نحو المشهد الجيوسياسي المربك في جغرافيا الشرق الأوسط عموماً، وما أحدثه الصراع المسلح في قطاع غزة وامتداداته الميدانية في اليمن والجبهة اللبنانية، بدت طبيعة العلاقات بين الميلشيات والجماعات الوظيفية التابعة لإيران أكثر عمقاً وترابطاً خاصة على مستوى تلك الجماعات في العراق وسوريا ولبنان، بغية تفعيل آليات الوضع الميداني ورفع درجة منسوبه، بحسب مآلات الوضع السياسي واستراتيجية طهران مع القوى الفاعلة دولياً.

فيما تشهد المناطق الساخنة في الشرق الأوسط تطورات نوعية صوب ديناميات التعاون العسكري بين الفصائل المسلحة التابعة لإيران، حيث تكشف تقارير مطّلعة بمتابعة التعاون فيما بين “الحشد الشعبي” العراقي وفصائل مسلحة أخرى موالية لإيران. 

أشارت المصادر لـ”الحل نت”، أن قوات “الحشد الشعبي” تعمل على توفير مصادر مالية لشراء سيارات مصفحة لقوات “الرضوان” التابعة لـ”حزب الله” اللبناني وقايةً من أعمال الاغتيال النوعي الذي يستهدف القيادات الفاعلة. وتبلغ تكلفة السيارة الواحدة 350 ألف دولار فضلاً عن “تدريع” (أي تثبيت المدرعات) تلك السيارات من السقف بمبلغ إضافي يقدر بنحو ستين ألف دولار.. فهل كرة النار تبتلع لبنان وإيران تؤمن حظوظها السياسية بعد الحرب على غزة؟

 الملايين لحماية قادة “حزب الله”

تابعت المصادر التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها، أن قوات “الحشد الشعبي” في العراق تقوم أيضاً بعمليات تدريب لقوات مليشيا “الحوثي” اليمنية على الأراضي العراقية. 

صورة للرئيس السوري بشار الأسد تظهر على طريق تتجه فيه آليات تحمل شحنات من الحشد الشعبي إلى سوريا، 12 فبراير 2023. (رويترز/أحمد سعد)

وتلفت المصادر بقولها إنه رغم أن ذلك منطقياً وفق مبدأ (وحدة الساحات) بيد أنها درجة أخرى في منسوب التحالفات العسكرية في الشرق الأوسط وترفع درجة التوتر في المنطقة على نحو غير مسبوق، لا سيما أن ذلك يرتبط بنقطتين جغرافيتين هما الأبرز من الناحية الميدانية في تلك الأثناء، سواء ما يرتبط بنشاط جماعة “الحوثي” في الممرات المائية الدولية في البحر الأحمر والمضائق وجبهة جنوب لبنان والعمليات النوعية التي تقوم بها قوات “حزب الله” اللبناني، وذلك كله على خلفية تطور الأحداث في قطاع غزة.

في السياق نفسه يشير الباحث في الشؤون السياسية والأمنية منتظر القيسي، إلى أن الوقائع والمعلومات من النوعية التي يتم التثبت من صدقيتها، وفهمها في إطار عام وواسع ويبدو منطقياً ومفهوماً، بيد أن ذلك له دلالة أخرى تتمثل في التوقيت وارتباطه بأهداف إيران السياسية من الناحية الاستراتيجية وتوظيف الجانب الميداني تحقيقاً لذلك.

يردف الباحث العراقي من خلال تصريحاته لـ”الحل نت”، أن العراق تحوّل إلى أحد مصادر تمويل أذرع إيران في المنطقة، منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية، حيث جرى استخدام صفقات تسليح الجيش والقوات المسلحة النظامية العراقية إلى باب خلفي لتوفير الأموال التي احتاجها الجنرال الراحل قاسم سليماني، للإنفاق على نشر الميلشيات الشيعية العراقية واللبنانية والأفغانية والباكستانية. 

كل ذلك، من خلال المبالغة في قيمة التعاقدات سواء للمعدات المشتراة من إيران أو من مصادر أخرى عبر وسطاء مثل اللبناني جورج نادر، الذي ارتبط اسمه بفضيحة صفقة الأسلحة الروسية في شهر تشرين الأول/نوفمبر 2012.

“الحشد الشعبي” والغطاء المالي

أخذ الأمر أبعاداً أكثر حجماً وتعقيداً عند تشكيل قوات “الحشد الشعبي” بعد سنوات من ذلك، الذي تصادف مع وصول حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية ممثّلاً عن الجناح الإصلاحي، وبدء سياسات شد الأحزمة التي اضطرت حكومته إليها مع وصول الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب إلى “البيت الأبيض” وخروج الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية بشكل أشد.

تحت المجهر إيران تضرب العراق وسوريا بيد خفية (4)
مدفع رشاش عراقي تابع لقوات الحشد الشعبي على الحدود العراقية السورية في نينوى، العراق. (مارتن ايم / غيتي).

لذلك أصبح تقنين وضع “الحشد الشعبي” بمثابة أمر واقع مع تكريس وضعه كقوة فوق دستورية لا تمتلك الحكومة العراقية أي سلطة فعلية على تحركاته الميدانية ولا نشر قواته أو تشكيل صنوفها فضلاً عن إدارة موازنتها المالية التي تجاوزت 2 مليار دولار سنوياً. 

كما أدت أول وآخر محاولة للاطلاع عليها من قبل حكومة حيدر العبادي إلى مقتل مدير مالية “الحشد” الذي كان العبادي كلفه في شهر نيسان/أبريل من العام 2018، بالتدقيق في أعداد عناصر قوات “الحشد” وطرق صرف الأموال المخصصة لها، إثر تصاعد الحديث عن وجود عشرات الآلاف من المقاتلين “الفضائيين” المدرجين على قوائم رواتب “الحشد”. 

توزعت أسماء وهمية أو مقاتلين في صفوف الميليشيات المنتشرة في سوريا أو مجرد كوادر حزبية مفرغة لإدارة وسائل الإعلام والجيوش الإلكترونية للفصائل الولائية المختلفة.

الباحث في الشؤون السياسية والأمنية، منتظر القيسي

وهو الحال الذي تضاعف منذ وصول رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى سدة الحكم، وزيادة أعداد قوات “الحشد الشعبي” بنسبة 97 بالمئة بالرغم انتهاء الحرب وإعادة بناء جميع وحدات الجيش والشرطة الاتحادية التي انهارت بعد سقوط مدينة الموصل منتصف عام 2014، فضلاً عن تأسيس شركة “المهندس” للمقاولات العامة التي أطلقت يدها في الاستحواذ على الأراضي الزراعية والمنافسة على العقود والمقاولات الحكومية، مما وفر مصدراً آخر للأموال غير المراقبة.

لذا، فإن توفير “الحشد الشعبي” أو الفصائل الولائية التمويل اللازم لشراء عربات مصفحة لصالح قوات “الرضوان” التابعة لـ”حزب الله” اللبناني لا تشكل تطوّراً يذكر مقارنة بالأموال التي جرى ويجري ضخها في مشروع إيران لإنشاء مصانع صنع الصواريخ في سوريا واليمن وتأمين شبكات شراء وتهريب القطع الإلكترونية اللازمة لتصنيعها.

مقايضة مالية

هناك دلالة على تطور نوعي من الناحية الميدانية في الجبهة اللبنانية، خاصة مع دخول واشنطن لإرساء اتفاق في غزة وتهديد مسؤول إسرائيلي سابق بتصفية الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، حيث يرى الباحث العراقي منتظر القيسي: أنه من غير المرجح أن تكون هناك أي حماية متوقعة ستوفرها سيارات مصفحة في مواجهة الصواريخ الأميركية الإسرائيلية المتطورة. 

حسن نصر الله حزب الله لبنان إيران النظام الإيراني الحرس الثوري فيلق القدس إسماعيل قآاني إسرائيل لبنان
أعضاء من حزب الله يشاركون في تشييع أربعة أفراد من عائلة واحدة قتلوا في غارة جوية إسرائيلية في جنوب لبنان قبل أيام، في 11 مارس/آذار 2024، في بليدا بالقرب من الحدود مع إسرائيل. (تصوير حسن فنيش/وكالة الصحافة الفرنسية)

ربما ستؤمن بعض الحصانة ضد هجمات العبوات الناسفة اللاصقة أو المزروعة على حافات الطرق برأي القيسي، لكن وجود سيارات من هذا النوع بحد ذاته يعتبر كشف مجاني لمواقع الأشخاص المستهدفين ونطاق تحركاتهم.

في الخامس من شهر نيسان/أبريل من العام الجاري 2024، قال رئيس أركان “هيئة الحشد الشعبي” عبد العزيز المحمودي المعروف أيضا بـ”أبو فدك” إن “قوات الحشد الشعبي”، جزء رئيسي من المعركة في قطاع غزة، وفي ذلك الوقت كان في العاصمة الإيرانية طهران للمشاركة في مسيرة “يوم القدس”. 

أيضا ولدى حضوره مع رئيس “الهيئة” فالح الفياض في عزاء الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي نهاية الشهر الفائت حرص كل منهما على عدم الظهور أمام عدسات الكاميرات.

من جانبه، يذهب الكاتب اللبناني حنا صالح بقوله: إنه قد جرت العادة أن الأذرع الإيرانية المختلفة يتم تمويلها من مصدرين رئيسيين؛ المصدر الأول من صندوق المرشد، و”الحرس الثوري” وسبق لـ نصرالله أن تباهى بأن مالية حزبه وسلاحه وغذاء ميليشياته كلها من إيران. 

أما المصدر الثاني بحسب صالح في سياق تصريحات لـ”الحل نت”، فهي من العائدات الكبيرة المتأتية من الممنوعات مثل التهريب الذي تم اكتشاف الكثير من شبكاته في سياق حملات عالمية لمكافحة تهريب المخدرات وسوى ذلك. 

معروف بهذا السياق حجم الاتجار بـ”الكبتاغون” وإغراق البلدان العربية وسواها بهز وفيما يرتبط بتراكم مساعدات من “الحشد الشعبي” في العراق، فإن الميليشيات الإيرانية في العراق تضع يدها على عائدات كبيرة، هي للشعب العراقي وتمول بها أنشطة الأذرع الإيرانية، خاصة ما يرتبط بعمليات “حزب الله” في لبنان.

غير أن ما تردد عن صفقة سيارات مصفحة تمولها قوات “الحشد” في العراق لزوم قوة “الرضوان”، فهو “قد يكون لزوم حماية عناصر قيادية في الحزب وبعض القيادات الميدانية” بحسب المصدر ذاته . ويشير الكاتب اللبناني حنا صالح إلى أنه مع كل يوم جديد في مسار التصعيد الحربي عبر الخط الأزرق، يتخذ دلالات بالغة الخطورة مع إمكانية اتساع المواجهات أكثر فأكثر نحو العمق بما ينذر بالأسوأ الآتي.

إيران جوكر اللعبة

إذ اتخذت إسرائيل القرار المحتمل بالمضي بعيداً في التدمير الممنهج للجنوب وأبعد منه، سيكثف “حزب الله” استخدام صواريخ بركان والمسيرات الهجومية واستهداف محيط نهاريا وعكا وكريات شمونة، رداً على غارات الجيش الإسرائيلي التي طالت البقاع ومناطق واسعة من إقليم التفاح، فيما يتسع الدمار في المنطقة الحدودية. 

وفي إسرائيل يتحدثون عن استطلاع رأي يعلن من خلاله 55 بالمئة من الإسرائيليين تأييدهم لعملية عسكرية واسعة ضد لبنان، بعد التوصل إلى اتفاق مع “حماس”. 

أبناء قادة حزب الله بين السلاح والعمالة وتجارة المخدرات! (6)
شاشة تلفزيونية في مخيم البرج للاجئين الفلسطينيين تبث خطاباً للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 5 يناير/كانون الثاني 2024 في بيروت، لبنان. (تصوير مروان طحطح/غيتي)

الغائب كلياً عن المشهد اللبناني بحسب الكاتب اللبناني حنا صالح، هو بقايا السلطة المتنكرة لمسؤوليتها وواجبها الوطني، فهي تقف وراء “حزب الله” تبرر ما يقوم به أو تلتزم الصمت وتدير الظهر لوجع الناس، فيما كرة النار تبتلع القرى والبلدات. 

وبقايا السلطة غائبة أيضاً عما يدور من اتصالات سياسية ومشاريع مستقبلية. وبهذا السياق فإن إيران تسعى لتأمين حظوظ جلوسها على طاولة توزيع الحصص والنفوذ في المنطقة بعد الحرب على غزة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة