لا يتوقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن إرسال رسائل إلى نظيره السوري بشار الأسد بهدف إعادة علاقات بلاده مع الحكومة في دمشق، إذ قال مجدداً إنه قد يدعو الأسد لزيارة تركيا “في أي وقت”.
وإعلان رجب طيب أردوغان، اليوم الأحد، أنه قد يدعو بشار الأسد لزيارة تركيا “في أي وقت”، يؤشر إلى تحسن العلاقات بين أنقرة ودمشق بعد قطيعة دامت لنحو 13 عاماً، وذلك منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011.
ونقلت “وكالة أنباء الأناضول” الحكومية عن أردوغان قوله لصحفيين على الطائرة التي أقلته من برلين حيث شاهد مباراة تركيا وهولندا في “كأس أوروبا لكرة القدم”: “قد نوجه دعوة (إلى الأسد) في أي وقت”.
دعوات أردوغان لـ “الأسد”
وأضاف أردوغان: “نريد إعادة العلاقات التركية السورية إلى نفس النقطة التي كانت عليها في الماضي”. وزاد بالقول: “لقد وصلنا الآن إلى نقطة مفادها أنه بمجرد أن يتخذ بشار الأسد خطوة نحو تحسين العلاقات مع تركيا، فسوف نبادر بالاستجابة بشكل مناسب”.
وبيّن أردوغان أن لقاء بشار الأسد سيكون بناء على وساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
وتابع: “الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين لديه مقاربة بشأن لقائنا مع الأسد في تركيا، ورئيس الوزراء العراقي لديه مقاربة، نتحدث هنا عن الوساطة فما المانع منها مع جارتنا؟”، بحسب ما نقلته “الأناضول”.
دعوة سابقة وردود الأسد
وتأتي هذه الدعوة من أردوغان بعد يومين من تصريحاته الذي قال فيها إن زيارة محتملة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا يمكن أن تمهد الطريق لعهد جديد من التقارب التركي السوري.
ونقلت وسائل الإعلام التركية عن أردوغان قوله للصحفيين في رحلة العودة من أستانا بعد مشاركته في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، حيث التقى الرئيس الروسي “قد ندعو بوتين ومعه بشار الأسد. إذا تمكن بوتين من القيام بزيارة لتركيا قد يكون ذلك بداية لعملية جديدة”.
ولم يتضح إن كانت الدعوة التي ذكرها أردوغان سابقاً هي لزيارة الأسد لتركيا أم لاجتماع يعقد في مكان آخر.
وشدد الرئيس التركي على وقوف بلاده إلى جانب سوريا على أساس عقد جديد عادل وشامل، مضيفاً أن “أنقرة مدّت يد الصداقة إلى جارتها سوريا وستواصل ذلك”. كما أكد أن “المسلحين فقط هم من يعارضون تطبيعاً محتملاً للعلاقات التركية السورية”.
وزعم أن بلاده لا يمكن أن يكون لديها أبداً أي نية أو هدف مثل التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، مشدداً على الاستعداد لتطوير العلاقات مع سوريا تماماً كما فعل في الماضي.
في المقابل، أكد بشار الأسد بعد استقباله مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف قبل أيام، انفتاح سوريا على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة مع تركيا و”المستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها من جهة، ومحاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته من جهة أخرى”.
وأشار الأسد إلى أن تلك المبادرات تعكس إرادة الدول المعنية بها لإحلال الاستقرار في سوريا والمنطقة عموماً”.
هذا ومنذ بداية النزاع في سوريا عام 2011، قدمت أنقرة دعماً أساسياً لـ”فصائل المعارضة” السورية، كما شنت منذ العام 2016 ثلاث عمليات عسكرية واسعة في سوريا، استهدفت بشكل أساسي مناطق “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتمكنت قواتها بالتعاون مع “فصائل المعارضة السورية” الموالية لها من السيطرة على منطقة حدودية واسعة في شمال سوريا.
هل يحدث “التطبيع”؟
يبدو أن إصرار الجانب التركي لإعادة العلاقات مع حكومة دمشق، كأحد استعدادات أنقرة لاحتمال توسيع الحرب الإقليمية والبحث عن دور تركي فيها، خاصة مع زيادة وتيرة التوترات على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، حيث يسعى أردوغان منذ أن بدأت الحرب في قطاع غزة ما بين إسرائيل وحركة “حماس”، أن يكون موجوداً في الساحة، من خلال إطلاق التصريحات التي تستهدف بشكل مباشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بجانب خطاباته الشعبوية لدعم فلسطين والقضية الفلسطينية واستضافة قادة حركة “حماس” على الأراضي التركية.
يسعى أردوغان بتصريحاته هذه إلى تصدير أزماته الاقتصادية وانسداد سياساته، إضافة إلى رغبته في أن يثبت للداخل التركي أنه يعمل على إيجاد حل لأزمة اللاجئين السوريين
الرئيس التركي الذي عادة ما يصطاد في الماء العكر ويسعى إلى تدشين معاركه السياسية أو العسكرية والميدانية في فترات يتمكن فيها من المواربة والتخفي لإتمام صفقاته، سواء كان ميدانياً فيتملص من الإدانات التي عادة ما تلاحقه إثر جرائم قواته كما في عفرين بشمال سوريا، أو سياسياً حيث لا يتوانى عن ممارسة الابتزاز للحصول على أهدافه، كما سبق واستغل عدة أزمات (فيروس كورونا) ووظف ورقة اللاجئين السوريين لعدة أغراض ضد الغرب و”الاتحاد الأوروبي”.
في المقابل، يرى بعض الخبراء أن أردوغان يسعى للاستفادة من التقارب مع دمشق، من خلال المبادرة العربية التي قدمت للأسد، خاصة وأن ثمة أنباء تقول بقرب عقد اجتماع للجنة الاتصال العربية بشأن سوريا في العاصمة العراقية بغداد.
ولذلك، إذا ما حدث انفتاح جدي بين دول المنطقة وتحديداً الخليج وحكومة دمشق، ومن ثم الدخول في مرحلة إعادة الإعمار، فإن أردوغان لا يريد أن يكون بمنأى عن هذا الدعم، بغية إخراج بلاده من أزمتها الاقتصادية الحادة، خاصة أنه يذكر الجميع دائماً أنه يستضيف ما يقرب من ثلاثة ملايين ونصف مليون شخص لاجئ سوري، ولذلك يجب أن يتم دعم بلاده بالمال، دولياً وإقليمياً.
هذا فضلاً عن أن إلحاح أردوغان للتقارب مع دمشق، يؤشر إلى أنه يسعى بشكل براغماتي وتلفيقي إلى مواصلة الانتقام من المناطق الكُردية بشمال شرقي سوريا، وتحديداً من المدنيين الذين هم برأيه “إرهابيين” وجميعهم امتداد لـ”حزب العمال الكردستاني” (PKK). ثنائية “الكُردي/ الإرهابي” كتصنيف له حمولته السياسية الحزبية لدى أردوغان، هدفه تعميم العنف والكراهية ضد الأكراد، وشرعنة استهدافهم وقتلهم وتدمير مناطقهم، حيث يقوم باستهدافهم بين الحين والآخر بحجج الأمن القومي لبلاده، وبالتالي لا يبقى لهم سوى الخضوع والإذعان لأحلام الخليفة العثماني.
وأردوغان الذي فشل في الحصول على موافقة الأطراف الدولية لشن حملة عسكرية جديدة على مناطق شمال شرقي سوريا، الأمر الذي جعله يركض هنا وهناك للتقارب مع دمشق، بغية بدء هجوم جديد على المناطق الكُردية والقضاء على مشروع “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، بحجة أنهم مجموعة “إرهابيين” ويهددون أمن البلاد، خاصة بعد إعلان “الإدارة الذاتية” عزمها إجراء انتخابات البلدية في مناطقها.
كذلك، يسعى أردوغان بتصريحاته هذه إلى تصدير أزماته الاقتصادية وانسداد سياساته، إضافة إلى رغبته في أن يثبت للداخل التركي أنه يعمل على إيجاد حل لأزمة اللاجئين السوريين. وفي المقابل تعتبر هذه ورقة ضغط على الأطراف الإقليمية وكذلك على الجانب السوري، والحملات الأمنية العنيفة التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في تركيا اليوم تعزز من هذه الفرضية.
عموماً، وفي ضوء الرسائل المتبادلة بين أنقرة ودمشق بشأن إعادة العلاقات بينهما، يبدو أن مسألة التقارب قاب قوسين أو أدنى، لكن من المستبعد أن يحدث “تطبيع” كامل بين البلدين، وسط تمسك الطرفين بشروطهما، والمتمثل في “انسحاب تركيا من كافة الأراضي السورية”، وبالتالي، فإنه من الممكن أن يحدث تقارب بين دمشق وأنقرة، لكن بشكل محدود ووفق أطر معينة.
- المعارضة تدخل مدينة حماة.. والجيش السوري يؤكد خوض معارك في الريف الشمالي
- مستشار خامنئي: لم نتوقع أن تقع تركيا في “فخ” أميركا وإسرائيل
- فصائل المعارضة على تخوم مدينة حماة.. والجيش السوري يحصّن مواقعه
- وسط المعارك المستمرة.. روسيا قد تقوم بإخلاء سفنها البحرية من ميناء طرطوس
- سخرية واسعة من تصريحات مسؤولين سوريين حول معركة حلب
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.