كانت العملية الخاصة التي نفذتها إسرائيل في مخيم النصيرات، مؤخراً، وتحرير أربع رهائن من المختطفين لدى “حماس” منذ تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، محطة جديدة في المسار العسكري المعقّد وتصاعد الأزمة المحتدمة ميدانياً، لا سيما وأنها تتفاقم تبعاً لمواقف عدة أطراف منها “حماس” لعدم القبول بالتهدئة والبدء في مسار الهدنة كما تطرحه الولايات المتحدة مع شركائها الإقليميين والوسطاء في مصر وقطر. 

إذ إن الوضع الذي يعانيه المدنيون في غزة، يشكّل ضغوطاً حقوقية على العالم يمكن رصدها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي تضج بمشاهد صعبة، كما أن الفلسطينيين في المخيمات وتحت وطأة الشتات جراء الحرب ومخاطرها، تطالب بإلحاح على إنهاء دائرة الحرب وغلق حدود المأساة. 

دروع بشرية لـ”حماس”

لم تكن العملية التي نفذتها القوات في الجيش الإسرائيلي سهلة، بل إن إنقاذ الرهائن في النصيرات صاحبه قصف جوي مكثف، وتشير البيانات الرسمية ونقلتها شبكة “سي إن إن” الأميركية عن مسؤولين بالقطاع الطبي، إلى أن أعداد القتلى تخطت مئتي شخص.

اللافت أن عملية احتجاز الرهائن كانت في منطقة تتاخم أو بقلب حي يسكنه مدنيون، ما يعني أن هذا الاحتجاز كان مقصوداً لدى حركة “حماس”، والتي وضعت المختطفين في هذا الحي لتجعل كما هي عادتها في مرات كثيرة الأطراف المدنية العادية كدروع بشرية لتحقيق أهدافها السياسية والأمنية والعسكرية الاستراتيجية. 

بعد العملية الإسرائيلية في النصيرات-“أ ف ب”

ليس ثمة شكّ أن عدم التحوط الحمساوي ووضع الرهائن وسط حي سكي بين المدنيين، يماثل الدور ذاته التي تقوم بها الجماعات المماثلة للإسلام السياسي الإرهابية، وهي تقوم بتخزين الأسلحة والألغام والمتفجرات بين مناطق سكنية. 

وفي ما يبدو أن “حماس” التي باغتها الهجوم الإسرائيلي، لا تكفّ عن الاستمرار في استئناف معاركها وصراعها العسكري الذي تراهن فيه الإقليم لحساب مصالح أبعد من غزة والمسألة الفلسطينية، خاصة عندما تكون ساحة “المقاومة” أو ما يُعرف بـ”وحدة الساحات” بامتداها في ذهن “الولي الفقيه” تتحرك وفق قواعد السياسة الإيرانية ومصالح النخبة الدينية العسكريتارية هناك. 

وهذه اللعبة المشبوهة تقود إلى صراع طويل الأمد تحت وطأة المبدأ الذي يجعل من غزة مرتهنة بالجبهة اللبنانية والعكس صحيح. فالتصعيد الذي يحدث في لبنان ويعمق أزماتها السياسية والاقتصادية ويؤدي لشغور رئاسي، مثلاً، هو انعكاس مباشر لعدم التوصل إلى تهدئة في غزة، وكل ذلك بقرار إيراني. وهي عملية تصعيد خطيرة قد تؤدي بالمنطقة إلى السقوط في قاع حرب إقليمية. 

وعليه، تسببت “حماس” في فشل محاولات عديدة تقودها واشنطن للتوصل إلى اتفاق مؤداه إنهاء أزمة الرهائن والإفراج عنهم مقابل وقف إطلاق النار. وفي ظل انحسار الأثر الأميركي سياسياً ناحية التفاوض على قرار الهدنة بين “حماس” وإسرائيل، فإن الرئيس الأميركي جو بايدن قد اجتمع مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكان الأخير بصدد مناقشة مقاربته تجاه الأزمة اللبنانية، وكذا جهوده لحل أزمة الشغور اللبناني، فضلاً عن تهيئة الأوضاع في الجبهة اللبنانية، وتعيين الجيش اللبناني في جنوب نهر الليطاني بدلاً من قوات النخبة في “حزب الله” المعروفة بـ”قوات الرضوان”. 

ويفترض أن يصل قائد الجيش اللبناني جوزيف عون منتصف الشهر الحالي، ويلتقي عدة مسؤولين في “الكونغرس” و” البنتاغون” لمناقشة الموضوعات ذاتها، والتوصل لصيغة تجعل للجيش دوراً مركزياً وتقوية مواقعه من خلال الدعم المالي واللوجيستي وغيرهما. فيما ثمّن بايدن جهود عملية إنقاذ الرهائن الإسرائيليين، وأكد على دعمه عمليات تحرير الرهائن و”عدم التوقف عن العمل حتى يعود جميع الرهائن إلى ديارهم والتوصل إلى وقف لإطلاق النار”.

ارتكاب “جرائم حرب”

لكن “حماس” ورغم المأساة الجديدة التي اضطلعت بجزء كبير من أحداثها ونتائجها، واصلت التصعيد، وقالت إنها ستقوم بالرّد الانتقامي. غير أن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، رجّحت “احتمال ارتكاب قوات إسرائيلية وجماعات فلسطينية مسلحة، جرائم حرب”. 

من تكتيكات دعاية “كتائب القسام” لإخفاء أو تقليل شأن العملية الإسرائيلية، ومحاولة إبراز فشلها وذلك لإزالة الحرج عن “حماس” التي اتُّهمت بعدّة أمور من جانب المحور الذي تنتسب له فيما يخص وضع الرهائن، زعمت أن دوراً أميركياً كان وراء ذلك.

وتحدث جيرمي لورانس، المتحدث باسم المفوضية الأممية عن “الانتهاكات المحتملة لقواعد التناسب والتمييز والحذر من جانب القوات الإسرائيلية”. وشدّد على أن التنظيمات الفلسطينية المسلحة التي تحتجز الرهائن في مناطق متاخمة بالمدنيين إنما “تعرض حياة المدنيين القريبين والرهائن إلى مخاطر إضافية”. 

وتابع أن “كل هذه التصرفات من قِبل الطرفين قد ترقى إلى جرائم حرب.. كانت كارثية، تلك الطريقة التي تم بها تنفيذ ذلك، حيث تعرض المدنيون – مرة أخرى – لضربة قوية وسط هذا”. 

وبحسب المتحدث باسم المفوضية الأممية، فإنه “من الواضح أن حقيقة إطلاق سراح 4 رهائن الآن هي أخبار جيدة للغاية. لم يكن ينبغي احتجاز هؤلاء الرهائن في المقام الأول. وهذا انتهاك للقانون الإنساني الدولي. يجب أن يتم إطلاق سراحهم. جميعاً.. فوراً”.

فلسطينيون يتفقدون منزلًا أصيب في غارة إسرائيلية، بسبب عملية عسكرية إسرائيلية، وسط الصراع بين إسرائيل و”حماس”، في مخيم النصيرات للاجئين، في وسط قطاع غزة، 8 يونيو، 2024. رويترز/ عماد أبو شاويش

من تكتيكات دعاية “كتائب القسام” لإخفاء أو تقليل شأن العملية الإسرائيلية، ومحاولة إبراز فشلها وذلك لإزالة الحرج عن “حماس” التي اتُّهمت بعدّة أمور من جانب المحور الذي تنتسب له فيما يخص وضع الرهائن، زعمت أن دوراً أميركياً كان وراء ذلك من خلال استخدام الرصيف الأميركي المتاخم لغزة، غير أن “البنتاغون” نفى ذلك، وعدم استخدام أي معدات أخرى، وقال بات رايدر الناطق بلسان وزارة الدفاع الأميركية: “إسرائيل استخدمت منطقة قريبة من الرصيف البحري الأميركي خلال عمليتها لاستعادة الرهائن” موضحاً أن “إنشاء الرصيف البحري تم لغرض واحد فقط وهو المساعدة في نقل المساعدات إلى قطاع غزة. 

ولم يكن هناك أي مشاركة من قوات أميركية في عملية الإنقاذ الإسرائيلية، ولم تكن هناك أي قوات أميركية على الأرض في غزة”. وقال رايدر إن “مسيّراتنا لا تزال تقوم بجمع المعلومات الاستخباراتية عبر التحليق في أجواء قطاع غزة”.

اتساع الحرب على حساب المدنيين

محاولات التشويش التي تقوم بها “حماس” لا تخدم سوى أغراض الحرب والتي تجد صدى لدى الأطراف المتشددة داخل إسرائيل، حتى تظل الأطراف من الجانبين تستجيب لنداءات العنف والعنف المضاد واتساع دوامة الحرب على حساب المدنيين الذين تتفاقم أوضاعهم الإنسانية وترتفع أرصدة خسائرهم بشكل مجاني ومن دون أي مقابل بينما حياتهم مهددة وأمنهم يتلاشى ويلامس عتبات الموت، إذ إن “الأغلبية الساحقة” من الإسرائيليين والفلسطينيين تنشد السلام، وفق ما ذكر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلنكن وقال إن “حماس هي العقبة الوحيدة أمام اتفاق وقف إطلاق النار”.

تزامنت تصريحاته مع زيارته الأخيرة للقاهرة وبعدها تل أبيب وقد أكد أن “العالم أجمع يؤيد مقترح الهدنة في غزة، وأن الطرف الوحيد الذي لم يقل نعم هو حماس”.

وفي إطار جهود التهدئة والتوصل لهدنة، طالب بضرورة الضغط على “حماس” من قبل الحكومات العربية، حتى تقبل بمقترح وقف النار، وهو السبيل لضمان إنهاء أعداد الضحايا بين المدنيين. ووجه حديثه قائلاً: “إذا كنتم تريدون وقف إطلاق النار اضغطوا على حماس لتوافق”.

ورغم التلميحات بشأن تهديدات قطرية لقادة “حماس”، فعلى ما يبدو أن “المزيد من القتال والمزيد من الوفيات بين المدنيين الفلسطينيين، يصب في مصلحته”، وفق مضمون رسائل بعث بها يحيى السنوار إلى الوسطاء وأعضاء المكتب السياسي في الخارج.

وهذه الرسائل التي ترجمت مضمونها “وول ستريت جورنال” تشير إلى توجيهات القيادي بحماس نحو التصعيد وعدم القبول أو الاستجابة بتهدئة أو هدنة وهو المعروف بارتباطاته بإيران، وقال: “لدينا الإسرائيليين حيث نريدهم”.

يتبنى السنوار الخيار الأصعب والاتجاه الراديكالي بناء على حسابات أمنية وعسكرية، في حين يفترض أن إسرائيل في ضائقة وأزمة تجعلها تستجيب مضطرة إلى الضغط الذي يمثله الوضع الإنساني في غزة والضحايا المدنيين بين الفلسطينيين أو الإسرائيليين.

وهذه الرسائل الموجّهة للوسطاء في مصر وقطر فضلاً عن قادة “حماس” بالخارج كشف عن ميل السنوار الدموي بينما “يستخف بالحياة البشرية، ويعتقد أن إسرائيل لديها الكثير لتخسره من الحرب”. وقد عرج في إشارته للتقليل من حدة الخسائر في غزة باعتبارها أمراً طبيعياً كما في صراعات أخرى و سوابق تاريخية، على الجزائر، وقال في رسالته الموجهة تحديداً للقادة الحمساويين في قطر بأنه- في الجزائر” قضى مئات الآلاف وهم يقاتلون للحصول الاستقلال عن فرنسا، مؤكداً أن “هذه تضحيات ضرورية”. وفي رسالة بعث بها إلى إسماعيل هنية قال: “موتهم ومقتل الفلسطينيين الآخرين سيبث الحياة في عروق هذه الأمة، ويدفعها نحو الارتقاء إلى مستوى أعلى من مجدها وشرفها”.

إذاً، يتبنى السنوار الخيار الأصعب والاتجاه الراديكالي بناء على حسابات أمنية وعسكرية، في حين يفترض أن إسرائيل في ضائقة وأزمة تجعلها تستجيب مضطرة إلى الضغط الذي يمثله الوضع الإنساني في غزة والضحايا المدنيين بين الفلسطينيين أو الإسرائيليين، وهذه الرؤية لأحد قادة الجناح المتشدد والصقور في “حماس”، تنبذ الرؤية السياسية ومراهنات التفاوض الآنية لحساب مسعى “المقاومة” المسلحة وفق قناعاته والتي يغذيها بالعنف العقائدي، فكلما ازدادت عملية إراقة الدماء كلما شعر بالارتياح أن المشهد الدموي سيضغط على الضمير العالمي أو المجتمع الدولي لتلبية ما يهدف له، حتى وإن كان حجم التخريب والدمار والموت “لم يسبق له مثيلاً بين الإسرائيليين والفلسطينيين”، وفق تعبير الصحيفة الأميركية.

ويؤكد السنوار أن “ارتفاع عدد الضحايا المدنيين سيخلق ضغوطا عالمية على إسرائيل”. وجاء في رسائل السنوار أن “الجناح المسلح للجماعة كان جاهزاً للهجوم (الإسرائيلي) على رفح”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات