قانون أميركي ضد رئيس القضاء العراقي: ما أسباب انزعاج أحزاب إيران؟

انزعاج عراقي واسع من مقترح قانون أميركي يستهدف مجلس القضاء الأعلى في العراق ورئيسه فائق زيدان بالتحديد، وبدا هذا الانزعاج واضحا على مستوى الحكومة والأحزاب السياسية الموالية إلى إيران، إضافة إلى العديد من الصحفيين والإعلاميين، فهل هذا الانزعاج في محله؟ وهل القضاء العراقي نزيهٌ حقاً؟ وهل واشنطن تتجنى على زيدان؟ 

في التفاصيل، لم تهدأ المؤسسات الرسمية العراقية ولا الأحزاب السياسية، ولا أعضاء في “مجلس النواب”، ولا حتى عدد من المعروفين و المعروفات في الوسط الإعلامي العراقي، بعد الحديث عن مقترح لتشريع قانون أميركي يعتبر مجلس القضاء العراقي الأعلى ورئيسه فائق زيدان، “أداة بيد إيران”، واعتبروه تجنّيا، بل وتدخّلا في الشأن الداخلي العراقي، ومساسا سافرا لهيبة السلطة القضائية. 

القصة بدأت، بعد أن نقلت تقارير صحفية أميركية، عن السيناتور الأميركي مايك والتز، قوله، إن رئيس مجلس القضاء العراقي الأعلى، فائق زيدان ومجلسه القضائي، “هما القوى الرئيسية التي تدفع بمصالح إيران في العراق وتساعد الميليشيات الموالية لها على الحصول على موطئ قدم في البلاد”.

بحسب تقرير نشرته “واشنطن فري بيكون”، فإن النائب مايك والتز (جمهوري من فلوريدا)، عضو لجنتي القوات المسلحة والشؤون الخارجية في “مجلس النواب الأميركي”، يعتزم تقديم تعديل على مشروع قانون المخصصات الخارجية، يصنّف مجلس القضاء الأعلى في العراق ورئيسه، فائق زيدان، على أنهما “أصول تسيطر عليها إيران”، قائلة إنه من المتوقع أن يحظى هذا الإجراء بدعم من كلا الحزبين ويشمل في التشريع النهائي.

في حال تبني هذا الإجراء، ستكون هذه المرة الأولى التي يسمّي فيها “الكونغرس” الأميركي، “القادة العراقيين الذين يمكّنون إيران من السيطرة على حكومة بغداد واستخدام العراق لإشعال الإرهاب”، على حدّ تعبير الصحيفة، إذ قالت مصادر في “الكونغرس”، إنهم يعوّلون على أن يكون هذا الإجراء “بمثابة جرس إنذار لحكومة العراق حيث يتحول البلد إلى دولة تابعة لإيران”.

الردود العراقية

الرّد العراقي جاء سريعا، عبر وزارة الخارجية، التي عبّرت عن رفضها لتصريحات مايك والتز بحق رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، وحراكه في “مجلس النواب” لتصنيف مجلس القضاء الأعلى ورئيسه باعتبارهما “خاضعين لسيطرة إيران وأداة فاسدة تعمق نفوذ طهران في العراق”، عادّةً تلك التصريحات بأنها “تدخل سافر بالشأن العراقي ومساس بأهم مقومات كيان الدولة”.

وقالت الوزارة في بيان: “تابعت وزارة الخارجية تصريحات وتوجهات النائب في الكونغرس الأميركي مايك والتز، تجاه رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان (…) وتؤكد رفضها التام لما جاء في هذه التصريحات من مساس بشخص رئيس مجلس القضاء، وبالحقوق الأساسية للدولة العراقية والتي يمثّل فيها القضاء الضامن الأساسي للحقوق والحريات”.

وعدّت الخارجية، “تلك التصريحات تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي العراقي”، مبينةً أن “محاولة التأثير على السلطة القضائية هو مساس بأهم مقومات كيان الدولة والذي يقع على عاتقه تحقيق العدالة والمساواة واستقرار البلاد”، كما أعربت عن “أسفها لمحاولات إقحام الكونغرس في هكذا قضايا لكونها تشكل تدخلاً في سيادة الدول وأنظمتها القضائية”، وفق البيان.

فائق زيدان – (رويترز)

نيابياً، حذّر رئيس “مجلس النواب” العراقي “بالإنابة” محسن المندلاوي، المعروف بعلاقاته الكبيرة مع إيران، من “مشروع الكونغرس الأميركي بحق رئيس السلطة القضائية العراقية”، وقال في بيان: “ما تناقلته وسائل إعلام أميركية بشأن تقديم عضو الكونغرس الجمهوري مايك والتز مشروع تعديل قانون وتضمينه بنداً يمس رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، هو سابقة خطيرة تضاف لسجل أعمال حكومة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي ساندت وبشكل علني أبشع مذبحة جماعية اقترفتها العصابات الصهيونية بحق شعب غزة، واليوم، تلوّح بالمساس بسيادة الدول ورموزها دون مسوّغ قانوني يُبيح لها ذلك”.

المندلاوي أردف، بأن “مشروع القانون المزمع تقديمه للكونغرس من قبل النائب الجمهوري، وفي حال إقراره، سيشكّل منعطفاً خطيراً يؤثر بشكل أو بآخر في طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين”، مؤكداً “دعم مجلس النواب العراقي الكامل لرئيس السلطة القضائية ورفضه المطلق لأي إساءة لسلطته ولجميع السلطات، وحرص رئاسة المجلس على متابعة هذه الأفعال غير المشروعة واتخاذ كل ما يلزم لرفضها”.

سياسياً، فإن الأحزاب التي تمتلك ميليشيات مسلّحة موالية لإيران عبّرت عن سخطها من المقترح الأميركي، كما أن “ائتلاف دولة القانون” بزعامة رئيس الحكومة العراقية الأسبق نوري المالكي، اعتبر تصريحات السيناتور الأميركي “مساساً بجميع العراقيين”، وقال النائب عن الائتلاف عارف الحمامي، في تصريح صحفي، إن “المساس بالقضاء العراقي يعني المساسَ بكلِ العراقيين، وهذه سابقة خطيرة كونها استهدفت مجلس القضاء الذي نعتبره صمام أمان للدولة العراقية”، مردفاً “ندين ونستنكر هذا التجاوز الصارخ، وأن تصريحات كهذه أصبحت متكررة ويجب على القوى السياسية التعامل معها بحزم”.

ما علاقة فائق زيدان بـ “المحكمة الاتحادية”؟

صحيفة “واشنطن فري بيكون” نقلت عن والتز ومصادر في “الكونغرس” يعملون على المشروع قولهم، إن “الجهد هو خطوة أولى نحو عزل أصول إيران في الحكومة العراقية والعودة عن النفوذ المتزايد للنظام الإيراني”، وأكد والتز: “يحتاج النظام الإيراني إلى أن يفهم أن الكونغرس الأميركي لن يسمح للمرشد الأعلى بتحويل العراق إلى دولة تابعة (…) ويجب على المتعاطفين مع إيران في العراق، مثل فائق زيدان وغيره، أن يأخذوا ذلك في الاعتبار”.

الصحيفة المُحافِظَة انتقدت موقف إدارة جو بايدن المتراخي تجاه “استقطاب إيران للقادة العراقيين واستخدامهم لفرض نفوذها في التحالف الحاكم في البلاد”، وقالت إن “الولايات المتحدة تعاملت مع حكومة العراق واتّبعت سياسات لم تفعل الكثير لإبعاد بغداد عن طهران”.

واستدلت الصحيفة الأميركية بتحليل نشره “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” عام 2023، خلُص إلى أن “الفصائل الموالية لإيران حققت من خلال الحرب الناعمة واستخدام (وسوء استخدام) النظام القانوني والمحاكم، مجموعة ناجحة تستخدم إلى حدّ كبير الأدوات غير الحركية لبناء ثلاثية من القوة تشمل السلطة القضائية والجوانب المدنية والعسكرية للفرع التنفيذي، بالإضافة إلى السلطة التشريعية، من خلال هذا الجهد، نجحت إيران فعليا بتغيير النظام في العراق”.

فائق زيدان، لعب دوراً أساسياً في هذه الاستراتيجية، وفق “معهد واشنطن”، إذ أنّ قرار “المحكمة الاتحادية” في شباط/ فبراير عام 2022، غيّر قواعد اللعبة لتشكيل الحكومة، مما جعل من المستحيل تقريبا تشكيل حكومة دون أغلبية ساحقة، بما في ذلك الميليشيات وكتلة “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، وشكّل هذا القرار “تحوّلاً بالديمقراطية في العراق وعودة إلى حكم الأقلية الذي شوهد آخر مرة تحت نظام صدام حسين”، في إشارة إلى القرار الذي نصّ على أنّ انتخاب رئيس الجمهورية يتطلب أغلبية الثلثين، والذي “منع فعلياً العناصر المناهضة لإيران في العراق من تشكيل حكومة أكثر وديّة مع الولايات المتحدة”.

انتقاد الصحيفة لقرار “المحكمة الاتحادية”، جاء على اعتبار أن الحُكم الذي أصدرته وفسّرت بمقتضاه النصاب القانوني المطلوب لعدد أعضاء مجلس النواب الحاضرين خلال جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، منح قوى “الإطار التنسيقي” الخاسرة في الانتخابات تعطيل جلسة “مجلس النواب”، وبالتالي الالتفاف على نتائج الانتخابات، وإرغام “الكتلة الصدرية” الفائزة بأكبر عدد من المقاعد على الانسحاب من “مجلس النواب”، وإفساح المجال أمام قوى طهران لتشكيل الحكومة.

عزل العراق دولياً؟ 

على الرغم من أن “المحكمة الاتحادية العليا” هي هيئة مستقلة ومنفصلة عن “مجلس القضاء الأعلى”، الذي يشرف على الأمور الإدارية للمحاكم فقط، فإن مشرّعين أميركيين يتّهمون فائق زيدان بالهيمنة عليها وإرغامها على إصدار أحكام لصالح القوى الحليفة لإيران، بحسب تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط”. 

وبحسب الصحيفة السعودية نقلاً عن مصادر قانونية، فإن مشروع القانون الأميركي الجديد وتنفيذه “سيؤدي إلى منع السلطات الأميركية المختلفة من التعامل مع رئيس مجلس القضاء فائق زيدان وعموم السلطة القضائية، كما يفسح المجال للدول السائرة في ركب الولايات المتحدة من تجنّب التعامل معه ومع السلطة التي يتحكم فيها”، قائلة إن “عدم التعامل يعني رفض تنفيذ القرارات القضائية في الخارج (سواء تعلّقت بملاحقة الإرهابيين أو الفاسدين)، وعدم الاعتراف بأوامر القبض والنشرات الحمراء التي تطلب المحاكم العراقية من الإنتربول تنفيذها أو تعميمها، وكذلك رفض التعاون القضائي الدولي مع العراق ومحاكمه”.

في هذا الصدد، رجّح علي البياتي، العضو السابق في “مفوضية حقوق الإنسان” العراقية وفق تغريدة له على منصة “إكس”، “أن يُسهم مشروع القانون بشكل جَدّي في عزل العراق دولياً (…) كما أسهمت من قبل سياسات رئيس النظام العراقي السابق، صدام حسين”.

“مشروع القانون الجديد يمثّل تطوراً أميركياً يشترك فيه أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري في (الكونغرس) تجاه هيمنة إيران واتساع نفوذها الاقتصادي والسياسي والأمني في العراق (…) وما يحصل اليوم بشأن تشخيص قيادات سياسية وقضائية وارتباط هذه القيادات الوثيق مع الأجهزة الإيرانية يشكّل اليوم واحداً من القضايا الحساسة بين الإدارة الأميركية وحكومة بغداد”، على حدّ قول الدبلوماسي السابق غازي فيصل لصحيفة “الشرق الأوسط“. 

وبحسب فيصل، فإن “من شأن كل ذلك تعقيد العلاقة بين واشنطن وبغداد، وإثارة مزيد من الأزمات الجديدة والمضافة في العلاقات الثنائية، ولعلنا نكتشف جوانب من هذه التوترات في خطاب السفيرة الأميركية الجديدة لدى العراق، التي لوّحت بالتّصدي لنفوذ إيران والجماعات المرتبطة بها”، على حدّ تعبيره. 

وفي وقت سابق، رشّح الرئيس الأميركي جو بايدن، السياسية تريسي جاكوبسون لتكون سفيرة لأميركا لدى العراق، وخلال أول حديث لها أمام لجنة “مجلس الشيوخ” للعلاقات الخارجية، انتقدت إيران وميليشياتها وذكّرت بأثمان إسقاط نظام صدام حسين.

جاكوبسون قالت، إنه “إذا ما حصلت الموافقة على تعييني سفيراً لدى العراق، سأستخدم كل الأدوات الأميركية، لا سيما السياسية لمواجهة الجماعات الخبيثة والعمل على وقف نفوذ إيران، وسأعمل على تعزيز استقلال العراق في مجال الطاقة، حتى لا تتمكن إيران من استخدام الطاقة كسلاح ضد العراق”، مؤكدةً أن إيران لا زالت تلعب دوراً خبيثاً في العراق، ولها تأثير مزعزع للاستقرار في المنطقة يهدد بذلك كل المنجزات في بغداد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات