رغم الإعلان عن خطاب “النصر” الذي ألقاه أحمد الشرع، أمس الأربعاء، وما رافقه من ترقب في الأوساط السورية، إلا أن عملية الإخراج التي بدأت بغياب البث في التلفزيون والإعلام كما في تغييب التنوع ضمن الممثلين بما يعبر عن الأجسام السياسية والاجتماعية المختلفة في سوريا، تسبب في موجة إحباط وامتعاض فضلا عن السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي. 

إذ إن الخطاب الذي يفترض أنه بحجم تحول شهدته سوريا بعد حراك منذ عام 2011 وفرار بشار الأسد قبل نحو شهرين تقريبا، غلبت على مخرجاته الضعيفة من دون إدارة إعلامية شفافة، فضلا عن التنصيب لرئاسة سوريا في “مرحلة انتقالية” من دون حضور يعكس التوافق مع شركاء الثورة، أجواء تؤشر إلى احتمالات في الانفراد بالسلطة وربما إقصاء الآخرين، لا سيما أنه قد سبق ذلك الإعلان عن تأجيل عقد المؤتمر الوطني.

ربما، كان يمكن للشرع أن يجعل من خطابه وضعا أفضل وصورة مثلى تتناسب مع الحدث السياسي، في ظل ذاكرة السوريين المتخمة بالاستبداد وحكم الفرد والحزب، وهضم حقوق الكل لحساب النمط الشمولي، وذلك بأن يكون للإعلام أو القوى السياسية والمجتمعية دورا تشاركيا في إنجاز هذا التنصيب، عوضا عن منح ذاته استحقاقات كلية ومن دون تفويض له أسس وشرعية شعبية أو دستورية وقانونية. 

وثمة سيناريوهات عديدة لتمثيل المرحلة الانتقالية خارج الشكل الذي انتهت إليه المآلات أمس الأربعاء، بما يعبر عن إدارة ديمقراطية وسياسية، مثل مجلس رئاسي أو حتى تنصيب شخص لكن عبر حوار وتوافق وقنوات شرعية. غير أن الإعلان أو البيان “التاريخي” الذي كان ينتظره السوريون، خطاب “النصر” وسقوط نظام “آل الأسد”، لم يُبث مباشرة على شاشات التلفزيون، لا الرسمية المحلية ولا العربية والأجنبية. بل تم تغطيته بشكل خجول ضمن غرف تطبيق “التليغرام”، ما أثار حالة من الجدل والسخرية بين السوريين. فضلا عن الحضور الذي اشتمل على شخصيات جلها من الفصائل العسكرية بخلفياتها الإسلامية.

الشرع والخطاب “المؤسف”

اللحظة “التاريخية”، ومنذ 50 عاما لم تحدث في سوريا. فشلت وسائل الإعلام السورية الرسمية في نقل المؤتمر الأهم الذي انتظره السوريون منذ سقوط “الأسد”. وهذا ما اعتبره البعض أن الخطاب الإعلامي السوري في عهد النظام السابق بدا وكأنه سيبقى كما كان ولن يتغير، خاصة بعد ما قال الصحفي محمد الفيصل، المتحدث المؤقت باسم الحكومة السورية، خلال “مؤتمر النصر” الذي أقيم في العاصمة دمشق: “الإعلاميون السوريون سهم في كنانة القيادة السورية التي نعتز بها”.

انتظر السوريون “خطاب النصر” بحماس كبير. ولعل هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك في تاريخ سوريا الحديث. كما كانوا يأملون أن يرقى الخطاب إلى مستوى التضحيات التي قدمها الشعب السوري خلال السنوات الـ13 الماضية، لكن آمالهم خابت بعد أن تم الخطاب بهذا الشكل، ومن دون بث مباشر.

وخلال “مؤتمر النصر”، أعلن المتحدث باسم “إدارة العمليات العسكرية”، مساء أمس الأربعاء، تنصيب أحمد الشرع، رئيسا رسميا لـ”المرحلة الانتقالية” في سوريا.

كذلك، أعلن، وفق قوله، حل الجيش السوري وإعادة بناء قوات مسلحة “على أسس وطنية”، بجانب إلغاء العمل بدستور سنة 2012، وإيقاف العمل بجميع القوانين الاستثنائية.

كما وقال حسن عبد الغني، باتخاذ الإدارة السورية الجديدة قرارا بحل جميع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام البائد “بفروعها وتسمياتها المختلفة”، بجانب حل “جميع الميلشيات التي أنشأها، وتشكيل مؤسسة أمنية جديدة تحفظ أمن المواطنين”.

وتقرر خلال “مؤتمر النصر” حل كافة الفصائل العسكرية، والأجسام الثورية السياسية والمدنية، على أن “يتم دمجها في مؤسسات الدولة”.

إضافة إلى حل “مجلس الشعب السوري” المشكل في عهد الأسد، واللجان المنبثقة عنه، مع حل “حزب البعث العربي الاشتراكي”، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، والمنظمات والمؤسسات واللجان التابعة له. وعليه، يحظر إعادة تشكيلها تحت أي مسمى آخر. وضم جميع أصول الأحزاب المذكورة التي تم حلها إلى الدولة السورية.

بالتالي، كان هناك كم هائل من الانتقادات الموجهة إلى “خطاب النصر” بالعموم، واعتبره البعض خطابا “مؤسفا” ولا يليق بتضحيات الشعب السوري. ورغم ذلك، كانت هناك فئة قليلة لم تعترض، بل لم تهتم بطريقة تنصيب الشرع رئيسا انتقاليا لسوريا، ولا بالقرارات التي اتخذها المؤتمر.

انتقادات واسعة

الانتقادات التي وجهت لـ”مؤتمر النصر” من الوسط السوري، كانت واسعة ومتفاوتة. وقال بعضهم إن الشعب السوري يستحق خطابا يليق بتضحياته، خطابا واضحا ومباشرا يتضمن تفاصيل المرحلة المقبلة والعدالة الانتقالية على وجه الخصوص.

الخطاب لم يكن كافيا، وكان من الممكن أن يتم التنصيب بطريقة مختلفة، وفق آراء من الشارع السوري. ولذلك يأملون أن يتم تصحيح هذا الخطأ بخطاب مساء اليوم الخميس، الذي سيلقيه الرئيس المؤقت أحمد الشرع للشعب السوري، وأن يبث على التلفزيون السوري الرسمي.

ويبدو أن خطاب الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع اليوم، والموجه للشعب السوري، جاء بعد كل هذه الضغوط والانتقادات من الشارع السوري.

وتعليقا على “مؤتمر النصر”، كتب الدكتور كرم شعار، وزميل بارز في معهد “نيو لاينز” للأبحاث، عبر حسابه الشخصي على منصة “فيسبوك“، :”ممكن حدا يلخصلي الجديد بهالخطاب؟ اللي متفائل بمستقبل سوريا بتمنى يفهمني ليش. بالعادة بعد سقوط أنظمة الحكم، التفاؤل عند البعض بيكون مبني على تصديق الوعود الإيجابية اللي بمعظم الحالات ما بيتم تنفيذها وبيثبت الزمن أنها كانت لشراء الوقت والتمترس. نحنا بحالتنا ما عاد في وعود إيجابية من أساسه!”.

كما وكتب في منشور آخر، “برأيي، قول أحمد الشرع بأن (النصر تكليف بحد ذاته) طريقة ملطفة لمقولة (من يحرر يقرر). إلى حين رؤية خطة زمنية واضحة منه للتعددية السياسية، الحرية، والمساواة، رح أضل متوجس ولو كنت متمني أكون غلطان… على أمل أنو خطاب البارحة كان للفصائل فقط يليه خطاب آخر إلنا نحنا، الشعب: “بتوع الأجمل والطريق الصعب… بتوع الضرب ببوز الجزمة وسن الكعب” على قولة الخال الأبنودي”.

وأوضح الخبير الاقتصادي السوري أنه “مع أن يكون أحمد الشرع هو رئيس الفترة الانتقالية وأن هذا من حقه والخيار الأكثر منطقية، لأنه الأقوى ولعب الدور الأهم في العملية العسكرية الأخيرة للإطاحة بالأسد. في رأيي، من حقه أيضا، مثل الآخرين، أن يكون لاعبا سياسيا”.

لكن المطلوب اليوم، بحسب كرم شعار، هو “عدم تحييد بقية السوريين وقيادة البلاد بشفافية نحو دولة تلبي تطلعات العدالة والحرية والتعددية، وحينها أنا أول المستعدين لدعم الحكومة الانتقالية خلال هذه الفترة الصعبة. وهذا واجب الجميع”.

واللافت أنه شهد اليوم اعتصاما في محافظة السويداء جنوبي سوريا، للتعبير عن رفضهم ومعارضتهم لانتخاب أحمد الشرع رئيسا لسوريا.

خطاب “تليغرامي”!

سخر الكثير من السوريين من “مؤتمر النصر”، أو “خطاب النصر”، لأنه لم يُعرض على أي شاشات تلفزيونية، بل تم بثه عبر غرف “التليغرام”، ومن ثم تم نشر فيديو الخطاب، بعد أن أنتجته وسائل الإعلام التابعة للإدارة في دمشق.

فكتب أحدهم: “عنجد كل هل (هؤلاء) المذيعين والمحللين على الإعلام القطري، ما حدا تشجع يقول ولو تلميحاً انه في شي هزيل وغير مقنع بكل طريقة إدارة موضوع الخطاب والمخرجات الرئيسية المنبثقة عنه؟ يا اخي مو كرمالنا نحن المتوجسين خلقة، مشان جمهوركم العريض!”.

فيما سماه البعض الآخر، “أول تلغراموقراطيّة في التاريخ”، “نمون عالقيادة الخطاب الجاية يكون ريكوردات واتساب لنستعمل خاصة الـ x1.5 وما نتعطل هالتعطيلة؟”، “شعار الدولة الجديد: اشترك بقناتنا ليصلك كل خطاب جديد”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة