تبدو هناك جهود عديدة ترتسم معها نهاية الأحداث التي اندلعت في غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، خاصة مع لقاءات ومشاورات، بعضها معلن والبعض الآخر تتكتم عليه الأطراف المعنية، بشأن إنهاء الحرب بين حركة “حماس” وإسرائيل، وتأميم الجبهات التي يجري عليها القتال، خاصة على الجبهة الجنوبية التي شهدت تصعيداً مؤخراً بين “حزب الله” وإسرائيل، فضلاً عن التوترات التي تقودها فصائل أخرى ضمن ما يُعرف بـ”محور المقاومة”، لا سيما جماعة “الحوثي”، في البحر الأحمر.

وإلى جانب الجهود التي تقوم بها دول الوساطة، مصر وقطر، فإن تحركات مماثلة تنخرط فيها الولايات المتحدة وفرنسا لإيجاد مسار سياسي دبلوماسي لوضع طريق آمن يمكن العبور منه في وسط حقول الألغام التي قد تقود إلى حرب إقليمية شاملة، و تنقل عدوى الصراع إلى مناطق أبعد من غزة. ولهذا كانت زيارة كلّ من المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان، قبل فترة وجيزة، لها سياقها ودلالتها السياسية ورمزيتها الزمانية على مستوى التوقيت الحساس والتوقيت.

فالدلالة السياسية تتمثل في رغبة واشنطن إتمام الاستقرار في لبنان وفي الجنوب تحديداً قبل سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية المحموم، والتي تبدو فيه إدارة جو بايدن منشغلة حتى أذنيها، كما أن الدور الفرنسي يتزامن مع نتائج الانتخابات البرلمانية وفوز اليمين المتطرف في مرحلة سابقة وتأثيرات ذلك على حركة باريس الخارجية لا سيما بمناطق نفوذها التقليدية.

جهود لاحتواء الحرب

ولهذا، التقى المبعوث الأميركي في باريس بنظيره الفرنسي قبل أيام قليلة، وتتضمن الحديث بينهما جملة أمور تتعلق بالأحداث في جنوب لبنان، وعرج الأول على المقاربة الأميركية والمتمثلة في وقف إطلاق النار والذي يمهّد لإنهاء الحرب بغزة، وذلك لتهيئة الأجواء نحو تأمين عودة المدنيين بالمناطق الحدودية سواء في قرى جنوب لبنان أو بشمال إسرائيل، ويتم الانتقال بعد ذلك إلى عملية إعادة الإعمار، والبحث في قضايا ترسيم الحدود وسلاح “حزب الله” الثقيل.

تخلي”حماس” عن شرط وقف النار بشكل نهائي في غزة من شأنه دفع المفاوضات باتجاه إتمام صفقة- “أ ف ب”

وبحسب مسؤول في “البيت الأبيض” فإن هوكشتاين، التقى بمسؤولين فرنسيين، وقال: “فرنسا والولايات المتحدة تشتركان في هدف حلّ الصراع الحالي عبر الخط الأزرق، الذي يشكل الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة بين لبنان وإسرائيل، بالوسائل الديبلوماسية، ما يسمح للإسرائيليين واللبنانيين بالعودة إلى ديارهم مع ضمانات طويلة الأمد بالسلامة والأمن”.

وبحسب مصدر سياسي لبناني، فإن الزيارة الأخيرة للمبعوث الأميركي إلى لبنان، ارتكزت على مطلبه من رئيس “مجلس النواب” نبيه برّي لمنع التصعيد في الجبهة الجنوبية، ومواصلة جهوده مع “الرديف الشيعي الموالي لإيران (أي حزب الله) بأن تكون العمليات العسكرية محصورة في مزارع شبعا، وأن لا تتطور أكثر، فضلاً عن حلحلة ربط التهدئة بوقف الحرب في غزة”.

ويقول المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ”الحل نت”، إن من الناحية الظاهرية يبدو الحزب في لبنان لا يستجيب للجهود الدبلوماسية، ويحتفظ بكونه جبهة دعم وإسناد، ويعمل ضمن مبدأ “وحدة الساحات”، لكن الحقيقة هي أن “الوسطاء اللبنانيين أبلغوا الطرف الأميركي قبول حزب الله بالمقاربة الأميركية لجو بايدن”، موضحاً أن هذا التوافق كان نتاج “كواليس عمل مشتركة ومباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في عمان”.

ويردف: “هناك اتجاه وميل حاد نحو كسب إيران والفصائل التابعة لها جولة هذه الحرب، والخروج باستفادة على أكثر من مستوى، تتصل بترسيم الحدود البرية، واستمرار تأثيرها المحلي وإنهاء الشغور الرئاسي لصالحها، فضلاً عن عدم تضرر مصالحها في اليمن وسوريا، وتمهيد الوصول إلى نتيجة في خطة العمل المشتركة بين إيران والولايات المتحدة والتي تزداد فرصها مع وصول الإصلاحيين لرئاسة إيران”.

ولهذا لم يكن مفاجئاً إعلان قياديين في حركة “حماس” انتظارها ردّ إسرائيل بعد موافقتهم مبادرة وقف إطلاق النار والخطة الأميركية لإنهاء الحرب، وقد تخلت الحركة عن شرطها المتشدد بمطالبة إسرائيل وقف نهائي لإطلاق النار قبل توقيع الاتفاق.

وتشير مصادر لوكالة “رويترز” للأنباء، إلى أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز، سيكون بصدد زيارة إلى قطر وبعدها إلى مصر وقد ألمح القياديان بـ “حماس” إلى أن قطر تقوم بدور وساطة مع الإسرائيليين لجهة الوصول إلى جواب إيجابي بشأن القبول بالخطة الأميركية، الأمر الذي يعني وفق المصدر السياسي اللبناني أن هناك “أفق جديد يتشكل على مهل لكن بخطوات ناجزة”.

وبالتزامن صرح مكتب بنيامين نتنياهو أنه قد تم إبلاغ الرئيس الأميركي بأن وفداً سيتم بعثه للتفاوض بشأن الإفراج عن الرهائن من دون تحديد المكان والتوقيت، في حين ألمح المصدر اللبناني إلى أنه هذا “الوفد على الأرجح سيصل الأسبوع المقبول مع زيارة رئيس الاستخبارات الأميركية وستكون المحطة هي قطر، وسيكون على رأس الوفد رئيس الاستخبارات الإسرائيلي”.

الانفراجة تبدو وشيكة وهي نتاج جهود عدة قوى إقليمية ودولية، فمن الناحية الإقليمية تلعب القاهرة وقطر دوراً مهماً، ودولياً تقوم باريس وبرلين بأدوار كبيرة.

مصدر سياسي لبناني لـ”الحل نت”

وربما تلك الجهود، تفسّر اللقاء الذي جمع زعيم “حزب الله” بوفد من حركة “حماس” التي تهيمن على قطاع غزة برئاسة خليل الحية، وجاء في بيان حزب “الولي الفقيه” في لبنان: “جرى استعراض آخر التطورات الأمنية والسياسية في فلسطين عموما وغزة خصوصا.. كما جرى تأكيد الطرفين على مواصلة التنسيق الميداني والسياسي وعلى كل صعيد، بما يحقق الأهداف ‏المنشودة”.

احتمالات التوصل لهدنة

‏‏وعبّر مسؤول في “البيت الأبيض” عن انفراجة قد تكون وشيكة على خلفية جواب “حماس” إزاء المقترح الإسرائيلي ضمن مفاوضات وقف إطلاق النار القائمة واصفاً إيّاها “تضمن تعديلات مشجعة لمواقفها السابقة”. وتابع: “رد حماس من شأنه دفع المفاوضات باتجاه إتمام صفقة وقف إطلاق النار في غزة”.

ووفق ما نقل مراسل “الحرة” عن المسؤول الأميركي: فيرجح أن “إطار الاتفاق للانتقال عبر مراحل الصفقة الثلاث أصبح جاهزاً، والصفقة لن ترى النور خلال أيام يجب القيام بمزيد من العمل لإتمامها”. حيث إن “الانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية من الصفقة واستمرار وقف إطلاق النار شكل صعوبة في المفاوضات  بين إسرائيل وحماس”، وتابع: “المرحلة الأولى من الصفقة تشمل الإفراج عن المحتجزين من النساء والرجال الذين تفوق أعمارهم خمسين عاماً”.

وبالعودة إلى المصدر السياسي اللبناني، فإن “اللقاء الأخير الذي جمع حماس بحزب الله، كان للتأكيد على الخطة المطلوب التنسيق بشأنها بعد رسالة من الولايات المتحدة عبر نبيه برّي مفادها التوصل لاتفاق مع إسرائيل بشأن التسوية في لبنان، وإنهاء الوضع بشروط مبادرة بايدن”. وبحسب المصدر، فإن اتصالات من الجانب القطري طلبت من إسماعيل هنية إدارة الأوضاع مع الفصائل المختلفة الإسلامية والفصائل تحديداً بالمخيمات الفلسطينية في لبنان لضبط الوضع الميداني والأمني.

المطلوب أن تظهر التوافقات من جانب “حماس” قبل أي طرف، حتى يبدو “محور المقاومة” قد التزم بما تقرره “حماس”- “رويترز”

ويؤكد المصدر ذاته أن الأطراف كافة تبدو مستجيبة للانخراط في مسار المفاوضات، والتهيئة لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، ومن المتوقع أن تتراجع الفصائل العراقية من لبنان وكذا “الحوثية”، وأن تتمركز الميلشيات في منطقة شرق الفرات بسوريا، لتخفيف الوضع في الجبهة اللبنانية، ويردف: “الانفراجة تبدو وشيكة وهي نتاج جهود عدة قوى إقليمية ودولية، فمن الناحية الإقليمية تلعب القاهرة وقطر دوراً مهماً، ودولياً تقوم باريس وبرلين بأدوار كبيرة، (يشير المصدر إلى زيارة قام بها رئيس المخابرات الألمانية إلى نعيم قاسم/ يقول في فترة ليست ببعيدة ولم حدد الزمن بدقة). 

كما أن “صفقة تخصّ الرهائن ستدخل حيّز التنفيذ في المرحلة الأولى والمقبلة، وستتوالى بعدها المفاوضات لتسكتمل مسارها في باقي المسائل ومنها إدارة القطاع في اليوم التالي للحرب. يرسم المصدر المشهد في لبنان بأن كواليسه تجري على هذا النسق، هناك اتصالات إيرانية أميركية، وأخرى أميركية قطرية، وانتهت مؤخراً إلى ورقة سياسية يتم تداولها بين الإسرائيليين والأميركان لبحثها حيث تتصل بموقع الحركة في غزة في اليوم التالي للحرب. وهنا يؤكد المصدر بأن مسألة الرهائن ووقف النار مسألة شبه متفق عليها”. 

ويلفت إلى أن اللقاء الذي جمع قبل أسبوع القيادي بالحركة خليل الحية وحسن نصر الله، شمل كل تلك النقاشات التي تم التوافق عليها، وأبلغ بها الوسيط اللبناني نبيه بري.

نقاط ما بعد الحرب

المطلوب أن تظهر التوافقات من جانب “حماس” قبل أي طرف، حتى يبدو “محور المقاومة” قد التزم بما تقرره “حماس”، والحديث للمصدر ذاته، متابعاً أن ورقة “حماس” التي اطلع على مضمونها، هي عبارة عن نقاط تتصل بمرحلة ما بعد الحرب، وتصورات “حماس” لعملية إعادة الإعمار وآلية أو طبيعة وكيفية تحقيقه، ثم الدولة التي من المفترض انخراطها في هذه العملية، وأخيراً شكل وماهية وحجم الجسم العسكري لحماس في نهاية الأمر، مشيراً إلى أن ورقة “حماس” لها شقان أحدهما عسكري أي يتصل بالجسم العسكري الذي سيتم التوافق عليه لحماس ربما يماثل الموديل الذي انتهى له “حزب الله” بعد حرب 2006، بما يعني وجود عسكري لا يستفز الأطراف المقابلة مع احتفاظه بجهوزيته الخفية. 

وثانيهما يطرح رؤية الحركة لغزة من الناحية السياسية ومستقبلها في ضوء ذلك المعنى، وذلك لضمان عدم حدوث أي تمرد شعبي في الداخل مع وجود حواضن لحماس قد تنفلت أمنياً.

ولهذا يتوقع المصدر أن يتم تدشين جمعيات مدنية وخدمية تساهم بهذا الدور و تدير من خلاله “حماس” مصالحها بالقطاع. وتبقى النقطة التي ليست بجديدة وهي محل نقاش وفق المصدر هي ضبط الأوضاع الأمنية في غزة، وآلية التنسيق بين الأطراف الدولية والعربية، حيث من جانب لـ”حماس” مطالب بشأن القوى التي توافق على وجودها ميدانياً، والتي سيتعين عليها مراقبة الاتفاق أو الصفقة التي تم التوصل لها وتثبيتها.

ويختتم المصدر بأن لبنان تقريباً توافق على وجود ألماني في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، لضمان التهدئة، وكذا دعم الجيش اللبناني ومراقبة الانسحاب من جنوب نهر الليطاني والمناطق المتنازع عليها وذلك من قبل قوات النّخبة في “حزب الله” أي “وحدة الرضوان”، وأخيراً التجديد لقوات “اليونيفيل”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة