في وقت لا تزال فيه عدة قرى علوية في سهل الغاب وريف حماة تتعرض لاعتداءات ممنهجة شملت عمليات القتل الميداني والتهجير القسري، والاستيلاء على ممتلكات السكان من منازل وأراضٍ زراعية، برز تطور جديد يثير مخاوف جدية بشأن حدوث تغيير ديموغرافي ممنهج يستهدف هذه القرى.
فقد أقدم المدعو أبو جابر الخطّابي، أحد وجهاء بلدة خطّاب، على تغيير اسم قرية أرزة باسم “خطّاب الجديدة”، بعد تهجير سكانها من الطائفة العلوية، بحجة أنهم “من فلول النظام السابق”.
هذه الخطوة، التي تأتي في ظل تصاعد الخطاب الطائفي في المنطقة ضد أبناء الطائفة العلوية تحديدا، تُعدّ مؤشرا خطيرا على سعي بعض الشخصيات والقوى المحلية لترسيخ تغييرات ديموغرافية على الأرض، على خلفيات انتقامية وطائفية.
أرزة.. تغيير ديموغرافي
أبو جابر الخطّابي، أحد أبرز المحرضين ضد أبناء الطائفة العلوية، وذلك من خلال منشورات عديدة على حسابه الشخصي عبر منصة “فيسبوك”، دعا فيها بشكل مباشر إلى التطهير العرقي والإبادة بحق العلويين، واحتفى بالاستيلاء على قرية أرزة وتغيير اسمها إلى “خطّاب الجديدة”، بعد تهجير سكانها.
بحسب مصادر محلية، أبو جابر الخطّابي متهم بأنه المسؤولية المباشر عن مجزرة أرزة، التي وقعت في 7 آذار/مارس الماضي، حين اقتحمت مجموعة مسلّحة بقيادة الخطّابي من قرية خطاب، قرية أرزة، عقب موجة تحريض طائفي، وارتكبوا مجزرة راح ضحيتها ما يزيد عن 24 مدنيا، من الأطفال والشباب وكبار السن، أعقبها تهجير قسري لكل سكان القرية، وسرقة ممتلكاتهم، وإحراق عدد كبير من المنازل، طبقا للمصادر ذاتها.
ورغم ذلك، ما يزال الخطّابي حرا طليقا، بل ويواصل التهديد العلني لمنع أهالي القرية من العودة إلى منازلهم، في ظل صمت تام من السلطات في دمشق، وغياب أي خطوات نحو التحقيق أو المحاسبة، وفق ما أكدته مصادر محلية لـ”الحل نت”.
اليوم، وبحسب المصادر ذاتها، لا يزال أهالي أرزة مشرّدين، بلا مأوى أو تعويض، في وقت تتحول فيه قريتهم إلى رمز آخر من رموز الإفلات من العقاب والتغيير الديموغرافي القسري في سوريا ما بعد سقوط نظام بشار الأسد.
تغيير اسم قرية أرزة إلى “خطّاب الجديدة” أكده “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أيضا، وقال إن التجييش الطائفي في سوريا، يشكل خطرا حقيقيا على نسيج المجتمع وسلمه الأهلي، حيث يؤدي إلى تأجيج الانقسامات وفتح الباب أمام عمليات انتقامية مدمرة تعصف بالحياة المدنية.
وأكد “المرصد السوري” أن تحويل الهوية الطائفية إلى أداة للصراع والتحريض يسهم في خلق بيئة خصبة للعداوات المستمرة، مما يعرقل جهود بناء سلام مستدام قائم على العدل والمواطنة المتساوية.
كما أكد على أن الحاجة اليوم تكمن في وقفة جماعية لمواجهة هذه الحالات بصرامة والعمل على ترسيخ قيم الوحدة والتعايش السلمي بين جميع أبناء الوطن والاستناد على العدالة الانتقالية.
قتل وتهجير واستيلاء
وثّقت العديد من وسائل الإعلام والمنصاب الحقوقية الجرائم والانتهاكات التي وقعت وما زالت تقع بحق قرى علوية عديدة في سهل الغاب وريف حماة، ومناطق الساحل السوري. وفي هذا الصدد، وثّق موقع “الجمهورية نت” تسلسل الأحداث في هذه القرى التي تتعرض لاعتداءات ممنهجة، شملت عمليات قتل ميداني، وتهجير قسري، واستيلاء على منازل وأراضٍ زراعية.
وتكشف الأحداث التي نشرها الموقع، والذي يستعرض الشهادات والمعطيات عن موجة متواصلة من الانتهاكات، وجاء في التقرير: “تتعرض مجموعة من قرى العلويين في سهل الغاب وريف حماة الشمالي والشرقي لتهديداتٍ وجرائم ممنهجة، شملت حالات قتل متكررة بلغت ذروتها في 7 و8 آذار/مارس الماضي”.
شملت الجرائم أيضا تهجير السكان والاستيلاء على البيوت والأراضي والمنع من جني المحاصيل الزراعية. طالت الجرائم والتهديدات المتكررة قرى الربيعة ونهر البارد والمسحل والتوبة وعين الكروم وعناب ونبع الطيب والصفصافية والصارمية والعالمية وتل سكين وغيرها، لكن أعنف تلك الاعتداءات وقعت في أرزة شمال غرب مدينة حماة، وفي العزيزية شمالي سهل الغاب، طبقا للموقع ذاته.
تبعد أرزة عن مدينة حماة 7 كيلومترات، وشهدت في نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي مجزرةٍ راح ضحيتها 8 أشخاص، جرى إعدامهم من قبل عناصر لم نتمكن من تحديد الفصيل الذي ينتمون إليه. الأمر الخطير، فإن دعوات “تطهير القرية من العلويين” منذ ذلك الوقت لم تتوقف بعد، بل واستمرت حتى بلغت ذروتها في 6 من آذار/مارس، مع إعلان السلطات بدمشق للنفير العام وتصاعد دعوات الجهاد في المساجد والشوارع للتصدي لهجمات “فلول النظام السابق” في الساحل السوري.
في 7 آذار/مارس، اقتحمت أرزة مجموعات مسلّحة قادمة من قرية خطّاب التي تبعد 3 كم، وجرى اقتحام بيوت عديدة وسحب الرجال منها وإعدامهم ميدانيا، وبلغ عدد ضحايا المجزرة 26 شخصا بينهم امرأة.
لم يمنع الأمن العام دخول المجموعات المسلحة إلى القرية، وفق العديد من المصادر المحلية التي نُشرت على منصات التواصل الاجتماعي.
بحسب تقرير “الجمهورية نت”، تعرض 150 منزلا للنهب، واستولى عدد من أبناء قرية خطّاب على منازل فيها، مع دعوات لمصادر الأملاك فيها. كثيرون ممن عادوا لتفقد منازلهم وأرزاقهم لاحقا، وجدوا عائلاتٍ قد احتلتها.
وبحسب مصادر من قرية أرزة، تم التواصل مع الأمن العام لإخراج المستولين على البيوت، لكن ذلك لم يسفر عن نتيجة، ليصار لاحقا إلى إجراء “تسوية” بين صاحب المنزل والمستولي عليه، عبر كتابة عقد إيجار سنوي شكلي بينهما لدى الأمن العام بهدف إثبات ملكية العقار لاحقا.
الأمر لم يتوقف عند قرية أرزة فقط، فقد شهدت قرية العزيزية في سهل الغاب سيناريوا مشابها، حيث تلقى أهالي القرية تهديدات بإخلاء منازلهم من قبل أشخاص من قرية تمانعة الغاب المجاورة، مع هجمات متكررة على القرية وجرائم خطف وقتل وإطلاق نار عشوائي في القرية، طبقا لـ””الجمهورية نت”.
- الخطر الذي يتسلل مجدداً.. عن احتمالات عودة “داعش” إلى سوريا
- هيئتان لـ العدالة الانتقالية والمفقودين… ما المطلوب لضمان عمل مستقل؟
- “الليرة الجديدة”.. هل تنقذ الاقتصاد السوري أم تعمّق أزمته؟
- هل أصبحت سوريا مؤهلة لتلقي التمويلات الجديدة؟.. البنك الدولي يجيب
- وزير الدفاع يعلن دمج كافة الوحدات العسكرية.. ما دور بريطانيا بإعادة هيكلة الجيش؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
الأكثر قراءة

وسط ترقب لانفراجة من واشنطن.. “المركزي السوري” يخفض سعر الدولار مقابل الليرة

وسط اتهام للمقاتلين الأجانب.. الأمن العام يفتح تحقيقا في مقتل أربعة أشخاص باللاذقية

هل تنجح قرارات المركزي الأخيرة في إعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي السوري؟

هل تنتعش جيوب السوريين بعد رفع العقوبات الأميركية.. خبير يوضح

هل تبيع الحكومة الجديدة القطاع العام السوري كاملًا؟.. مستشار وزير الاقتصاد يجيب

نجوم سوريا يتفاعلون مع رفع العقوبات.. فرح وشكر من كل الأطراف!
المزيد من مقالات حول شرق أوسط

“لنرحم بعضنا قبل أن نطلب الرحمة من الآخرين”.. الهجري يعلق على رفع العقوبات

بعد رفع العقوبات.. الشرع يلقي خطاباً للسوريين

“رايتس ووتش”: فصائل سورية مسلحة تحتجز المدنيين وتواصل الابتزاز

سوريا: انتهاكات مستمرة وخاطفون يطالبون عائلة 130 ألف دولار للإفراج عن طفلها

“لا غناء ولا أمان”.. المداهمات الأمنية تهدد مطاعم دمشق القديمة

سلام يتفقد الحدود مع سوريا وفرنسا تسلّم لبنان خرائط لدعم ترسيم الحدود

استيلاء على منازل في حي عش الورور بدمشق تحت التهديد بالاعتقال والضرب
