في خضم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بسوريا، طفت على السطح فكرة غريبة بامتياز قد تشكل منعطفًا تاريخيًا؛ ففي تصريحات أثارت الجدل، اقترح خبير اقتصادي بارز إصدار عملة نقدية جديدة تحمل اسم “الليرة الخضراء” لمعالجة الاختلالات المالية المزمنة في البلاد. هذه الخطوة الجريئة فتحت الباب أمام تساؤلات كثيرة حول مدى جدواها وتبعاتها المحتملة.

بحسب الخبير جورج خزام، ستكون “الليرة الخضراء” ورقة نقدية ذات قيمة ثابتة تعادل دائمًا 100 دولار أميركي. لكن السر يكمن في أن قيمتها بالعملة الوطنية السورية ستتغير يوميًا وفقًا لسعر الصرف الرسمي للدولار الذي يعلنه بنك “سوريا” المركزي. هذه الآلية المعقدة جذبت انتقادات لاذعة واتهامات بأنها ستفاقم الارتباك في الأسواق.

في الوقت نفسه، رحب البعض بهذه الفكرة المبتكرة باعتبارها محاولة يائسة لإنقاذ اقتصاد يرزح تحت وطأة تضخم مفرط وانهيار شبه كامل للعملة الوطنية. البعض اعتبرها فرصة لاستعادة الثقة والاستقرار النسبي، بينما حذر آخرون من مخاطرها المجهولة. لكن يبقى السؤال المحوري: هل ستنجح “الليرة الخضراء” في علاج جراح الاقتصاد السوري المنهك؟

“الليرة الخضراء” والتضخم

في وقت تعاني فيه سوريا من تضخم جامح وانهيار العملة الوطنية، برزت فكرة جريئة قد تغير المعادلة بشكل جذري. الخبير الاقتصادي جورج خزام اقترح إصدار “الليرة الخضراء” – عملة نقدية مبتكرة تهدف إلى استعادة الثقة والاستقرار.

وفقًا لخزام، ستكون “الليرة الخضراء” مجرد وسيلة مالية لا اقتصادية لمكافحة التضخم الطاغي. فبدلاً من تداول أوراق نقدية بقيم متغيرة، ستكون لهذه العملة الجديدة قيمة ثابتة تعادل 100 دولار أميركي. لكن السحر يكمن في أن قيمتها بالليرة السورية ستتغير يوميًا وفقًا لأسعار الصرف الرسمية التي يعلنها البنك المركزي.  

على سبيل المثال، إذا كان سعر الدولار 10,000 ليرة، فإن قيمة الـ100 ليرة خضراء ستكون مليون ليرة سورية. وبالتالي، سيؤدي إصدار مليون ورقة نقدية من هذه الفئة إلى سحب ما قيمته تريليون ليرة من السوق في خطوة قد تساعد على كبح جماح التضخم.

لكن ما هي الفوائد الأخرى لهذا المشروع الطموح؟ يؤكد خزام أن “الليرة الخضراء” ستحمي القوة الشرائية وقيمة المدخرات من التآكل، كما أنها ستقلل الطلب على الدولار لأغراض الادخار مما يساعد على استقرار أسعار الصرف. هذا بالإضافة إلى تسهيل المدفوعات النقدية الكبيرة.

مغامرة اقتصادية خطيرة 

في خضم الجدل القائم حول استقرار العملة الوطنية وسياسات مكافحة التضخم، كشفت تصريحات الخبير الاقتصادي عن تفاصيل إضافية حول هذا المقترح المثير للجدل. 

ووفقًا للخبير، تنطلق فكرة “الليرة الخضراء” من فرضية أن قيمتها ستكون دائمًا محددة بناءً على سعر صرف الدولار المعلن رسميًا. لكن السر يكمن في أن هذا السعر الرسمي للدولار سيكون أقل دائماً بنسبة 15% من سعره في السوق السوداء، وذلك للحفاظ على قيمة الليرة الخضراء.

إلى جانب هذا الشرط، حدد الخبير شروطاً أخرى لضمان فعالية هذه الفكرة، ومن أبرزها أن تكون قيمة الليرة الخضراء أكبر من العملة المحلية، وأن تكون الاعتمادات المالية واللوائح المصرفية مرتبطة بالليرة الخضراء وليس الدولار التقليدي.

في ردٍ صريح على سؤال حول الغرض من اقتراح هذه الفكرة، قال الخبير إنه بهدف “رد الاعتبار إلى الليرة”، في إشارة لفتة واضحة إلى أن الليرة الخضراء ستكون قيمة أكبر من الليرة السورية. مؤكداً أن الفكرة جاءت لمعالجة هذا القصور في العملة الوطنية.

لم يتوقف الخبير عند هذا الحد، بل أضاف أن اقتراحه يأتي أيضاً لتصحيح مسار “الخطأ الجسيم” في العملة الوطنية، مشيراً إلى أن الليرة أصبحت من القلائل في العالم التي لا تحمل أي قيمة حقيقية أو اعتبارية على الإطلاق.

معركة التضخم

واصل سعر الدولار اليوم في سوريا، استقراره خلال تعاملات الثلاثاء 18 يونيو/حزيران 2024، في السوقين الرسمية والموازية.

حدد بنك “سوريا” المركزي، سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة السورية للحوالات والصرافة بقيمة 13500 ليرة للدولار الواحد. حقق سعر الدولار مقابل الليرة السورية اليوم في السوق الموازية نحو 14650 ليرة للشراء، و14800 ليرة للبيع.

وفي تطور مثير للقلق، كشف خبير اقتصادي سوري عن حقائق صادمة بشأن الوضع المتردي للاقتصاد الوطني في ظل الحكومة السورية الحالية. ففي تصريحات نارية، انتقد الخبير سنان ديب بشدة السياسات الحكومية القاصرة والتصريحات “غير الواقعية” للمسؤولين بشأن الأزمة الخانقة.

بنبرة حادة، حذر ديب من أن معدلات التضخم في البلاد “فاقت كل الحدود المقبولة”، واصفًا تصريحات المسؤولين والتجار بـ “غير العلمية وغير المنضبطة”. كلماته الجريئة جاءت في الوقت الذي كشفت فيه إحصاءات رسمية عن نسب تضخم قياسية وغير مسبوقة في الأسعار.

في خضم هذه الأزمة الخانقة، انتقد الخبير بشكل لاذع تجاهل الحكومة السورية للقطاع الاقتصادي الذي وصل إلى “مراحل الانهيار التام” بسبب القرارات والممارسات الخاطئة من جانب السلطات، إلى جانب استنزاف موارد البلاد بشكل مريب.

لا شك أن هذه التصريحات الجريئة قد أشعلت جدلاً ساخنًا على الساحة المحلية، حيث تساءل البعض عن سبب صمت المسؤولين طويلاً أمام هذا الانهيار المريع. فيما اتهم آخرون النظام بالتقصير وإتباع سياسات اقتصادية فاشلة على حساب معاناة الشعب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات