في خضم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بسوريا، انتشرت كالنار في الهشيم شائعات عبر منصات التواصل الاجتماعي تبشّر بزيادة هائلة في رواتب الموظفين الحكوميين، وهذه الأنباء، التي تحدثت عن وصول الرواتب إلى عتبة المليون ليرة سورية، أثارت موجة من الأمل والترقب بين أوساط الموظفين المنهكين من تدهور قيمة رواتبهم أمام التضخم المتصاعد.

غير أن هذه الآمال سرعان ما تبددت على صخرة الواقع، حين خرج مصدر حكومي رفيع المستوى، لينفي بشكل قاطع صحة هذه الأخبار. التصريح الذي جاء كـ صدمة للكثيرين، يعيد تسليط الضوء على حجم التحديات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة السورية وعجزها عن تلبية الاحتياجات الأساسية لموظفيها.

في ظل هذا التضارب بين الشائعات والتصريحات الرسمية، تبرز تساؤلات مُلحّة حول مصير الملايين من الموظفين والعمال في القطاع العام السوري. فهل هناك خطط حقيقية لتحسين الأوضاع المعيشية للموظفين؟ وما هي الخيارات المتاحة أمام الحكومة لمعالجة أزمة الرواتب المتفاقمة؟

حلول وليس زيادة

في تصريح مثير للجدل، نفى محمد زهير تيناوي، عضو لجنة الحسابات والموازنة في مجلس الشعب السوري الشائعات المتداولة حول زيادة الرواتب والأجور في القطاع العام. وأكد تيناوي أن هذه الأنباء لا تعدو كونها أمنيات شعبية لا تستند إلى أي أساس واقعي.

ذروة غير مسبوقة لأسعار الملابس في سوريا فرحة العيد تُغيّبها أرقام خيالية! (1)
محل لبيع الملابس في حي الصالحية، شمال غرب سور دمشق القديم، سوريا. (تصوير ماماد تاجيك/صور الشرق الأوسط)

وفي تفاصيل مثيرة للاهتمام، كشف تيناوي عن الإجراءات القانونية اللازمة لإقرار أي تعديل في هيكل الرواتب والتعويضات، مشدداً على ضرورة صدور مرسوم جمهوري بهذا الشأن. وأوضح أن هذه الصلاحية تتجاوز نطاق وزارة المالية ورئاسة الحكومة، مما يضفي غموضاً إضافياً على المشهد الاقتصادي الراهن.

وفي لفتة تحليلية لافتة، أشار تيناوي إلى الفرق جوهري بين زيادة الرواتب وتعويض غلاء المعيشة، مسلّطاً الضوء على المزايا طويلة الأمد للزيادة المباشرة في الأجور. 

وأوضح تيناوي أن التعويض لا يستفيد منه الموظف بعد التقاعد، بينما زيادة الرواتب تدخل ضمن أساس الراتب ويستفيد منها الجميع، وهو ما أدى إلى إلغائه منذ فترة بعيدة حيث تم ضمّه حينذاك إلى الراتب ليستفيد منها الموظفون.

في ظل تأخر إطلاق مشاريع استثمارية كبرى هذا العام ومع مرور أكثر من نصف العام دون ظهور مشروعات قادرة على تمويل زيادة الرواتب المرتقبة، قد تلجأ الحكومة إلى عائدات المشتقات النفطية لتغطية هذه الزيادة.

وفي سيناريو مثير للاهتمام، طرح تيناوي رؤية بديلة في حال تعذّر زيادة الرواتب، مقترحاً استراتيجية محكمة لضبط الأسعار كحل أمثل للأزمة الراهنة. وأضاف في تحليله أنه حتى في حالة إقرار الزيادة، فإن الرقابة الصارمة على الأسعار تظل ضرورة حتمية لضمان تحسّن فعلي في القدرة الشرائية للمواطنين.

زيادة الرواتب في سوريا

كانت آخر زيادة في رواتب السوريين، عندما أصدر الرئيس السوري بشار الأسد في آب/أغسطس الماضي قراراً برفع رواتب العاملين في القطاعين العام والخاص بنسبة 100 بالمئة، في محاولة لمواجهة التحديات الاقتصادية المتصاعدة.

المرسوم التشريعي رقم 11 لعام 2023 نصّ على شمولية غير مسبوقة في تطبيق الزيادة، حيث امتدت لتشمل طيفاً واسعاً من العاملين بمختلف أنماط التوظيف. 

القرار حينها شمل المشاهرين والمياومين إلى الموسمَين والمتعاقدَين، ومن العاملين بدوام جزئي إلى ذوي الأجور الثابتة والمتحولة، أم معينين بجداول تنقيط أو بموجب صكوك إدارية، ولم يترك القرار فئة إلا وشملها بمظلته الاقتصادية الواسعة. 

كما أصدر الأسد المرسوم التشريعي رقم 12 لعام 2023، الذي يستهدف شريحة واسعة من المجتمع السوري، من المتقاعدين العسكريين والمدنيين إلى العاملين في القطاع الخاص.

وقضى المرسوم بمضاعفة المعاشات التقاعدية بنسبة 100 بالمئة، في خطوة تهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية لفئة كبيرة من المتقاعدين الذين طالما عانوا من تآكل قيمة معاشاتهم في ظل التضخم المتصاعد.

أما الجانب الآخر في هذا القرار، فيتمثل في رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص والتعاوني والمشترك إلى 185.940 ليرة سورية شهرياً. 

ومع انتهاء الربع الأول من عام 2024، لمس السوريون بشكلٍ مباشر الارتفاعات الكبيرة في أسعار مختلف السلع الأساسية الضرورية، حيث ارتفع وسطي تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، وفقاً لـ”مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة”، ليقفز إلى نحو 12.5 مليون ليرة سورية (أما الحد الأدنى فقد وصل إلى 7.812.417 ليرة سورية).

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات