“كش ملك”. هكذا يمكن اختصار وضع زعيم حزب “تقدم” محمد الحلبوسي، الرئيس السابق للبرلمان العراقي، بعد أن فقد كل أوراقه، وتبخر سريعا مثل صعوده السريع في العملية السياسية العراقية، وبات منصب رئيس البرلمان الجديد بحكم المنطق صناعة إيرانية، وما على صاحب مقولة “نحن أمة” إلا اللجوء لأقل الأضرار عليه. 

منذ تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم، عندما وقعت الصاعقة الكبرى، بإنهاء عضوية الحلبوسي من مجلس النواب ورئاسته بقرار قضائي، والصراع على تولي شخصية جديدة للمنصب لم ينته بعد، إذ كانت حظوظ الحلبوسي باقية حتى أمس بتولي شخصية من كتلته للمنصب، لكن حتى هذا انتهى البارحة، وبات عليه الاصطفاف مع مرشح من بين 2 من خصومه. 

كانت “المحكمة الاتحادية العليا” في العراق، قررت في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، إنهاء عضوية رئيس المجلس محمد الحلبوسي، على خلفية دعوى قضائية رفعها ضده النائب السابق ليث الدليمي اتهمه فيها بتزوير استقالة له من عضوية مجلس النواب، ومنذ ذاك ولم تحل معضلة الرئيس الجديد للمنصب المخصّص للسنّة بحكم منطق المحاصصة السياسية العراقية.

بعد أن استوعب الصدمة، أقدم الحلبوسي على المفاوضة بأن يكون رئيس البرلمان الجديد من كتلته، كونه الحزب السياسي السني الأكثر من حيث المقاعد في مجلس النواب، وهنا تماشت معه الأحزاب الشيعية، كي لا تنهيه إلى الأبد، وبدأ التحضير لجلسة انتخاب الرئيس الجديد للبرلمان العراقي، لكن المفاجأة لم تكن في الحسبان. 

تفتيت الحلبوسي عبر الكريّم

رشحت الكتل السياسية السنية 5 أسماء لمنصب رئاسة البرلمان، وكان الأوفر حظا، هو شعلان الكريّم، كونه مرشح الحلبوسي، وبالفعل حاز على أعلى عدد من الأصوات في الجولة الأولى من جلسة انتخاب الرئيس، وبعده سالم العيساوي، ثم محمود المشهداني، لكن قبل أن تبدأ الجولة الثانية للتنافس بين أول 2 ممن فازا بأعلى الأصوات، حدثت المفاجأة. 

المفاجأة حصلت عبر تسريب مقاطع فيديوية قديمة لشعلان الكريّم، يمتدح فيها رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين، لأجل تسقيطه بتهمة تمجيد “حزب البعث” المحظور في العراق، وهو ما حدث بالفعل، إذ باتت الأحزاب السياسية الشيعية بموقف لا تحسد عليه. كيف تنصّب شخصية تمجّد بصدام، وهي التي كانت تعارضه وتحاربه وعانت من بطشه؟ فما كان إلا بتعليق الجلسة ورفعها إلى إشعار آخر.

الحلبوسي – إنترنت

هنا طالب الحلبوسي بإجراء تعديل في النظام الداخلي لمجلس النواب، يتيح له ترشيح شخصية جديدة بدل الكريّم، لكن الخلافات السياسية وقفت بوجه طموحه، وأمس جاءت الضربة القاضية، برد المحكمة الاتحادية للدعوى المقدّمة أمامها بخصوص شرعية جلسة انتخاب رئيس جديد للبرلمان، بحكم أنها -أي الدعوى- ليست من تخصصها، وبالتالي لم يعد لدى الحلبوسي أي ورقة يفاوض بها. 

وفق المعطيات، فإن مجلس النواب عليه عقد جلسة جديدة، لانتخاب رئيس له، وستعود ذات الأسماء للتنافس -بما فيها شعلان الكريّم- لكن الأخير، بحسب الصحافي والمهتم بالشأن السياسي مسلم السليطي، بات من الماضي، إذ ما حصل معه أنهاه سياسيا، وأعضاء البرلمان كلهم لن يقدموا على المجازفة بسمعتهم السياسية بالتصويت له، ولذا فإن المنافسة ستكون محصورة بين محمود المشهداني وسالم العيساوي، والكلام للسليطي. 

ما جرى مع الحلبوسي، صحيح أنه كان بقرار قضائي لا يمكن التشكيك به وبنزاهة الأمر، إلا أن فكرة الإطاحة به عبر الدعاوى القضائية هي سياسية، يقف خلفها “الإطار التنسيقي”، و”الإطار” يعني إيران، وتشويه سمعة الكريٓم، هي أيضا فكرة “الإطار”، لأن من أطاح بالحلبوسي، ليس من المعقول أنه سيقبل بمجيء شخصية تابعة للرئيس السابق، وكل هذا يعني أن إيران ستكون مسيطرة، بوصول رئيس جديد قريب من “الإطار” الذي ينتمي لها بالولاء.

إيران “مُرتاحة” والحلبوسي يتشبّث بعباءة خصمه! 

“الإطار التنسيقي” يضم جميع القوى الشيعية المقربة من إيران، ما عدا التيار الصدري المنسحب من العملية السياسية، و”الإطار” جاء برئيس حكومة من تكتله وهو محمد شياع السوداني، ونجح بفرض رئيس جمهورية كردي بعيدا عن رغبة الأحزاب الكردية، ولم يتبق أمامه سوى رئيس البرلمان، إذ كان الحلبوسي جاء من التحالف الثلاثي -قبل افككه- المعادي لتكتل “الإطار التنسيقي”، وبعد إنهاء عضوية الحلبوسي، فإن الفرصة باتت أمامه للمجيء برئيس برلمان وفق رؤيته. 

التنافس الحالي على منصب رئيس البرلمان، سيكون بين سالم العيساوي ومحمود المشهداني، وكلاهما لا ضرر لدى “الإطار” بوصول أي منهما، مثلما هو الحال لكل الأحزاب السنية المتخاصمة مع حزب الحلبوسي، فمرشح الأخير انتهى، وما على الحلبوسي إلا أن ينضي مع أحد المُتَنافِسَين، كما يقول السليطي، الذي يردف في حديث مع “الحل نت”، أن زعيم “تقدم” سيصطف مع خيار المشهداني، وفق منطق “مجبرٌ أخاك لا بطل”. 

في منتصف آذار/ مارس المنصرم، أعلن 5 قياديين في تحالفيْ “السيادة” و”العزم” انسحابهم من التحالفين وتشكيل كتلة “الصدارة” النيابية، والمنسحبون هم النائبان عن “السيادة” محمود المشهداني وطلال الزوبعي، والنائبان عن “العزم” خالد العبيدي ومحمد نوري عبدربه، والسياسي فارس الفارس. رئيس الكتلة هو العبيدي، والمشهداني هو المرشح لمنصب رئيس البرلمان، ويحظى بدعم زعيم “حزب الدعوة” و”ائتلاف دولة القانون”، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي. 

العيساوي، عضو عن “السيادة”، وهو مرشح “السيادة” و”العزم” و”الحسم” لمنصب رئيس مجلس النواب العراقي، ويرغب به، جميع قادة “الإطار التنسيقي” باستثناء المالكي، ولذا فإن الحسم سيكون عبر جلسة الانتخاب، وفي الحالتين فإن وصول أي مرشح من بين المشهداني والعيساوي، فإن طهران مرتاحة البال؛ لأن كليهما يحظيان بدعم أطراف “الإطار التنسيقي”،  وحتى الأحزاب السنية -الاي ترغب بالعيساوي’ غير آبهة بمن سيفوز، بما أن الهدف لديها تحقق، وهو عزل الحلبوسي، فقط الأخير يتمنى وصول المشهداني للمنصب. 

يتشبّث الحلبوسي بعباءة خصمه المشهداني؛ لأنه أقل ضررا عليه من العيساوي، والسبب وفق السليطي، أن العيساوي ابن مدينة الحلبوسي، الأنبار، وهذا ما يقلق رئيس البرلمان السابق؛ لأنه لا يريد وصول أي شخص من مدينته لمنصب رئاسة مجلس النواب، لخشيته من أن يؤسّس له في الأنبار قاعدة شعبية تسحب بساط المحافظة منه، مثلما فعل هو عندما أصبح رئيسا للبرلمان، فسخّر إمكانيات منصبه للأنبار لتأسيس قاعدة جماهيرية ضخمة له. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات