في المجلس النيابي أو من خلال الحكومة، على هذا القرار كي يتحملوا أوزاره المالية والاقتصادية والمعيشية والسياسية؟ وهل الدولة من اتخذ قرار الحرب ليشعر المواطن بأنه معني بقرار اتخذته دولته وليس حزباً يصادر قرار الدولة ولا يقيم وزنا لرأي اللبنانيين؟”.

هل فقد نصرالله سيطرته؟

يرى الدكتور علي خليفة، في موضوع التعويضات أن الدولة مسؤولة ولها أدوار اجتماعية واقتصادية. ولكنه يستطرد “أن للدولة أيضاً أدواراً في الدفاع والأمن يعطّلها حزب الله. فإعلان الحرب عند الحدود الجنوبية يشكّل انتقاصاً جسيماً من سيادة الدولة وأدوارها؛ فضلاً عن النتائج الكارثية التي نراها منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر حتى اليوم”. 

نصرالله إسرائيل
حضور عائلات قتلى أعضاء حزب الله الذين قتلوا في اشتباكات مع إسرائيل منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر)، حيث ألقى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله خطابًا عبر الفيديو في بيروت، لبنان، في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023. (تصوير حسام شبارو/ غيتي)

وفق التقديرات بعدما كان يلزم لبنان 3 مليارات من البنك الدولي لبدء التعافي الاقتصادي، فإن كلفة الحرب الاقتصادية وخسائرها تجاوزت لغاية الآن 7 مليارات دولار. لم يعد هناك أي مجال للتعويض على الناس في هذه الحرب غير المتكافئة وغير المحسوبة التي يخوضها “حزب الله” في الجنوب، لخدمة لمصالح إيران التفاوضية وترسيخاً لخارطة نفوذها في المنطقة.

في المقابل، تظهر ملامح تصدّع في “حزب الله” لا يمكن القفز فوقها، وتتعلّق بإطلاق “الحزب” حملة تبرعات تحت شعار “ساهم بمشروع ثمن مسيّرة”، أو “شارك بمشروع ثمن صاروخ”، ويعتبر النائب المعارض أنه بمجرّد إطلاق هذه الحملة، يعني أنها مؤشر ضعف، ودليل على شحّ في الأموال وتراجع التمويل الإيراني، بفعل الكلفة الباهظة التي تسبّبت بها ستة أشهر من الحرب، معطوفة على العقوبات الاقتصادية الثقيلة.

من جهته، يوضح الدكتور خليفة في هذا الموضوع “بأن الحزب بنى قدراته المالية على المساعدات الإيرانية المباشرة التي لا تدخل حلقة الاقتصاد اللبناني الشرعي بل تبقى في إطار رديف جاذب للعقوبات ولشتى الموبقات من تبييض أموال وتهريب مواد كالكبتاغون… الحزب يستجدي اليوم أكثر، فمتطلبات الحرب كبيرة وكلفتها باهظة”. 

ثمة قولٌ مأثور لبناني يقول “أن ما من شجرة وصلت لربّها”، بمعنى أن من يتجبّر ويتباهى بفائض القوة، لا بد من أن يأتي يومياً ويعود إلى حجمه الطبيعي من دون سلاح وهيمنة ومصادرة لقرار الحرب والسلم، ولا شك في أن هذا اليوم اقترب على “حزب الله”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات