في الآونة الأخيرة، كثُرت الأحاديث عن تسليح أوكرانيا للمعارضة السورية، لكن السؤال الأبرز، هو ما مدى دقة تلك الأحاديث؟ وعلى ماذا تستند؟ هنا في هذه المادة سنحاول معرفة كل ما متاح من خلال بحث عميق أجريناه للوصول إلى معلومات دقيقة. 

في منصة “إكس”، انتشرت تغريدات تشير إلى أن أوكرانيا تسلّح “المعارضة السورية” وتزوّدها ببنادق قنص عيار 14.5 ملم، إذ ظهرت هذه القناصة في أيدي مقاتلي “المعارضة المسلحة السورية” في إدلب.

وتظهر هذه التغريدة في الصورة الأولى منها، جندي أوكراني يحمل قناصة عيار 14.5 ملم، والصورة الثانية تظهر جنديا في “المعارضة السورية” يحمل نفس القناصة”، وهو ما تم تفسيره بأن كييف ربما تقوم بدعم “المعارضة المسلحة” بالسلاح. 

هل تنقل كييف الطائرات لـ “المعارضة السورية”؟

هذا الطرح تعززه تقارير صحفية تحدثت عن تعاون لنقل تكنولوجيا الطائرات بدون طيار “FPV” إلى “المعارضة المسلحة السورية”، في وقت تعد أوكرانيا الدولة الأولى على مستوى العالم في هذا المجال.

تبلغ قيمة الطائرة الانتحارية بدون طيار “FPV”، نحو ألف يورو، وهي مجهزة برؤوس حربية صاروخية أو متفجرات أخرى، ويصل مداها إلى 10 كيلو مترات، ويمكن استخدامها ضد المشاة أو المركبات القتالية والدبابات وحتى أطقم المدفعية المقطوعة أو ذاتية الدفع إذا تحركت بالقرب من الجبهة.

وعلى مدى الأشهر الماضية، انتشرت الكثير من التسجيلات المصورة التي توثق استخدام الجيش الأوكراني وكذلك الجيش الروسي لهذا النوع من “الطائرات الانتحارية”، حتى أن بعض التسجيلات أظهرت استخدامها في سوريا، ولكن ليس معلوما من هو الطرف الذي استخدمها ومن الذي جرى استهدافه منها.

الجيش السوري يقول إنه استخدم هذه الطائرات ضد مقاتلي “المعارضة”، فيما تنفي الأخيرة ذلك، ومن الملاحظ بالوقت نفسه زيادة نشاط “المعارضة المسلحة السورية” في المدة الأخيرة ضد القوات والقواعد الروسية في سوريا وضد الجيش السوري. 

بشكل عام، تعود قصة تسليح أوكرانيا إلى “المعارضة السورية” إلى شهر حزيران/ يونيو 2022، عندما انتشر حينها مقطع فيديوي لشخص يدعي أنه من “المعارضة السورية” ويزعم فيه أنه حصل على أسلحة نوعية من بينها صواريخ مضادة للدروع من الجيش الأوكراني. 

في الفيديو قال الشخص حينها، إنه استطاع أن يعقد صفقات مع ضباط أوكرانيين لتزويد “المعارضة السورية” بالأسلحة النوعية، ومنها الصواريخ المضادة للطائرات، لكن التحليلات والتقارير الدقيقة أشارت حينها، إلى أن الشخص تقف خلفه الحكومة السورية كمحاولة تضليلية ضد “المعارضة”، وفق تقرير نشرته صحيفة “القدس العربي”. 

ذلك الفيديو، كان يخدم ادعاء روسيا بأن الأسلحة التي تقدمها الدول الغربية إلى الجيش الأوكراني، قد تصل إلى “مجموعات متشددة”، وقد تُستخدم ضد مصالح الولايات المتحدة في سوريا وغيرها من دول المنطقة، كما ورد في تقرير “القدس العربي” حينها.

هجمات أوكرانية مع “المعارضة” في سوريا؟

بعيدا عن ذلك، مؤخرا قالت صحيفة “كييف بوست” الأوكرانية، إنها حصلت على مقاطع فيديو وصور حصرية تظهر عملية خاصة من قبل وحدات مديرية الاستخبارات الرئيسية الأوكرانية “خيميك” ضد مواقع للقوات الروسية في سوريا في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي.

الصحيفة نقلت عن مصادرها داخل وكالة الاستخبارات الأوكرانية، أن هدف الهجوم هو المعدات العسكرية الروسية في “قاعدة كويرس” الجوية الواقعة شرق حلب، وأظهرت لقطات أن القوات الخاصة الأوكرانية تنفذ ضربة معقدة على القاعدة مما أدى إلى تدمير معدات عسكرية.

وبحسب الصحيفة، فإن مقاطع الفيديو المنشورة تظهر لحظات رئيسية من الهجوم: تدمير مجمع حرب إلكترونية متحرك روسي، ثم هجوم طائرات بدون طيار على أهداف عسكرية روسية في القاعدة الجوية نفسها، وتم تنفيذ الضربة في اليوم التالي عقب اجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس السوري بشار الأسد في “الكرملين” بتاريخ 24 تموز/ يوليو المنصرم.

وفي الوقت الذي تسيطر فيه روسيا على “قاعدة كويرس” الجوية وتستخدمها لأغراض عسكرية منذ عام 2015، لم يصدر أي تعليق على الضربة من قبل السلطات الروسية أو قيادة العمليات العسكرية في سوريا حتى يومنا هذا.

لكن دكتور العلوم العسكرية كونستانتين سيفكوف، اعترف للإعلام الروسي، وخاصة في حديث مع قناة “روسيا اليوم”، بوقوع هذه الهجمات، غير أنه لم يؤكد على أن قواتٍ أوكرانية وراءها، وهنا يمكن تفسير ذلك بأن موسكو تتجنّب الاعتراف خشية من تعظيم مكانة كييف، الأمر الذي سيظهر موسكو بموقف الضعف.

قبل ذلك، وتحديدا في أوائل حزيران/ يونيو الماضي، نشرت “كييف بوست” أيضا، ما قالت إنها “لقطات حصرية لقوات خاصة أوكرانية تهاجم نقاط تفتيش روسية ودوريات راجلة وأعمدة من المعدات العسكرية بمرتفعات الجولان في سوريا”.

وفي أوضح أمر على التعاون بين أوكرانيا و”المعارضة السورية”، نشرت ذات الصحيفة، وهي “كييف بوست”، مقطعا مصورا لما قالت إنها لقطات حصرية تظهر القوات الخاصة الأوكرانية “خيميك” بالتعاون مع مقاتلين من “المعارضة المسلحة السورية” خلال استهداف القوات الروسية ومواقع عسكرية روسية جنوبي سوريا في آذار/ مارس المنصرم

الصحيفة أوضحت نقلا عن مصادر خاصة، أن مقاتلي “المعارضة السورية” شنّوا بدعم من عملاء أوكرانيين، منذ بداية العام الجاري، العديد من الهجمات على المنشآت العسكرية الروسية جنوبي سوريا، خاصة قرب هضبة الجولان ، وذلك تحت اسم “تجمع القوات المسلحة الأوكرانية في سوريا”، إذ استهدفت الهجمات نقاط التفتيش والدوريات ومركبات عسكرية للجيش الروسي، باستخدام القنابل الصاروخية وقذائف الهاون وعبوات ملغمة يجري التحكم بها عن بعد.

هنا يمكن ملاحظة نقطة مهمة، وهي أن مسلحي “المعارضة السورية” لا يمكنهم المشاركة في تلك الهجمات والاستهدافات ما لم يكن لها السلاح المناسب والكافي للهجوم، وبما أن أوكرانيا هي من تتعاون معها في الهجوم، فإن ذلك يشير بوضوح إلى أن كييف تزوّد “المعارضة السورية” بالسلاح والعتاد.

كيف خطّطت أوكرانيا لاستهداف “فاغنر” في سوريا؟

تأتي كل تلك الهجمات التي أشار لها الإعلام الأوكراني، بعد أن وعد رئيس قوات حرس الحدود الأوكرانية كيريلو بودانوف، في أيار/ مايو 2023، “بتدمير مجرمي الحرب الروس في أي مكان في العالم قد يكونون فيه”، وفق تصريح صحفي له.

في نيسان/ أبريل 2023، كشفت صحيفة “واشنطن بوست”، عن وثيقة مسربة أظهرت تخطيط أوكرانيا لهجمات على القوات الروسية في سوريا، وذكرت، أن مديرية المخابرات العسكرية الأوكرانية خططت لشن ضربات على القوات الروسية وقوات “فاغنر” في سوريا، قبل أن يأمر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بوقف العمليات.

الصحيفة استندت في تقريرها، إلى وثيقة استخباراتية أميركية مسربة وصفتها بأنها “سرية للغاية”، وجاء فيها أن الضباط الأوكرانيين فضلوا ضرب القوات الروسية باستخدام طائرات من دون طيار وبدء ضربات “صغيرة” ، أو ربما قصر ضرباتهم على قوات مجموعة “فاغنر” فقط في سوريا، لكن زيلينيسكي أمر بإيقاف ذلك، وكان ذلك يعود إلى ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا بشهرين أو أقل تقريبا.

مسلح في “المعارضة السورية” – إنترنت

مع ذلك، ومنذ أكثر من عام وحتى الآن، تكرّر استهداف القاعدة العسكرية الروسية في مطار “حميميم” ومحيطها بطيران مسيّر، وتتهم وسائل إعلام حكومة دمشق “المعارضة السورية” المنتشرة بمحافظة إدلب، وجزء من ريف حماة الشمالي، وريف اللاذقية الشمالي، بالوقوف خلف تلك الاستهدافات.

قبيل الغزو الروسي لأوكرانيا، تشير التقارير، إلى أن نحو 150 ألف جندي روسي موجودون في سوريا، في حين يقدّر عددهم بنحو 60 ألفاً الآن، نصفهم من الضباط، علما أن روسيا تتواجد في سوريا منذ عام 2015 عندما تدخلت لحماية الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته وأبقته مسيطرا على دمشق. 

وتسيطر روسيا منذ 9 سنوات على قواعد رئيسية في سوريا، من أبرزها “حميميم” و”طرطوس” و”كويرس”، وكذلك نشرت القوات الروسية عدة نقاط في محافظة القنيطرة على الحدود مع الجولان المحتل، وصل عددها إلى 14 نقطة عسكرية.

بالمجمل، فإن انتشار صور لمقاتل أوكراني وآخر سوري من “المعارضة”يحملان ذات القناصة، والتقارير الأوكرانية عن هجمات ضد القوات الروسية في سوريا بالتعاون مع “المعارضة المسلحة” وعبر تلك القوات، واتهامات حكومة دمشق لفصائل “المعارضة السورية” بالوقوف وراء الهجمات، وزيادة نشاط “المعارضة” ضد الجيش السوري والقواعد الروسية مؤخرا، كلها تدلّل على وجود تعاون بين أوكرانيا و”المعارضة السورية”، وأن كييف تدعم “المعارضة” بالسلاح. 

أمّا لماذا تزود أوكرانيا “المعارضة السورية” بالسلاح؟ فذلك ببساطة يعود إلى أنها تمشي وفق مبدأ “عدو عدوي صديقي”، ولذا فهي تتعاون مع أي جهة تكون معها ضد روسيا، وضرب القوات الروسية في سوريا سينهك موسكو ويهدد تقدمها للسيطرة على كامل أوكرانيا و يشتّتها، ويجعلها تركز في جبهات عديدة، الأمر الذي يخلّ في هدفها الأساسي، وهو احتلال كييف ويجعلها بموقف صعب. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة