وثّقت جهات حقوقية العديد من الانتهاكات المرتكبة بحق أهالي مدينة منبج بريف حلب شمالي سوريا، وسط اشتباكات متواصلة بين فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة من تركيا، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من الشهر الجاري.

وقالت “رابطة تآزر للضحايا”، وهي مؤسسة غير ربحية تعمل على توثيق الانتهاكات، إن مدينة منبج وريفها شهدت “تصعيدا خطيرا” وغير مسبوق في انتهاكات حقوق الإنسان على يد قوات “الجيش الوطني السوري” المدعومة من تركيا، منذ إعلان سيطرتها على المدينة في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، إثر معارك عنيفة مع “قسد” ضمن العملية العسكرية التي تحمل اسم “فجر الحرية”.

فيما أفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” مؤخرا، أن مدينة منبج شهدت حملة انتهاكات لحقوق المواطنين، حيث تعرض مئات المدنيين للتشليح والمصادرة تحت تهديد السلاح من قبل فصائل “الجيش الوطني” المدعومة تركياً، بتهم تتعلق بوجود صلات مزعومة مع قوات سوريا الديمقراطية رغم أن العديد منهم لا علاقة لهم بهذه الجماعة.

انتهاكات “جسيمة” في منبج

بحسب تقرير لـ“رابطة تآزر للضحايا”، نُشر اليوم الأربعاء، 25 كانون الأول/ديسمبر الجاري، فقد أدى الهجوم الذي شنته فصائل “الجيش الوطني” الموالية لتركيا على منبج إلى مقتل العشرات، بينهم مدنيين، وسط تصاعد العنف والانتهاكات الموثقة التي شملت الإعدامات الميدانية، الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، ونهب الممتلكات. 

https://twitter.com/izedin_salih/status/1871856156320141608

كما شهدت مدينة منبج استهدافا واسعا للممتلكات الكُردية، مما دفع السكان إلى النزوح الجماعي هربا من التهديد المستمر من قبل فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة من أنقرة.

ولفتت الرابطة الحقوقية إلى أن “الإعدامات الميدانية” كانت من أفظع الانتهاكات التي شهدتها مدينة منبج، حيث تم إعدام أكثر من 15 أسيرا، بينهم جرحى، وكان الضحايا عناصر في قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي “الأسايش”، بالإضافة إلى مجندين قسرا من قوات الدفاع الذاتي.

وطبقا لـ”رابطة تآزر” تظهر الأدلة المصورة مقاطع فيديو لعمليات إعدام ميداني متعددة، بما في ذلك إعدام ميداني لجريحين من قوات “مجلس منبج العسكري” كانا يتلقيان العلاج داخل مستشفى قرب دوار المطاحن، بعد محاصرة المستشفى ومنع إجلاء المصابين. 

هذا بالإضافة إلى إعدام عدد من الأسرى بالرصاص في مواقع مختلفة ضمن المدينة، بما في ذلك من ألقوا أسلحتهم ولم يشاركوا في القتال.

كما ودارت اشتباكات عنيفة قبل نحو يومين في مدينة منبج بين أبناء عشيرة “البوبنا” وعناصر فرقة السلطان سليمان شاه أو ما تُعرف بـ “العمشات” المنضوية في صفوف “الجيش الوطني السوري” الموالي لتركيا، على خلفية حادثة اختطاف واغتصاب طفلة تبلغ من العمر سبع سنوات على يد أحد أعضاء “العمشات”.

وبحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، أمس الاثنين، فإن اختطاف واغتصاب الطفلة ذات السبع سنوات على يد عنصر في فصيل “العمشات”، أثار غضبا واسعا في مدينة منبج، وسط معلومات عن سقوط قتلى وجرحى خلال مواجهات مسلحة بين أبناء عشيرة “البوبنا” وفصيل “العمشات”، الموالي لتركيا، والذي يحفل سجله بالعديد من الانتهاكات، بحسب تقارير حقوقية ودولية.

بدورها، قالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في بيان بتاريخ 16 كانون الأول/ديسمبر الجاري، إنه يجب على جميع أطراف النزاع في سوريا حماية المدنيين ومعاملة الذين ألقوا أسلحتهم معاملة إنسانية وحماية الأدلة على الجرائم للمساعدة في ضمان المساءلة في المستقبل.

اعتقالات تعسفية وفدية مالية

إلى جانب ذلك، وثّقت “رابطة تآزر” اعتقال ما لا يقل عن 52 مدنيا على يد فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة من تركيا، وفيما تم إطلاق سراح 16 محتجزا بعد دفع فدية مالية، يظل مصير الآخرين “مجهولا”.

https://twitter.com/IslamZebari/status/1870976704962826491

وأفاد المُفرج عنهم بأنهم تعرضوا للتعذيب الشديد، وتحققت “رابطة تآزر” من مقاطع فيديو أظهرت عمليات إذلال وامتهان لكرامة المحتجزين. أبرزها مقطعين يوثقان تعرض ثلاثة مدنيين، بينهم رجل مسن، لإهانات وتعذيب شديد على يد عناصر “الجيش الوطني السوري” في إحدى القرى في ريف مدينة منبج

ويظهر في الفيديو الأول ثلاثة محتجزين، من بينهم رجل مسن يبلغ من العمر أكثر من 60 عاما، كان يعمل ضمن لجنة خدمية محلية في القرية، إلى جانب شابين آخرين. ويظهر أحد العناصر وهو يرفع قدمه في وجه المحتجزين، ويوجّه لهم إهانات شديدة ويجبرهم على القيام بأفعال مهينة، مثل تقليد أصوات النباح، بينما ينهال عليهم بوابل من الشتائم والتحريض. أما الفيديو الثاني، الذي صُوّر في الموقع ذاته، فيُظهر 5 إلى 6 محتجزين، من بينهم الرجل المسن والشابان اللذان ظهرا في الفيديو الأول، وهم يتعرضون لتعذيب جسدي وإهانة مستمرة على يد نفس العناصر المسلحة الموالية لتركيا.

هذا ويعاني العديد من المواطنين في منبج من الاعتداءات التي تشمل تشليح سياراتهم ومصادرة ممتلكاتهم بشكل تعسفي، وفي هذا السياق قال المواطن (عيسى، م) لـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان” في الـ15 كانون الأول/ديسمبر الجاري، وهو صاحب محل لبيع قطع غيار السيارات، تم تشليح سيارته بقيمة 20,000 دولار، في حين أن آخرين تعرضوا لمصادرة سياراتهم وممتلكاتهم بتهم ملفقة.

في حالات عدة، تم طرد بعض المواطنين من منازلهم، وتعرضت ممتلكاتهم للمصادرة كما أن هذه الممارسات لا تقتصر على الأشخاص المتهمين بالارتباط بـ “قسد”، بل تشمل العديد من الأبرياء الذين لا علاقة لهم بهذا الصراع.

وترافق ذلك مع عمليات انتقامية من قبل الفصائل الموالية لتركيا، حيث تم استهداف جرحى عسكريين كانوا في مشافي المدينة، ما يعد انتهاكا صارخا للقوانين الإنسانية، وشهدت المنطقة أيضا مظاهرات من قبل سكان منبج، الذين طالبوا بوقف السرقات وإخراج الفصائل من المدينة، مؤكدين أنهم يعانون من حالة من انعدام الأمن والفوضى.

وعلى إثر ذلك، أعلن أهالي مدينة منبج آنذاك عن تنظيم إضراب عام تحت شعار “إضراب الكرامة”، احتجاجا على ممارسات فصائل “للجيش الوطني” الموالي لتركيا، وجاء ذلك الإضراب في سياق الاحتجاج على السرقة، النهب، والانتهاكات التي يتعرض لها السكان المدنيون من قبل هذه المجموعات المسلحة.

تخوفات جمّة

من جهة أخرى، تستمر هجمات “الجيش الوطني السوري” بغطاء تركي على مناطق شمال شرق سوريا، وسط تزايد مخاوف الشعب الكُردي وغيره من شعوب وأقليات المنطقة، التي تحتضن أكثر من مليون نازح داخلي، بينهم عشرات الآلاف المهجرين من ضحايا جرائم وانتهاكات الفصائل ذاتها، وفق تقرير “رابطة تآزر”.

https://twitter.com/Ibrahim_Afrin5/status/1866391433332031775

ويجري ذلك في لحظات تاريخية تنفّس فيها ملايين السوريين/ات الصعداء مع سقوط نظام الأسد، يوم 8 كانون الأول/ديسمبر، ودعت الأمم المتحدة جميع الأطراف المسلحة إلى وقف التصعيد وإعطاء الأولوية للحوار واحترام القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان كخطوة أساسية لإعادة بناء المجتمع السوري.

وبين 8 و23 كانون الأول/ديسمبر، وثقت “رابطة تآزر” مقتل 45 شخصا، بينهم 14 طفلا، نتيجة قصف تركي بالطائرات المسيّرة والمدفعية على المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، كما أصيب 14 مدنيا، بينهم 3 أطفال وامرأتين.

وقُتل الصحفيان “جيهان بلكي” و“ناظم دشتان” نتيجة هجوم شنته طائرة مسيّرة تركية بالقرب من سد تشرين، في هجوم وصفته منظمة “حرية الصحافة للنساء – Women Press Freedom” بأنه جريمة حرب تستوجب تحقيقا مستقلا.

وقالت منظمة “حرية الصحافة للنساء” في بيان نشرته بتاريخ 19 كانون الأول/ديسمبر، إن الصحفيان كانا يوثقان الهجمات على السد عندما تمّ استهداف سيارتهما “بشكل مباشر” من قبل طائرة تركية مسيّرة، كما أُصيب سائق المركبة في الهجوم. أدانت المنظمة الهجوم بشدة، ودعت إلى فتح تحقيق مستقل وفوري لتحديد ما إذا كان الصحفيان قد استُهدفوا بشكل متعمد.

وتُعد “جيهان بلكي” ثالث صحفية تُقتل بضربة تركية هذا العام، بعد مقتل كل من “كلستان تارا” و”هيرو بهاء الدين” في كُردستان العراق في آب/أغسطس الفائت.

كما وفي الـ 12 كانون الأول/ديسمبر وجهت “رابطة تآزر” نداءً عاجلا إلى المجتمع الدولي لتحذيرهم من المخاطر الوشيكة التي تهدد “سد تشرين” نتيجة الأعمال القتالية في محيطه. يمثل السد شريان حياة لملايين السكان في شمال سوريا، حيث يوفر المياه والكهرباء للمنطقة، لكن الهجمات المستمرة تُهدد بانهياره، مما قد يؤدي إلى كارثة إنسانية وبيئية واسعة النطاق.

هذا ومنذ 30 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، سيطرت هذه الفصائل على مناطق تل رفعت والشهباء شمالي حلب، ثم منبج، التي كانت رمزا للتعايش بين الكُرد والعرب.

ويقود قوات “الجيش الوطني السوري” التي أطلقت العملية المُسمّاة “فجر الحرية” أشخاص وفصائل مدرجة سابقا في قوائم العقوبات الصادرة عن “وزارة الخزانة الأميركية” بسبب تورطها في انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك القتل والاختفاء القسري، ونهب الممتلكات، أبرزها فرقة الحمزة (الحمزات) وقائدها “سيف بولاد أبو بكر”، وفرقة السلطان سليمان شاه (العمشات) وقائدها “محمد الجاسم” المعروف باسم “أبو عمشة”، بالإضافة إلى تجمع “أحرار الشرقية” وقائدها “أحمد إحسان فياض الهايس” المعروف باسم “أبو حاتم شقرا” الذي أعدمت مجموعته السياسية الكُردية “هفرين خلف” وسائقها ومرافقيها خلال الأيام الأولى من عملية “نبع السلام” التركية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات