أعباء ثقيلة وتركة كبيرة من الفساد ورثتها حكومة سوريا الجديدة، بعد أن دمر نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد اقتصاد البلاد على مدار سنوات، وهو ما أثر بعمق على كافة قطاعات الاقتصاد والبنية التحتية، مما خلق واقعاً معقداً يتطلب حلولاً استثنائية. 

وبعد سقوط نظام الرئيس المخلوع الذي فر خارج البلاد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، بشار الأسد، وجدت القيادة الجديدة للبلاد بقيادة أحمد الشرع، نفسها أمام تحديات كبيرة ومهمة بناء اقتصاد البلاد من جديد. 

ترك نظام الأسد اقتصاد البلاد غارقًا بين بنى تحتية مُدمرة، وآبار نفط مُنهكة وشح في الوقود والكهرباء، إضافة إلى أراضٍ زراعية في حالة خراب تام، فضلًا عن عملة وطنية منهارة وصلت إلى مستويات قياسية من الانهيار، ونفاد احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية. 

خسائر اقتصادية فادحة 

تتفاوت تقديرات خسائر الاقتصاد السوري على مدار سنوات الحرب الماضية؛ ففي الوقت الذي كشف فيه وزير المالية السابق، كنان ياغي، في تصريحات صحافية له في أيار/مايو الماضي، عن أن الأضرار الناجمة عن الحرب في بلاده تقدر بحوالي 300 مليار دولار, فإن دراسات وتقديرات أخرى تشير أرقامها إلى أعلى من ذلك، من بينها تقديرات المركز السوري لبحوث السياسات، التي تشير إلى خسائر بقيمة تصل إلى 650 مليار دولار بحلول العام 2021. 

تعرض سعر صرف العملة السورية للانهيار من 500 ليرة للدولار عام 2019 إلى 15000 ليرة بعد خمس سنوات، أي قبل شهر من سقوط النظام. 

كان رئيس حكومة تصريف الأعمال في سوريا، محمد البشير، أعلن عقب تعيينه، أن احتياطي بلاده من العملات الأجنبية منخفض للغاية، لكنه لم يوضح حجم هذا الاحتياطي. 

بينما نقلت وكالة “رويترز” عن 4 مصادر وصفتها بأنها مطلعة، قولها إن خزائن مصرف سوريا المركزي تحتوي على نحو 26 طناً من الذهب، و200 مليون دولار أميركي فقط. 

تتمهل القيادة الحالية في إدارتها للفترة الانتقالية، لبناء مؤسساتها بشكل عام، والاقتصادية منها بشكل خاص، فبحسب القائد العام لـ “لإدارة السورية الجديدة” أحمد الشرع،  فإن إجراء انتخابات في سوريا قد يستغرق فترة تصل إلى أربع سنوات، كما أن إعداد وكتابة دستور جديد في البلاد، سيستغرق نحو ثلاث سنوات، معتبرًا أن سوريا اليوم في مرحلة إعادة بناء القانون. 

وتسعى القيادة السورية الجديدة إلى بناء اقتصاد السوق الحرة، وإحياء صناعة النفط، وإقامة شراكات دولية، وهو طريق ليس بالسهل خاصة في ظل تقييد العقوبات الدولية للاقتصاد السوري. 

بهدف معاقبة نظام الأسد، فرضت الولايات المتحدة في عام 2019 قيوداً تستهدف التدفقات المالية إلى سوريا، إلا أن هذه القيود أصبحت اليوم تعرقل بشدة تدفق الأموال التي تحتاجها البلاد لإحياء عملية إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية 

حكومة تكنوقراط لإنقاذ الاقتصاد 

من جهته رأى المستشار الاقتصادي السياسي الدكتور أسامة القاضي، خلال حديث خاص مع “الحل نت”، أن سوريا تحتاج إلى وجود حكومة تكنوقراط، قد تظل مدة عملها لفترة تتراوح بين ثلاث إلى أربعة سنوات، حتى يتثنى لها القيام بحزمة كبيرة من الخطوات العاجلة لإنقاذ اقتصاد البلاد ووضع سوريا على الطريق الصحيح. 

هناك ضرورة لأن  تكون هناك حكومة فنية مهنية تستطيع أن تقود الاقتصاد السوري وتضعه على طريق التنمية الحقيقي والصحيح، وأن ترفع مستوى معيشة السوريين، بأن يكون لديهم مؤسسات صحية و تعليمية راقية، إضافة إلى بنية تحتية جيدة، وأن تكون موارد السوريين وثرواتهم بأيديهم، على أن تدار بكل مهنية وشفافية بمعايير دولية.

المستشار الاقتصادي السياسي الدكتور أسامة القاضي

وقال إن سوريا تحتاج إلى وقت لأن تعيد كل من يحب أن يعود إلى البلاد من السوريين، مشيرًا إلى أن هناك مدن كاملة مهدمة، فيصعب أن يعود اثنى عشر مليون سوري خلال سنة  واحدة لأن هناك بيوت مهدمة كليا وبعضها جزئيا، إضافة إلى ركام هائل يحتاج إلى العودة بالتدريج. 

بحسب أحدث بيانات “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” وصل عدد النازحين داخلياً إلى 7.2 مليون شخص، بينما بلغ عدد اللاجئين المسجلين في الدول المجاورة 4.8 مليون شخص.  

أما بالنسبة لتوزيع اللاجئين السوريين في الدول المجاورة، فإن تركيا تستضيف العدد الأكبر من هؤلاء اللاجئين، فقد بلغ عددهم أكثر من 3.9 مليون شخص، بنسبة 61%. تليها لبنان في المرتبة الثانية، حيث تستضيف نحو 768.3 ألف لاجئ، بنسبة 15.9%. 

تجاوز خط الفقر 

المستشار الاقتصادي، خلال حديثه ثمن مؤتمر المانحين واصفا بأنه بمثابة “مشروع مارشال” لسوريا، حيث يعول على قيام شركات التطوير العقاري بالتعاون مع الحكومة ومع هيئة تخطيط المدن السورية على مستوى كل سوريا ووضع المعايير البيئية والقانونية والتشريعية والبنية التحتية الجيدة، مؤكدًا أنه عند ذلك سيمكن عودة معظم السوريين إلى منازلهم. 

وأكد على أن فترة الأربعة سنوات ستكون فرصة لأن يكون هناك دستور حقيقي وإحصاء لعدد سكان سوريا، والتأكد من عدم وجود أشخاص جنسهم نظام الأسد المخلوع من الإيرانيين والميليشيات الداخلية في سوريا. 

وأكد أن أجواء الفقر المدقع والعوز يجعلان من الديمقراطية وسيلة من وسائل الفساد السياسي، موضحًا أن أصوات الفقراء يمكن استغلالها بالنقود بسبب حاجتهم من أجل صوت انتخابي، وهذا ما لا يريده السوريون، مشددًا على أنه لا يمكن لأي ديمقراطية أن تنجح في بلد نسب الفقر فيه قد تتخطى 50%. 

واستطرد قائلًا: “يجب أن تتجاوز سوريا خطوط الفقر والعوز وأن تكون الطبقة الوسطى هي السائدة بنسبة لا تقل عن 70 إلى 80% من السوريين حتى يمكن أن تكون هناك أجواء ديمقراطية وتصويت حقيقي”. 

وبحسب تقرير لـ”البنك الدولي”، فإن 27% من السوريين، أي نحو 5.7 ملايين نسمة، يعيشون في فقر مدقع. 

وقال البنك إنه على الرغم من عدم وجود الفقر المدقع فعلياً قبل اندلاع الصراع، لكنه طال أكثر من واحد من كل أربعة سوريين في عام 2022، وربما زاد حدة وشدة بسبب الآثار المدمرة لزلزال فبراير 2023. 

رفع العقوبات وبدء انعاش الاقتصاد 

فيما يؤكد الباحث الاقتصادي، يحيى السيد عمر، أن الاقتصاد السوري يمتلك موارد مُتعددة ومتنوعة، قادرة على النهوض بالدولة، وتحويل سوريا إلى دولة ذات اقتصاد قوي، فضلاً عن توفير مستوى دخل جيد للسوريين. 

عدم استقرار سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي يشكل عائقا أمام الإنتاج والاستيراد - انترنت
عدم استقرار سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي يشكل عائقا أمام الإنتاج والاستيراد – انترنت

وأكد خلال منشور على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن رفع العقوبات عن سوريا من شأنه أن ينعش اقتصادها، خاصة وأن تلك العقوبات تحرم الدولة والمجتمع من مواردها، في مقدمتها الزراعية والصناعية والنفط والسياحة. 

وقال إنه على الرغم من سقوط النظام، إلا أن الحكومة الجديدة غير معترف بها حتى الآن؛ لذلك فالخُطوة الأولى هي الحصول على اعترافٍ دولي بالحكومة السورية الجديدة، موضحًا أن هذا الاعتراف يحتاج إلى أدلّة وضمانات أن تلك الحكومة لن تُشكّل تهديداً للسوريين أو للدول الأخرى. 

وبيّن أنه لن يتم مستقبلًا رفع العقوبات دفعة واحدة، متوقعًا أن يحدث ذلك بشكلٍ تدريجي، وأن يحتاج الأمر إلى عدة أشهر لبدء عملية رفع تلك العقوبات، لافتًا إلى أن معدل رفعها يتناسب مع سرعة الاعتراف الدولي ومع قدرة الحكومة على ضبط الأمن وعلى إدارة المرحلة الانتقالية. 

وأشار إلى أن هناك عدة مؤشرات لقُرب البدء برفع العقوبات عن سوريا، وبالتالي قُرب تحسُّن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في الدولة؛ مما سيدعم بشكل فعال جهود إعادة الإعمار. 

وفي السياق ذاته أكد أن عملية إعادة إعمار سوريا تحتاج إلى تضافر جهود السوريين، لا سيما المغتربين منهم، وذلك على عدة مستويات، تشمل الخبرات والجهود الفردية التي اكتسبها الشباب المغترب، إضافةً للمستثمرين المغتربين؛ من خلال العمل على إعادة رؤوس الأموال الوطنية في الخارج.

وذكر أنه يمكن لأموال واستثمارات السوريين في الخارج أن تُشكل رافعةً اقتصادية مُهمة؛ لكون تحويلات المغتربين تدعم قيمة الليرة السورية، كما تشكل دعمًا اجتماعيًا للأسر، ما يعزز من الطلب والإنفاق، وبالتالي ينعكس إيجاباً على الدورة الاقتصادية، مؤكدًا أن تحويلات المغتربين تعد عنصرًا رئيسًا من عناصر الدخل القومي للدولة مما يعود بالتأكيد على الاقتصاد السوري. 

يذكر أنه في العام 2018، قال مسؤول أممي إن سوريا بحاجة إلى 300 مليار دولار  لإعادة الإعمار. وفي ديسمبر 2021، أشار المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف، إلى تقديرات بقيمة 800 مليار دولار ككلفة لإعادة الإعمار. وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية، قد قدّر التكلفة بـ 900 مليار دولار. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة