مرة أخرى، تنتهك تركيا سيادة العراق بشكل سافر، ولكن هذه المرة تجاوزت أنقرة المعقول، إذ توغلت بعمق 40 كيلومترا داخل الأراضي العراقية، وكعادتها بغداد لا تجيد الرّد، سوى بالاستنكار، وسط غضب شعبي كبير من موقف الحكومة العراقية الضعيف. 

في التفاصيل، شنّت تركيا منذ مطلع تموز/ يوليو الجاري، عملية عسكرية كبيرة داخل حدود العراق، إذ دخلت في عمق محافظة دهوك التابعة لإقليم كردستان بأقصى شمال العراق، وكالعادة، هدف أنقرة هو محاربة تواجد “حزب العمال الكردستاني” المعارض لها في أراضي العراق.

العملية العسكرية التركية السافرة، وصلت هذه المرة إلى قضاء العمادية الذي يبعد 20 كيلومترا فقط عن مركز محافظة دهوك، إذ قصف الجيش التركي قرى ومدن دهوك أكثر من 300 مرة حتى الآن، فيما “نزحت 182 عائلة، و602 قرية مهددة بالإخلاء”، وفق “منظمة السلام العالمي”.

موقع “رووداو” المحلي، نقل عن كامران عثمان، مسؤول مكتب حقوق الإنسان بالمنظمة، قوله إنه تم إخلاء 8 قرى في قضاء العمادية بمحافظة دهوك بشكل كامل، وأصبحت 602 قرية معرّضة لخطر الإخلاء، وأن معظم العوائل التي نزحت كانت في حدود قرية نيسكا، ناهيك عن حرق 65 ألف دونم من الأراضي الزراعية في دهوك على يد الجيش التركي.

وكانت تقارير أميركية قد رصدت، خلال شهر حزيران/ يونيو الماضي، دخول الجيش التركي صوب إقليم كردستان بـ 300 دبابة ومدرَّعة، وإقامة حاجز أمني ضمن حدود منطقة بادينان، خلال آخر 10 أيام من ذات الشهر، إذ توغلت الدبابات والمدرَّعات التركية في قرى أورا، وسارو، وأرادنا، وكيستا، وجلك، وبابير.

قصف مدفعي تأسيس قواعد تركية داخل العراق

مؤخرا، تنقّل نحو ألف جندي تركي بين قاعدة “كري باروخ” العسكرية التركية، وجبل متين خلف ناحية بامرني في غضون 3 أيام، وأقاموا حاجزا أمنيا بين قريتي بابير وكاني بالافي، ولا يُسمح لأي مدني بالمرور إلا بعد التحقيق معه، وإبراز هوية الأحوال المدنية العراقية أو البطاقة الوطنية.

القوات التركية توغلت أيضا في مناطق باليتي وكاني ماسي وجبل متين ومحيط جبل گارا، بالتوازي مع قصف جوي ومدفعي لقواعد عسكرية ومستودعات أسلحة لـ “حزب العمال الكردستاني” في قنديل وهاكورك وگارا.

ودخلت العمليات التركية مرحلة جديدة، تمثّلت بالعمل على تأسيس قواعد عسكرية على سفح جبل متين وبالقرب من جبل گارا، خاصة وأن هذا الأخير يُعد بمنزلة قاعدة عمليات لـ “حزب العمال الكردستاني” ضد القوات التركية، وفق تقرير لموقع “الجزيرة نت”، نقلا عن مصادر أمنية عسكرية.

مروحية هجومية تركية خلال عملية ضد مواقع لـ “حزب العمال الكردستاني” في شمال العراق – (رويترز)

وبالتزامن مع الانتهاك التركي لسيادة العراق عبر عملياته العسكرية، أكد وزير الدفاع التركي يشار غولر في 11 تموز/ يوليو الجاري، عزم أنقرة إقامة منطقة آمنة بعمق يتراوح بين 30 و40 كيلومترا على طول حدود تركيا مع سوريا والعراق، “وتطهير المنطقة من الإرهاب”. 

ما يمكن الإشارة له، فإن أنقرة تستند في عملياتها داخل العراق على اتفاقية قديمة وقّعتها أنقرة مع بغداد في زمن حكم رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين، تتيح لها التوغل بين 5 و10 كيلومترات فقط داخل أراضي العراق، لكنها في هذه العملية تعدت على الاتفاقية ودخلت إلى عمق 40 كيلومترا.

غضب شعبي وبغداد تكتفي بالشجب!

التصعيد التركي والانتهاك غير المبرر لسيادة العراق، أثار غضب الشارع العراقي وطالب الحكومة العراقية بالرّد ومنع هذه الانتهاكات، إلا أن بغداد اكتفت بتصريحات صحفية ضعيفة ولا تليق بحجم الكارثة والانتهاك الحاصل لسيادتها.

فمثلا، وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، قال أن بلاده لم تمنح تركيا ضوءاً أخضر للقيام بعمليات في إقليم كردستان، مردفاً أن الحكومة بحاجة إلى مزيد مع النقاشات الأمنية مع تركيا، لافتا خلال تصريحات متلفزة، إلى أن “الجيش التركي موجود داخل الأراضي العراقية منذ عام 1991، في بعض مناطق محافظة دهوك”، وكأنه تبريرٌ لأفعال الجيش التركي.

الوزير حسين أوضح، بأن وجود الجيش التركي داخل العراق سيكون نقطة تتم مناقشتها خلال اجتماعات تُعقَد مع المسؤولين الأتراك قريبا،، مردفا: “خلال نقاشنا مع الجانب التركي لم نصل حتى الآن لاتفاق حول الملف الأمني”، فيما أقرّ بأن “مشكلة حزب العمال تركية، لكنها أصبحت الآن عراقية أيضا، وبالتالي يجب التعامل معها بالطريقة العراقية”.

من جانب آخر، قال الناطق الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلّحة العراقية، اللواء يحيى رسول، في بيان صحفي، إن “مجلس الأمن الوطني تناول التدخلات والخروقات التي تمارسها القوات التركية في المناطق الحدودية المشتركة، وجرى تأكيد رفض التوغل العسكري التركي، والمساس بالأراضي العراقية، وأن على تركيا مراعاة مبادئ حُسن الجوار، والتعامل دبلوماسيا مع الحكومة العراقية، والتنسيق معها تجاه أي موضوع يتعلق بالجانب الأمني”.

إضافة إلى ذلك، أرسل رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، وفدا برئاسة مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، إلى إقليم كردستان من أجل الاطلاع على الأوضاع العامة، “والخروج بموقف موحّد من هذا الموضوع الذي يمسّ السيادة العراقية”، وهذا أقوى تحرّك اتخذته بغداد تجاه التعدّي التركي على أراضي العراق. 

لماذا لا تردّ بغداد؟ 

لم تأبه أنقرة بردود بغداد، إذ قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان: “سننجز قريبا جدا إغلاق منطقة العمليات في شمال العراق”، مؤكدا “توجيه ضربات مؤلمة” لـ “حزب العمال الكردستاني”، وأردف: نحن عازمون على القضاء على أي بنية من شأنها تشكيل تهديد لبلادنا على طول الحدود مع العراق وسوريا”.

إردوغان تحدث أمام خريجين شبّان من الأكاديمية العسكرية في إسطنبول، بقوله إن “حزب العمال” بات عاجزا عن التحرك داخل تركيا، وفي العراق وسوريا محاصر بالكامل. “نحن وراء ظهورهم في كل مكان، مع جنودنا وشرطتنا ودركنا وعناصر استخباراتنا”.

وتعليقا على الأحداث، يرى الخبير الأمني مؤيد الجحيشي، أن تركيا ستستمر بعملياتها وتوغلها في العمق العراقي، خصوصا بعد ملاحظتها لضعف الموقف العراقي إزاء دخولها لعمق دهوك دون نبرة دبلوماسية حادة على الأقل، وهو ما سيجعلها تتجرأ أكثر للوصول لـ مدّيات أبعد في الداخل العراقي.

الجحيشي يردف في حديث مع “الحل نت”، أن أنقرة لن تتراجع حتى لو شجبت بغداد واستنكرت انتهاكات الجيش التركي لأراضيها؛ لأن هدفها واضح ومعلن، وهو القضاء على الحزب المعارض لها “العمال الكردستاني”، وبالتالي فهي لن تخرج من العراق ولن توقف عملياتها العسكرية حتى تحقيق مرادها، و حينها ستخرج من تلقاء نفسها، بحسب قوله. 

أما عن موقف بغداد، فإنها لن ترد على انتهاكات أنقرة لسيادتها بأي ردٍّ حازم، وهذا أمر واضح ومُلاحظ في السياق التاريخي، إذ لأكثر من 4 عقود تنتهك تركيا السيادة العراقية دون ردّ عراقي وسيستمر الأمر هكذا، ومرَد ذلك وفق الجحيشي، إلى أن العراق يخشى من أقوى ورقة تمتلكها تركيا ضده، وهي قطع مياه دجلة والفرات عنه، في حال قرر الرّد بشيء يضر مصلحتها، وقطع المياه يعني سقوط النظام الحاكم في بغداد، ولهذا تكتفي الحكومة العراقية بالشجب والاستنكار فقط، وفق الجحيشي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات