شهدت منذ منتصف شهر آذار/مارس الفائت المواقع الحوثية ضرباتٍ وغاراتٍ أميركية متتالية، استهدفت هذه الضربات والغارات قيادات “الحوثيين” ومخازن الأسلحة وبعض مواقع الترسانة العسكرية. ومع تمكن الضربات والغارات الأميركية من تحقيق أهدافها، صاحبت هذا التمكن العديد من التكهنات التي تُشير إلى أن جماعة “الحوثي” أصبحت الآن مخترقة من قِبل الأميركيين، كما كان الحال سابقاً مع “الموساد” الإسرائيلي.

فعلى الرغم من أن الجماعات المسلحة بشكل عام تتميز بانغلاقها على نفسها وعلى تكوينها الداخلي، فإن هذا لا ينفي حدوث عمليات اختراق، وخاصةً أن جماعة “الحوثي” تواجه عداءً داخلياً من بعض اليمنيين نظراً لممارستها أعمالاً وحشية ضد الشعب اليمني وسيطرتها على السلطة الشرعية في البلاد.

منذ ما يقرب من عام، تعيش جماعة “الحوثي” أزمات داخلية متلاحقة، متمثلة إما في صراعات داخلية بين هياكل الجماعة على النفوذ السياسي والمالي، أو في حدوث اختراقات متعددة من داخل صفوف الجماعة أو من القيادات الأولى، أو حتى من بعض العناصر التابعة لها. ومع بداية القصف الأميركي الدقيق لمواقع عسكرية، عاد الحديث مرةً أخرى عن الاختراقات الداخلية لجماعة “الحوثي”.

التحذير من كتائب “العائدين”

بحسب صحيفة “المشهد اليمني”، حذّرت ميليشيا “الحوثي” من ما تُسمّى كتائب “العائدين” إلى صنعاء، متّهِمةً إياهم بالعمل لصالح حرس الجمهورية، التي يقودها عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح. وقالت مصادر إن القيادات الحوثية الميدانية تلقت تحذيرات من جهاز الأمن والمخابرات – والذي تم دمجه من خلال ثلاثة أجهزة: الأمن السياسي، والأمن الوقائي، والأمن القومي في إطار جهاز واحد – بعدم الثقة في كتائب “العائدين” من جبهات القتال في الساحل الغربي، والذين أعلنوا الانضمام لـ “الحوثيين” والانفصال عن حرس الجمهورية.

“الحوثيون” أصدروا توجيهات بحصر مهام “العائدين” في التحرك في الأماكن العامة وعدم اطلاعهم على تحركات القيادات العليا، وسط شكوكٍ بضلوعهم بالتواصل خارجيا بعد استهداف مواقع عسكرية حوثية ومقرات سرية للجماعة من قبل الطيران الأميركي. 

ليس ذلك فحسب، بل إنّ الحوثيين رفعوا في وقت سابق أرقام هواتف عناصر كتائب “العائدين”، وخاصة القيادات الكبيرة، وتمّ رفع تفاصيل اتصالاتهم وسط اتهامات بالعمل لصالح العميد طارق محمد عبد الله صالح. خلال الآونة الأخيرة، أوقَفت ميليشيا “الحوثي” عددًا من القيادات العليا، الذين كانوا على تواصل ومعرفة بالأماكن المستهدفة، والتي طالت منازل السهيلي والجنيد وشرف الدين وغيرها من منازل القيادات الحُوثية العليا.

جماعة “الحوثي” تمر حالياً في حالة من التوتر الداخلي وخوفٍ من الاختراق، خاصةً بعد سلسلة الاغتيالات التي شملت قيادات “حزب الله” في لبنان – وعلى رأسهم حسن نصرالله – وقبله إسماعيل هنية في طهران، إضافةً إلى الاغتيالات المستمرة في قيادات “حماس”. 

الإعلامي اليمني، سلمان المقرمي، في حديثه مع “الحل نت”، علق قائلاً: “ميليشيا الحوثي بطبيعتها، كجماعة مغلقة تمارس السياسة بالعنف، تخشى كل غريب وحتى من أعضائها وعناصرها. لديها ما لا يقل عن ستة أجهزة مخابراتية، والحقيقة أن كل عنصر فيها مخابرات”. 

بحسب المقرمي، اختفى الكثير من عناصرها مؤخرًا عن الظهور في الأماكن العامة أو في مقرات العمل، وفق شهود في صنعاء ومتعاملين معها، بمن فيهم صغار القادة. وتخشى الميليشيا من أي اختراقات، وتدرك أن لطَارق صالح حليفها السابق وعدوها حالياً، وسائر عناصر الجيش والأمن السابقين، إمكانية تحولهم ضدها، مما قد يُثِير نوعاً من الضربات التي تشنها الولايات المتحدة على مخازن ومواقع واتصالات عسكرية حوثية خشية وجود جواسيس”.

وأضاف الإعلامي اليمني: “ولا ننسى أن جلال الرويشان، نائب رئيس حكومة الحوثي غير المعترف بها، كان رئيس جهاز المخابرات قبل سقوط صنعاء. وبالتالي، هناك مبررات كثيرة تجعل ميليشيا الحوثي تخشى من معظم الناس لاختراقها، خاصةً الذين كانوا مرتبطين بصالح في السنوات الماضية. فقد كانت ميليشيا الحوثي تدعو عناصر المقاومة والموالين للحكومة للعودة إليها، وقبل الهدنة عاد عدد منهم للعمل معها كعساكر وجنود؛ والآن تخشى ميليشيا الحوثي منهم ومن غيرهم، حيث شملت حملة التحريض كل المناصرين لحزب الإصلاح أو المشتبه بهم منهم، وكما امتدت لتشمل كل أبناء تعز في صنعاء والمحافظات التي يسيطرون عليها”.

كتائب العائدين: من هم؟

وفي حديثه مع “الحل نت”، سُئل الدكتور يوسف مرعي، الباحث المختص في الشأن اليمني والروسي، عن “كتائب العائدين” في اليمن، فقال:

“هي مجموعة من الضباط الذين أعلنوا انضمامهم لتشكيل حرس الجمهورية بقيادة طارق صالح، وهو التشكيل الذي أشهره الأخير بعد مقتل عمه، الرئيس السابق علي عبدالله صالح، على يد الحوثيين، وانهيار تحالفه معهم في عام 2017 فور الإعلان عن هذا التشكيل. وقد انضم العديد من الضباط الذين كانوا ضمن التشكيلات العسكرية التابعة للرئيس السابق صالح وأبناء أخيه، مثل الحرس الجمهوري والقوات الخاصة. والتحق العديد من هؤلاء بتشكيل طارق صالح تحت دوافعٍ عدة قد يكون من بينها الثأر والمصلحة”.

فبين الحين والآخر، يُعلن من صنعاء عن لقاءات بين أعضاء المكتب السياسي لـ “الحوثيين” وقيادات عسكرية ربما التحقت بتشكيل طارق صالح؛ وقد أُطلق على هذه اللقاءات تسمية “لقاءات السائلة” كناية عن لقاءات محمد البخيتي مع هؤلاء، وتسجيلهم عبر فيديوهات (بسائلة صنعاء) يُعلنون فيها عودتهم إلى الصف الوطني الذي يمثله “الحوثيون” والدفاع عن السيادة، إلى جانب الشعارات التي يوظفها “الحوثيون” لصالحهم.

ورغم أن طارق صالح نفسه كان واحداً من قيادات الانقلاب على الدولة اليمنية في عام 2014 وتمكين “الحوثيين” من الاستيلاء على مؤسسات الدولة، يرى العديد من المراقبين أنه لولا مساعدة صالح لـ “الحوثيين”، لما استطاعوا دخول العاصمة صنعاء.

لكن طالما أن طارق صالح يعرف نفسه اليوم كقوة مناهضة لمشروع “الحوثيين”، فعليه استعادة الأراضي الكبيرة التي تم تسليمها لهم على طول سهل وساحل تهامة، بدعوى إعادة التموضع، عقب اتفاق “استوكهولم”.

واليوم، على الرغم من أن اتفاق “استوكهولم” يُعد غير شرعي، فقد تم إفراغه من مضمونه واحتال عليه من قبل “الحوثيين”؛ وبالتالي، توجد الكثير من المسوغات والفرص التي يمكن لطارق صالح الاستفادة منها لاستعادة ما تم تسليمه سابقاً، بل واستعادة ميناء الحديدة الاستراتيجي.

أما فيما يتعلق بمسألة عدم الثقة فيهم والحديث عن الاختراقات، فيمكن استغلال هذا الأمر كرادع لمن يفكر في العودة إلى صفوف “الحوثيين”، وفق حديث مرعي.

اختراقات جماعات “الحوثي”

بحسب شهود عيان في اليمن، فإن “الحوثيين” منذ مطلع عام 2024 اتخذوا جملةً من الاحترازات الأمنية؛ فقد أعادوا تحديث نظام اتصالاتهم الداخلية وآليات القيادة والسيطرة، وفرضوا مزيدًا من القيود على تحركات وأنشطة قادتهم، كما أعادوا تعبئة مقارهم ومخازن السلاح والأصول الاستراتيجية، على خلفية انخراطهم في العمليات الإيرانية التي تستهدف الملاحة العالمية في البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن تحت لافتة “نصرة غزة وفلسطين”.

نائب رئيس مجلس القيادة في اليمن طارق صالح - إنترنت
نائب رئيس مجلس القيادة في اليمن طارق صالح – إنترنت

يخشى “الحوثيون” مصير “حزب الله” والجماعات الإيرانية في سوريا وغزة، لكن مخاوفهم مستمرة في الاتساع منذ بدء القصف الأميركي الذي استهدف مقرات الجماعة منذ الشهر الماضي بهدف ردع استهدافها للسفن التجارية والعتاد البحري الأميركي؛ وتفاقمت المخاوف أكثر منذ بداية استهداف القيادات وشن هجمات واسعة ضدهم ردًا على استهدافهم للملاحة الدولية في البحر الأحمر.

فقد اتجهت الجماعة سابقًا إلى بناء منشآتٍ محصنة في الجبال الوعرة والبعيدة شمال البلاد، خصوصًا في محافظة الحدودية مع السعودية، وهي معقل الجماعة، حيث نقلت إليها قدراتها الاستراتيجية وزادت من إجراءات التخفي والقيود على أنشطتها، وبنت ملاذاتٍ آمنة لقيادة عملياتها؛ كما أعادت الانكماش داخل الإطار التنظيمي على حساب الواجهات العامة والهياكل الحكومية. 

وقد استطاعت الجماعة صقل خبراتها المتراكمة في التخفي منذ نشأتها كحركة متمردة، وخلال عمليات “عاصفة الحزم”. وبدافع الخوف من الاختراقات، عملوا على تغيير أماكن وجودهم في المناطق الجبلية الواسعة باستمرار، والانتقال بين السكان المدنيين والأحياء في العاصمة صنعاء والحواضر الكبيرة.

مع كل هذه الإجراءات الاحترازية، يظل الخوف من الاختراقات قائمًا، مدعومًا بمقتل العديد من القيادات الحوثية في الضربات والغارات الأميركية؛ ولا يمكن إغفال أن هذه المنظومة الأمنية الحوثية هي جزء من منظومة المحور الإيراني، التي تم اختراقها بسهولة. فمن غير المنطقي، وفقاً لما يحدث من ضربات أميركية، ألّا تكون هناك اختراقات داخلية في جماعة “الحوثي”. وما يعزز هذا هو أن الجماعة قامت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بحملة من الاعتقالات الواسعة داخل قياداتها، مما دفع بالعشرات من قادة الميليشيات الحوثية إلى الهروب من صنعاء، خوفًا من الاعتقال بتهم التجسس والعمالة لصالح إسرائيل.

“الحوثي” هدف مكشوف للغارات

مع تزايد المؤشرات على وجود اختراقات داخلية في جماعة “الحوثي”، شنت الولايات المتحدة غاراتٍ جويةٍ شبه يومية تحقق أهدافها على مواقع “الحوثيين” في اليمن. يرى المقرمي أن السبب في ذلك يرجع إلى أن الحوثي وجماعته أصبحا هدفًا مكشوفًا بكل ما لديهما من إمكانيات عسكرية. 

نائب رئيس مجلس القيادة في اليمن طارق صالح - إنترنت
نائب رئيس مجلس القيادة في اليمن طارق صالح – إنترنت

ويقول المقرمي: “تحولت جماعة الحوثي إلى جماعة سلطة؛ فهي تسعى إلى السلطة كهدف رئيس، كما أنها منذ بعد الهدنة وقبلها شعرت ميليشيا الحوثي بالانتصار، وظهرت العديد من قياداتها في مؤسسات حكومية خاصة أمنية وعسكرية؛ وبالتالي فهي معرضة للاختراق كالعديد من الجماعات الأخرى بسهولة لمن يعمل على ذلك”.

وأضاف المقرمي، أن ميليشيا “الحوثي” معرضة للاختراق من طريق المنظمات وشيوخ القبائل والعساكر والأمن والشركات ورجال المال والسياسيين وغيرهم؛ فهي جماعة حكم وسيطرة واستعراض فوق الناس، وتُدرك حجم الجرائم المرتكبة بحق السكان، ولذا رأينا حملات خطف مكثفة حتى في صعدة، معقلها الرئيسي، حيث تُشكُّك في كل الجهات والأشخاص.

ويعلق صالح أبو عوذل، رئيس مؤسسة “اليوم الثامن للإعلام والدراسات”، في حديثه مع “الحل نت”: “يدرك الحوثيون أن بيئتهم السياسية والعسكرية تجعلهم أهدافًا مثالية لاغتيالات من قبل خصومهم المحليين أو الإقليميين؛ فقد يخشون أن تُستخدم معهم استراتيجيات مشابهة لتلك التي نُفذت ضد قادة بارزين في الشرق الأوسط، من خلال استهدافهم بطائرات مسيرة أو صواريخ دقيقة، خاصة في ظل تقدم التكنولوجيا العسكرية. وهذا قد يعزز من احتمالية تنفيذ عمليات استخباراتية دقيقة تستهدف قيادات الصف الأول، مما يجعل التحرك الشخصي والمكوث في أماكن محصنة ضرورة لهم”.

وتابع أبو عوذل قائلاً: “يبدو أن أميركا كانت تعمل منذ وقت طويل على تحقيق اختراقات في صفوف الجماعة اليمنية، وقد بدأت العمليات فعليًا، وقد تم الحديث عن بنك أهداف يؤكد على عملية الاختراق. حتى أن الحوثيين أعلنوا فيما مضى أكثر من مرة عن ضبط خلايا تجسس، وهو ما يؤكد وجود الاختراق من قبل الحوثيين أنفسهم. وهذا الاختراق يعود بطبيعة الحال إلى بعض الانشقاقات في صفوف الجماعة والخلافات حول المكاسب المالية؛ فقد كان رئيس الحوثيين السابق، صالح الصماد، قد لقي حتفه نتيجة خلافات عاصفة داخل هرم القيادة للجماعة المسلحة”.

ويُستنتج أن الصراعات الداخلية في صفوف “الحوثيين” قد تعكس حالة من الانقسام والتفكك تُضعف قدرتهم على السيطرة، وتشير إلى مرحلة جديدة من الاضطراب في مناطق نفوذ الجماعة.

هذا ما يُرجِّم لنا ما ذهب إليه الأسبوع الماضي مسؤولٌ إيراني قائلاً: إن “الحوثيين لن يتمكنوا من البقاء وهم يعيشون أشهرهم أو حتى أيامهم الأخيرة، لذلك لا فائدة من إبقائهم على قائمتنا”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات