الأحداث تتسارع. المشهد السياسي في البيت السني يسوده الأكشن كلما مر الوقت ولم يتم حسم منصب رئيس البرلمان العراقي. كل التداعيات تشير إلى خنق رئيس البرلمان المعزول محمد الحلبوسي، وآخرها انشقاق 11 عضوا من حزبه “تقدم”، وتشكيلهم لكتلة تحت عنوان “المبادرة”، فما وراء هذا الحدث الجديد؟ 

الجديد، أن زياد الجنابي، النائب في البرلمان العراقي، وأحد أكثر المقربين من الحلبوسي، أعلن في مؤتمر صحفي، أمس الخميس، تشكيل كتلة “المبادرة”، ومعه 10 نواب انشقوا عن “تقدم”، 3 نواب عن مجالس المحافظات، و7 مع الجنابي نواب في البرلمان الاتحادي.

جاء في البيان الصادر عن الأعضاء المنشقين: “نحن أعضاء مجلس النواب العراقي ومجالس المحافظات من الذين أقسموا مخلصين على تمثيل مصالح الشعب وحماية البلاد وصيانة الدستور، حيث اتخذنا مبدأ الشراكة في صناعة القرار منهجاً رئيسياً لنيل حقوق أهلنا ومحافظاتنا الكريمة”.

“إلا أن حالة الجمود التي وصلت إليها الحياة السياسية وعدم تمكن السلطة التشريعية من انتخاب رئيس جديد للبرلمان منذ شهور عديدة، دفعنا إلى تأسيس كتلة المبادرة لفك الانغلاق الحاصل في المشهد السياسي”.

البيان أردف بالتالي: “تقوم كتلتنا على تبني مبدأ الوقوف بمسافة واحدة من جميع الفرقاء، ونطالب بتحقيق أهداف وتطلعات أهلنا الكرام بإنجاز الاستحقاقات التي تضمنتها ورقة الاتفاق السياسي والتي على إثرها تشكلت الحكومة”، وطالب البيان، “كافة القوى السياسية بالتعاون لحل المشاكل العالقة”. 

زلزال الانشقاق عن “تقدم”: ما علاقة السوداني؟

زلزال سياسي يهز “تقدم الحلبوسي”، هكذا عنونت المواقع والفضائيات المحلية العراقية، فيما لمّحت بعضها، إلى أن ما حصل هو “ضمن اتفاق خفي بين الحلبوسي والمنشقين”، لكن هذا السيناريو يبدو أنه بات بعيدا عن الواقع، بعد تسرب العديد من المعلومات والأخبار. 

من بين المعلومات التي سُرّبت، ما جاء في تغريدة للسياسي مصطفى الدليمي، بقوله، إن 3 نواب من “تقدم الحلبوسي” يتفاوضون لأجل الانضمام مع تشكيل “مبادرة” الجديد، مختتما تغريدة بالتالي: “الضرب بالميّت حرام”، في إشارة إلى رئيس البرلمان المعزول، الحلبوسي، بقرار قضائي، بتهمة التزوير. 

معلومة أخرى سربها الإعلامي هشام علي، المعروف بمصادره الموثوقة نقلا عن “العصفورة” الخاصة به كما اشتهر بها، بقوله في تغريدة عبر منصة “إكس”، إن الكتلة التي جرى الإعلان عنها مؤخراً، بلغ مجموع صرفياتها 2 ونصف مليون دولار، بواقع 250 ألف دولار للفرد الواحد، متسائلا: من أين جاءت تلك الأموال؟

مصادر سياسية مطلعة، لمّحت في تصريحات خاصة بـ “الحل نت”، إلى أن رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، وراء انبثاق “المبادرة”، وأنه هو المموّل لها؛ لأنه وكما يعرف الكثيرون، أن السوداني ومنذ مدة ليس على وفاق مع زعيم “تقدم”، الحلبوسي، وذلك منذ عزل الأخير من رئاسة مجلس النواب. 

انزعاج السوداني من الحلبوسي، سببه تصرف الأخير بعد عزله من البرلمان، عندما لوّح بمقاطعة نواب كتلته لجلسات البرلمان، وطلبه من الوزراء التابعين لكتلته -عددهم 3 وزراء- في كابينة حكومة السوداني، تقديم استقالتهم من الحكومة، وقدّم بعضهم الاستقالة فعلا، لكن السوداني رفضها رفضا قاطعا، غير أنه لم يحتمل تصرف الحلبوسي، فقرر التضييق عليه، وفق المصادر المطلعة. 

انشقاق “المبادرة”.. وترحيب من خصوم “تقدم الحلبوسي”

المعطيات تفيد، أن ما حدث هو انشقاق عن “تقدم”، وكتلة “المبادرة” جاءت دون اتفاق خفي مع الحلبوسي، ما يشير إلى نكسة أخرى وضرية كبيرة يتلقاها رئيس البرلمان السابق، بعد الضربات السابقة التي لحقت به، ولعل ترحيب كتلة “السيادة” التي تعرف بأنها أشرس خصم للحلبوسي، بانبثاق “مبادرة” أوضح دليل على ذلك. 

في تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم، أصدرت “المحكمة الاتحادية العليا” في العراق، قرارا يقضي بعزل الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب وكذا عضوية المجلس بتهمة التزوير، ومنذ ذلك الحين، والمجلس بلا رئيس جديد، وسط أزمة سياسية غير معهودة في البيت السني.

سبب الأزمة، أن الحلبوسي يريد المنصب لكتلته، على اعتبار أن “تقدم” يمثل أغلبية المكون السني من ناحية مقاعد البرلمان، بينما اجتمعت كل القوى السنية الأخرى معا لحصد منصب رئيس البرلمان ومنع “تقدم” من الفوز بالكرسي مرة جديدة، لتصبح بعدد مقاعد حزب الحلبوسي برلمانيا تقريبا. 

7 أشهر ولم يتنازل أي طرف للآخر، ناهيك عن عدم إيمانهما بالعملية الانتخابية الديمقراطية، لخشية كل طرف من خسارته في الاقتراع، وهنا الخشية من قبل “تقدم” تبدو أكثر، خاصة بعد الجلسة الأخيرة، التي أوضحت أن مرشح “السيادة، الحسم، العزم”، له القبول الأكبر مقارنة بالمرشح الذي يدعمه “تقدم”. 

بعد ضربة عزله من البرلمان، سعى الحلبوسي لتنصيب شغلان الكريّم خلفا له، وبينما كانت تجري الأمور بهذا السياق، أُفشلت العملية بضرية ثانية، إثر تداول مقاطع فيديوية للكريم يمتدح بها رئيس النظام السابق صدام حسين، في وقت يوجد في العراق، قانون يحظر “حزب البعث”، ويمنع مدحه أو التمجيد له، ولذا نفعت هذه الخطة في إفشال وصول مرشح الحلبوسي للمنصب.

الضربة الثالثة التي تلقاها الحلبوسي، بعدم قبول الكتل البرلمانية لطلبه بإجراء تعديل على النظام الداخلي للبرلمان، يسمح له بترشيح شخصية أخرى بدلا عن شعلان الكريم للتنافس على منصب رئاسة البرلمان، فما كان منه إلا اللجوء لتبني خصمه المرشح محمود المشهداني كمرشح عن “تقدم” وفق قاعدة “مجبر أخاك لا بطل”، لمنع وصول مرشح القوى السنية الأخرى، سالم العيساوي لرئاسة المجلس التشريعي. 

موت الحلبوسي سياسيا؟

عقب تبني المشهداني كمرشح عن “تقدم”، جاءت الضربة الرابعة للحلبوسي، فعند عقد جلسة انتخاب رئيس للبرلمان، حصد العيساوي 158 صوتا مقابل 137 صوتا للمشهداني، وكان يفصل العيساوي 7 أصوات عن تحقيق “النصف + واحد” للفوز بالمنصب وهو 165 صوتا من مجموع 329 صوتا.

مع اللجوء للجولة الثانية التي تحسم المنصب لصالح من يحصد أكثر الأصوات بغض النظر عن عددها، افتعلت كتلة “تقدم” الفوضى داخل المجلس، عبر السب والشتم والعراك بالأيدي مع نواب من القوى السنية الأخرى، لمنع المضي بالجولة الحاسمة خشية من الخسارة لصالح العيساوي، فتم تأجيل الجلسة لإشعار آخر. 

بعد تشكيل كتلة “المبادرة” بانشقاق عدد من نواب “تقدم”، باتت الأغلبية التي ينادي بها الحلبوسي عن البيت السني محل شك، بل وأمسى أقل عددا من القوى السياسية السنية الأخرى، وهنا هي الضربة الخامسة التي يتلقاها الحلبوسي، ولكنها الضربة الأقوى؛ كونها أتته من داخل حزبه، فماذا بعد تشكيل “مبادرة”؟ 

بحسب “الإطار التنسيقي” الذي يمثل القوى الموالية لإيران، والذي يضم أكثر عدد من النواب في قبة البرلمان، فإن قصة الأغلبية التي كانت محل شد وجذب بين الحلبوسي وخصومه قد حسمت الآن بفقدانها من قبل “تقدم”، ولذا فإن مرشح القوى السياسية الأخرى، سالم العيساوي بات الأقرب للفوز بمنصب رئاسة البرلمان، وهذا وفقا لتصريح النائب عن “الإطار”، سالم العنبكي. 

عمليا، بقي “الإطار” على الحياد تقريبا طيلة الأزمة السياسية في البيت السني، ويطلب من القوى المتخاصمة الاتفاق على حل إشكالية من يتولى رئاسة مجلس النواب، ولكن بعد الانشقاق الأخير عن “تقدم” وانبثاق “المبادرة”، واتضاح مصير الأغلبية، يبدو أن “الإطار” سيدعم العيساوي، وفي حال حدوث هذا السيناريو، فإن ذلك يعني موت الحلبوسي سياسيا ونهاية مستقبل “الزعيم الحالم”، فهل ستمضي الأمور بهذا المنحى؟ الأيام كفيلة بالإجابة على ذلك. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات