مع اتجاه دول الاتحاد الأوروبي إلى تخفيف وطأة العقوبات على سوريا والتي تم فرضها في ظل واقع النظام السابق بينما كان يقود بشار الأسد حربا عنيفة ضد الحراك المدني منذ عام 2011، فإن مناقشة الأوروبيين في بروكسل، للمسألة لها أبعاد متفاوتة.

إذ إن الاجتماع حول “خريطة طريق”، الذي انعقد أمس الاثنين، بخصوص تخفيف العقوبات لا يبدو شاملا، الأمر الذي يعكس سياسة حذرة، بعضها يتصل بما هو سياسي إقليمي ودولي، والآخر محلي، أي أن المجتمع الدولي بصدد متابعة سلوك الإدارة السياسية الجديدة، ومدى تجانس السياسات التي يقودها أحمد الشرع مع ثوابت ومصالح الأمن الإقليمي والدولي، وأن تتحرر دمشق من وصايا خارجية، لا سيما التواجد الروسي والمصالح العضوية التي ربطت البلدين على مدار عقود.

سوريا.. لا شراكة تبعية لروسيا

وليس ثمة شك، أن موسكو عمدت إلى تأزيم الوضع في سوريا كما في عدة مناطق أخرى، منها ليبيا، بل وعسكرة الصراع الذي تسبب في إطالة أمد الصراع، بما كبد الغرب والولايات المتحدة خسائر جمّة، وأضر بمصالحها الحيوية والاستراتيجية.

منظر عام للميناء التجاري لمدينة طرطوس الساحلية السورية 14 ديسمبر 2024- “رويترز”

بالتالي، أوضحت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، أن هناك ميلا لتخفيف العقوبات على سوريا منذ الإطاحة بـ”الأسد”، غير أن ذلك سيكون تدريجيا، فضلا عن ارتهان الأمر بالكلية بما وصفه بالمستجدات في الساحة السورية.

وأكدت كالاس أن العقوبات التي طاولت الأسلحة لن تمس بأي تعديل أو تخفف في الوقت الراهن.

من ثم، فإن التكتل يعمل وفق منطق تدريجي ويتحوط في سياساته لجهة مراقبة السياسات في دمشق مع الإدارة الجديدة، وبقدر ما تنجح الأخيرة في الانفكاك من الروابط والتعقيدات التي ارتسمت في نظام الأسد، فسيترتب على ذلك المزيد من الانفراجة بتخفيف العقوبات، وفتح أفق جديد، يوسع من الاستثمارات والقبول بشراكة مستدامة مع المجتمع الدولي. 

ويتطلب ذلك سياسة سورية مرنة، تضع المصالح السورية في قمة أولوياتها، عبر تنويع شراكاتها الخارجية ولا تكون الشراكة تبعية كما في حالة العلاقة مع موسكو بالسابق، فتحولت البلاد إلى منصة لشن هجمات وتهديد مصالح ووسيلة للضغط وتحقيق تفاوض كما حدث في الحرب الروسية الأوكرانية وضاعف من الأثمان الهائلة التي تكبدتها سوريا لصالح حليفتها.

كما يجب أن تكون الحكومة الجديدة في دمشق إلى جانب رغبات الشعب السوري، الذي هو نفسه رافض لفكرة وجود علاقة مع روسيا، التي هي من أنقذت نظام الأسد من السقوط في عام 2015، فضلا عن كون موسكو دمرت أجزاء واسعة من الأراضي السورية، وتحديدا البنى التحتية والمرافق الحيوية، بجانب سقوط آلاف الضحايا، وبالتالي يجب أن نتساءل اليوم، لماذا الحكومة في سوريا اليوم لا تتخذ موقفا مماثلا لما اتخذته من إيران، التي فعلت نفس الشيء الذي فعلته روسيا بالشعب السوري.

وفد روسي في دمشق

إلى ذلك، ثمن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بخطوة الاتحاد الأوروبي، وقال: “نتطلع أن ينعكس قرار الاتحاد الأوروبي على حياة شعبنا”. 

إذاً، تقع سوريا في دائرة الاهتمام الأوروبي، وتجذب حولها نشاطا وحراكا دوليا لافتا، وثمة حرص لإحداث انفراجة، غير أن ذلك سيظل مرتبطا بحجم الاستجابة من قبل الإدارة السورية للسياسات التي تحقق ثقة المجتمع الدولي، عبر ممارسات عملية وسياسات واقعية تلامس نتائجها الحقائق بإصلاحات شاملة، سياسية وحقوقية وفي علاقاتها الخارجية، مثل تأمين عملية انتقال سياسي سلمي، وإنهاء أي تواجد خارجي على الأرض السورية يزعزع الاستقرار، وضمان حقوق الأقليات والحريات العامة. 

في غضون ذلك، حضر وفد روسي للمرة الأولى إلى دمشق منذ الإطاحة بـ”الأسد”، يشمل نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، ومبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف. 

أحد أفراد الشرطة العسكرية الروسية قرب الجولان السوري المحتل- “أرشيفية – أ.ف.ب”

فيما سبق لروسيا أن أشارت إلى مفاوضات جارية مع إدارة أحمد الشرع، خاصة مع ملفات تبدو استراتيجية، تتصل بالتواجد العسكري الروسي وقواعدها في غرب سوريا، فهناك قاعدة جوية في حميميم وأخرى في طرطوس البحرية. 

وهي ملفات بحاجة إلى حسم لن يكون سهلا أو سريعا في كافة الأحوال، وبحاجة إلى إرادة سياسية لأخذ موقف تام ونهائي بصدده. ومن ثم، تحديد شكل العلاقة مع موسكو تكون قائمة على التعاون والمصالح المشتركة، بخلاف ما كان واقعا في السابق، وأن ينتهي الفضاء السوري كمجال حيوي لإدارة المصالح الروسية على حساب دمشق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة