هل تشير الهجمات في بيروت وطهران إلى حرب إسرائيلية واسعة مع إيران ووكلائها؟ الآن أصبح هذا الخيار هو المرجّح. فقد تعرّض الإسرائيليون للهجوم من قبل وكلاء إيران منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وفي الأسابيع الأخيرة، انتقل الجيش الإسرائيلي بوضوح إلى الهجوم بشنّ غارةً على ميناء الحديدة في اليمن الذي يقع تحت سيطرة “الحوثيين”، والضربة التي قتلت المسؤول العسكري في “حزب الله” فؤاد شكر في ضواحي العاصمة اللبنانية بيروت يوم الثلاثاء، واغتيال مدير المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، بين عشية وضحاها في طهران.
إن هذا الهجوم يضع العبء على عاتق إيران و”حزب الله” للرّد. ومن الصعب للغاية على إيران ألا ترد على الإطلاق، لأن هذا هجومٌ صريح في عاصمتها بمناسبة تنصيب رئيس جديد. لذا يبدو من الصعب للغاية على الإيرانيين تجاهله. لكن السؤال هو: متى وكيف سيكون الرّد؟
شرارة حرب الشرق الأوسط
بعد الهجوم الصاروخي الذي شنّه “حزب الله” على مجدل شمس يوم السبت الفائت، والذي أدى إلى مقتل 12 طفلاً وإصابة العشرات، وجدت إسرائيل نفسها مضطرة إلى تنفيذ ردٍّ قوي.
كانت هناك عدة خيارات مطروحة على الطاولة وفق صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، بعضها كان مدعوماً بقوة من قِبَل مسؤولين بارزين. وكان بوسع إسرائيل أن تختار أخيراً الشروع في الحرب التي طال انتظارها ضد “حزب الله”، سعياً إلى طرد أكبر وكيل إيراني في الشرق الأوسط من جنوب لبنان وإضعاف قدراته العسكرية.
كان بإمكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يختار بدلا من ذلك حملة جوية محدودة عبر لبنان، مع التركيز على ضرب أهداف رئيسية لـ “حزب الله”، كعقاب على الضربة على مرتفعات الجولان، ولوضع إسرائيل في وضع أفضل إذا اندلعت الحرب. ولكن في المقابل، لم يتمكن نتنياهو من فعل ذلك.
أو كان بإمكان إسرائيل أيضاً أن تضرب الدولة اللبنانية نفسها، في محاولة لإجبارها على كبح جماح “حزب الله”. إن الحرب مع “حزب الله” من شأنها أن تسفر عن أضرار واسعة النطاق في لبنان، بل وربما تعجّل بتفكك الدولة ببطء. ولكنها من شأنها أيضاً أن تفرض خسائر فادحة على القوات الإسرائيلية والجبهة الداخلية. ناهيك عن أنها تتعارض مع رغبات الولايات المتحدة وغيرها من حلفائها الغربيين.
الضربة المحدودة من الطبيعي قد لا تحل التهديد الذي يشكله “حزب الله” على الحدود الشمالية، الأمر الذي قد يترك أكثر من ستين ألف إسرائيلي لاجئين في بلادهم. فضلاً عن ذلك فإن مثل هذا النهج لا يزال يحمل في طياته مخاطر السيناريوهات المحتملة التي قد تؤدي إلى تصعيد الحرب الشاملة التي تجنبتها إسرائيل حتى الآن.
ومن المؤكد أن شنّ حملة ضد مؤسسات الدولة والبنية الأساسية في لبنان من شأنه أن يثير الإدانة في الغرب. في حين أنه لن يساهم بإضعاف القدرات العسكرية لـ “حزب الله”.
مع الغارات الجوية المزدوجة التي شنّتها إسرائيل بين عشية وضحاها على الزعيم العسكري لـ”حزب الله” فؤاد شكر، وعلى زعيم “حماس” السياسي إسماعيل هنية، وسابقا على القائد العسكري لكتائب القسام، محمد الضيف، الذي أعلنت مقتله اليوم الخميس، بدا الأمر وكأن إسرائيل ترفض كل هذه الخيارات، على الأقل في الوقت الراهن.
وبقتل شكر والضيف، أزاحت إسرائيل قادةً متمرّسينَ ومورداً رئيسياً لـ”حزب الله” و”حماس” من ساحة المعركة. لكنها لم تهدد أي قدرات لـ”حزب الله” أو تلحق الضرر بأعداد كبيرة من المدنيين، مما يعكس قوتها في حين تسعى إلى تجنّب إجبار الجماعة اللبنانية على الدخول في حرب.
بدأ العد التنازلي
أظهرت إسرائيل جدّيتها في “تغيير قواعد اللعبة” مع ما يسمى نفسه “محور المقاومة”. المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي تعهّد بالانتقام لمقتل هنية، الذي قُتل بعد تنصيب الرئيس الإيراني الجديد في العاصمة. ولا شك أن “حزب الله” سوف يرغب أيضا في الانتقام لمقتل فؤاد شكر. وأيضا “الحوثيين” سوف يشاركون أيضا في أي انتقام تخطط له إيران.
تشكل “حماس” و”حزب الله” و”الحوثيون”، فضلا عن الميليشيات في كل من العراق وسوريا تحت رعاية “الحرس الثوري” الإيراني، “محور المقاومة” الإيراني. وقد شجعت قيادة “الثوري” الإيراني، منذ منتصف عام 2023 على الأقل، التنسيق بين هذه الجماعات. وقد أتاح الصراع بين إسرائيل و”حماس” في غزة في بعض الأحيان الفرصة لهذا التعاون.
يبدو أيضًا أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على وكلاء إيران وحتى في قلب طهران أظهر للنظام الإيراني الذي يعاني بالفعل من جنون العظمة مدى اختراق الاستخبارات الإسرائيلية للبلاد، وقدرة إسرائيل على تنفيذ ضربات دقيقة بعيدًا عن حدودها.
وفق تقدير صحيفة “بوليتيكو”، فإن إيران و”حزب الله”، إلى جانب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وقطر، يريدون وقف إطلاق النار أيضًا. وعلى الرغم من وجود خلافات واسعة النطاق فيما بينهم حول الخطوط العريضة العامة، فإنهم جميعًا يريدون وقف إطلاق النار ولا يريدون حربًا إقليمية.
ولكن من المؤكد أن إيران ستردّ. يقول علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية: “من المرجح أن تعتقد إيران أنها لا تملك خياراً آخر سوى الرّد لأنها أولاً وقبل كل شيء مضطرة إلى ردع المزيد من الهجمات الإسرائيلية على أراضيها. ويتعين عليها أن تدافع عن سيادتها وأن تحافظ على مصداقيتها في نظر شركائها الإقليميين”.
سيناريو الرعب
بات من الواضح أنه من المرجح أن يؤدي اغتيال زعيم حركة “حماس” إسماعيل هنية، وقبله فؤاد شكر ومحمد الضيف الملقب بـ”ابن الموت”، إلى ردود فعل عسكرية وجيوسياسية كبيرة من جانب كلٍّ من “حماس” و”حزب الله” وإيران. وبحسب الباحث والمختص بالشؤون العسكرية في الشرق الأوسط، إياد معلوف، ردود الفعل المحتملة وتداعياتها الاستراتيجية ستكون على الشكل التالي:
1- ردّ “حماس”:
الانتقام الفوري: من شبه المؤكد أن “حماس” ستطلق وابلًا صاروخيًا فوريًا ومكثفًا ضد إسرائيل من غزة. ويمكن أن نتوقع إطلاق مئات الصواريخ في غضون 24-48 ساعة الأولى، مستهدفةً المراكز السكانية الرئيسية مثل تل أبيب والقدس.
خلافة القيادة: لدى “حماس” خطط طوارئ لانتقال القيادة. وسيتم تعيين قائد جديد بسرعة، على الأرجح من داخل الجناح العسكري للحركة. وقد يؤدي ذلك إلى موقف أكثر تشدّداً على المدى القصير.
زيادة التشدد: ستُستخدم عملية الاغتيال لحشد الدعم وتبرير زيادة النشاط المسلح. وقد نشهد زيادة في محاولات التسلل وهجمات القناصة والجهود المبذولة لخطف جنود أو مدنيين إسرائيليين.
التواصل الإقليمي: ستستفيد “حماس” من عملية الاغتيال لكسب التعاطف والدعم من الفصائل الفلسطينية الأخرى، وكذلك من الدول العربية الإقليمية. ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى زيادة التمويل والدعم المادي.
الهجوم الدبلوماسي: على الساحة الدولية، ستصوّر “حماس” عملية الاغتيال على أنها عدوان إسرائيلي وانتهاك للقانون الدولي، وتسعى إلى عزل إسرائيل دبلوماسياً.
2- الرّد الإيراني:
زيادة الدعم لـ”حماس”: من المرجح أن تزيد إيران، بصفتها الدولة الرئيسية الراعية لـ”حماس”، من المساعدات المالية والعسكرية للحركة. وقد يشمل ذلك المزيد من تكنولوجيا الصواريخ المتقدمة وغيرها من الأسلحة عبر وكيلها “حزب الله”.
تفعيل الوكلاء: قد تقوم إيران بتفعيل وكلاء إقليميين آخرين لخلق نقاط ضغط متعددة على إسرائيل. ويمكن أن يشمل ذلك قيام “حزب الله” في لبنان بزيادة أنشطته العدائية، أو قيام الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق وحتى “الحوثيين” في اليمن بشنّ هجمات على المواقع الإسرائيلية في مرتفعات الجولان.
الحرب السيبرانية: تمتلك إيران قدرات كبيرة في مجال الحرب السيبرانية. ويمكن أن نتوقع أن نشهد تصاعداً في الهجمات السيبرانية ضد البنية التحتية والمؤسسات المالية والوكالات الحكومية الإسرائيلية.
الضغط الدبلوماسي: ستستفيد إيران من نفوذها في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة لإدانة إسرائيل والضغط من أجل فرض عقوبات أو تدابير عقابية أخرى.
تسريع البرنامج النووي: يمكن استخدام الاغتيال كمبرر لإيران لـ تسريع برنامجها النووي، بحجة أنها بحاجة إلى رادع ضد العدوان الإسرائيلي.
في حين أن عمليات الاغتيالات الإسرائيلية الأخيرة مثل هنية وشكر والضيف، قد تعرقل عمليات وكلاء إيران على المدى القصير. إلا أنه من المرجّح أن تؤدي إلى تقوية العناصر المتشددة داخل المنظمات التابعة لإيران وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط. وقد يؤدي ذلك إلى انتكاسة أي مبادرات سلام لسنوات، ويرسّخ الصراع أكثر فأكثر.
أما بالنسبة لإيران، فمن شأنه أن يعزز رواية العدوان الإسرائيلي ومن المحتمل أن يسرّع سعيها لامتلاك قدرات نووية كوسيلة ردع. وقد يؤدي ذلك إلى زيادة العقوبات الدولية والعزلة، ولكنه قد يؤدي أيضًا إلى ترسيخ نفوذ إيران على مختلف الوكلاء الإقليميين.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.