في خطوة غير مسبوقة، جمع الوسيط الروسي طرفي النزاع السوري، أنقرة ودمشق، حول طاولة المفاوضات الأمنية، هذا الاجتماع الحساس، الذي عقد على الأراضي السورية، يمثل نقطة تحول محتملة في العلاقات المتوترة بين البلدين منذ اندلاع الأزمة السورية قبل أكثر من عقد من الزمان.

تكتسي هذه المفاوضات الأمنية أهمية بالغة في ظل التحولات الجيوسياسية الجارية في المنطقة، والتي قد تفرض واقعًا جديدًا على الأطراف المتنازعة. فبعد سنوات من القطيعة والخلافات الحادة، يبدو أن موسكو نجحت في جمع أنقرة ودمشق على طاولة واحدة داخل الأراضي السورية، في محاولة لتهدئة التوترات وإيجاد حلول للقضايا الأمنية العالقة بينهما.

في هذا السياق، نشرت صحيفة تركية تفاصيل هذا الاجتماع غير المسبوق، الذي يأتي بعد جهود روسية مكثفة للتوسط بين الطرفين. تساؤلات عديدة تثار حول دلالات هذا التطور المفاجئ، وما إذا كان سينجح في تخفيف حدة التوترات الأمنية بين أنقرة ودمشق، أم أنه سيفتح الباب أمام تسويات سياسية أوسع نطاقًا في ملف الأزمة السورية المعقد.

اجتماع في حميميم

في تطور لافت، دخلت المحادثات التركية-السورية حول التطبيع بين البلدين مرحلة جديدة، بعد تعثر جهود التقارب العام الماضي. وسط تكهنات حول طبيعة هذا المسار الدبلوماسي الحساس، كشفت صحيفة “آيدنليك” التركية عن تفاصيل اجتماع أمني غير مسبوق جمع وفدين عسكريين من أنقرة ودمشق.

وزراء خارجية سوريا وروسيا وتركيا وإيران في موسكو - "رويترز"
وزراء خارجية سوريا وروسيا وتركيا وإيران في موسكو – “رويترز”

قاعدة “حميميم” الجوية الروسية على الساحل السوري استضافت الأسبوع الماضي هذا الاجتماع الأمني التركي-السوري، برعاية موسكو. حيث ناقش الطرفان آخر التطورات في إدلب وما جاورها من مناطق، في إشارة إلى محاولة تهدئة التوترات الأمنية العالقة بينهما.

لم يكن هذا الاجتماع الحساس سوى البداية، إذ من المقرر أن يعقد لقاء ثانٍ بين الوفدين في العاصمة العراقية بغداد، في محاولة للمضي قدمًا بجهود التقارب. هذه الخطوات المتسارعة تأتي غداة لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان في موسكو، في إشارة إلى الدور الروسي كراعٍ أساسي لعملية التطبيع التركية-السورية المرتقبة.

بعد الاجتماع، تناقلت صحف محلية وعربية أنباءً عن حشود عسكرية تركية متجهة صوب منطقة جبل الزاوية الاستراتيجية جنوب إدلب. ففي تطور لافت، أفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، بتاريخ 14 حزيران/يونيو الجاري، بأن القوات التركية قد شرعت ببناء خطوط دفاعية جديدة على طول معظم الجبهات الأمامية في مناطق خفض التصعيد بريف إدلب، والتي تضم أكثر من 20 بلدة وقرية.

وفي خطوة استباقية تكشف عن توقعات بتصعيد وشيك، قامت هذه القوات بإقامة السدود الترابية وحفر الخنادق لحماية الطرق الرئيسية وخطوط الإمداد المؤدية إلى تلك المناطق المنفصلة، تحسباً لأي مواجهات محتملة أو تطورات ميدانية كبرى. 

وتشير هذه الإجراءات الميدانية المكثفة إلى اشتداد الصراع في الشمال السوري، وتصاعد وتيرة التحركات العسكرية، مما يهدد بإشعال فتيل معركة شاملة جديدة في هذه المنطقة الحساسة والمضطربة.

القادم في بغداد

في السياق ذاته، كشفت مصادر موثوقة عن موعد محدد للقاء المرتقب بين سوريا وتركيا، على أن تستضيف العاصمة العراقية بغداد هذا اللقاء الحاسم. وقد أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في تصريحات صحفية يوم 31 أيار/مايو الماضي، السعي الحثيث لإرساء أسس للمصالحة والحوار بين الجارتين المتخاصمتين، معلناً أن “المفاوضات بهذا الشأن مستمرة، ونأمل أن تشهد الفترة المقبلة خطوات ملموسة في هذا الاتجاه”.

وفي تطور لاحق، أفادت تقارير إعلامية عراقية بأن مسؤولاً حكومياً أدلى بتصريحات رسمية مفادها أن وفدين رفيعي المستوى من تركيا وسوريا سيلتقيان في بغداد خلال الأيام القادمة. 

وأشار المسؤول في إطار الكشف عن الجهود الرامية لتحقيق المصالحة بين البلدين، إلى وجود “نتائج إيجابية من خلال اتصالات واجتماعات ثنائية غير معلنة، حيث قبلت كل من دمشق وأنقرة بشكل كبير وساطة بغداد”.

ويأتي هذا التحرك الدبلوماسي المكثف في وقت حرج، إذ تشهد العلاقات بين سوريا وتركيا توتراً شديداً على خلفية الملف الكردي والوجود العسكري التركي في الشمال السوري، مما يجعل من هذه المساعي الوساطة العراقية فرصة ثمينة لاحتواء الأزمة وتهدئة النزاع المستعر بين الجانبين.

“لا جديد”

شهد عام 2023 تحولًا لافتًا في مسار المحادثات الثلاثية بين تركيا وروسيا والحكومة السورية، حيث ارتقت إلى مستوى رباعي بعد انضمام إيران كطرف رئيسي، وترقية مستوى المشاركة إلى وزراء الخارجية في لقائهم الأخير بموسكو بتاريخ 10 أيار/مايو الماضي.

مليشيات الدم والنار كيف أصبحت إيران القوة الشيطانية في الشرق الأوسط؟ (1)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (وسط)، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (يمين) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يسار) (تصوير مصطفى كاماتشي/ غيتي)

وفي تطور لافت، قدمت روسيا خلال هذا الاجتماع الحاسم، حسب مراقبين، مسودة خارطة طريق تتجاوز القرار الأممي 2254، لتركز على قضايا محورية كمكافحة الإرهاب، وضمان أمن الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، ومنع انتشار القوات الأجنبية على الأراضي السورية، وتسهيل عودة اللاجئين، واستئناف الروابط اللوجستية والتعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين دون عوائق.

إلا أن هذه الجولات المكثفة من المحادثات على مختلف المستويات، لم تفض حتى الآن إلى خطوات ملموسة على أرض الواقع، في ظل استمرار الخلافات العميقة بين الأطراف المعنية. ومع ذلك، فقد أعلن وزير الدفاع التركي السابق خلوصي أكار، عن نية البلدين إنشاء مركز تنسيق مشترك على الأراضي السورية لمحاربة الإرهاب، في إشارة إلى إمكانية تحقيق بعض التقدم في هذا الملف الشائك.

ويواصل الخبراء ترقب هذه التطورات الدبلوماسية المعقدة، إذ قد تمثل فرصة حقيقية لتخفيف حدة التوتر في المنطقة والتوصل إلى تسويات سياسية طال انتظارها، أو قد تبقى مجرد محاولات فاشلة أخرى في ظل تضارب المصالح وتعقيد الأزمة السورية المستعصية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات