في تطور دراماتيكي يعكس حالة الفوضى والتجاذبات التي تعصف بالمؤسسات الثقافية والفنية في سوريا، شهدت نقابة الفنانين السوريين، مطلع هذا الأسبوع، محاولة انقلاب على رئيسها، مازن الناطور، سرعان ما تبخرت أمام إصراره على البقاء في السلطة، مستندًا إلى دعم سياسي يجعله فوق إرادة زملائه.
قرارات أشعلت فتيل الأزمة!
بدأت فصول هذه الحكاية، ببيان صادر عن مجلس نقابة الفنانين في دمشق، وقعه نائب النقيب الفنان نور مهنا، يعلن فيه عن سحب الثقة من الناطور استنادًا إلى المادة 33 من القانون رقم 40 لعام 2019، والاتهامات كانت واضحة ومباشرة: “اتخاذ قرارات فردية، تهميش أعضاء المجلس، ومخالفة النظام الداخلي للنقابة”. هذه الخطوة جاءت بعد أيام قليلة من قرارات أخرى اتخذها الناطور وأثارت عاصفة من الجدل والاستياء في الأوساط الفنية.
أحد أبرز هذه القرارات كان فصل الممثلة سلاف فواخرجي من النقابة، وهو ما قال الناطور في قراره، إنه جاء على خلفية مواقفها السياسية التي “تنكر الجرائم الأسدية”. هذا القرار أثار حفيظة الكثيرين واعتبر تعديًا على حرية التعبير وتوظيفًا للنقابة في تصفية حسابات سياسية.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قام الناطور بمنح عضوية الشرف لعدد من الفنانين السوريين والعرب المعروفين بمواقفهم المعارضة للنظام السوري المخلوع، مثل أصالة نصري ومالك جندلي وأحمد القسيم، بالإضافة إلى الفنان اللبناني فضل شاكر الذي كان داعمًا لإرهاب سابقًا، وذلك “لدعمهم الثورة السورية”.
هذه الخطوة، وإن بدت في ظاهرها دعمًا لحرية التعبير، إلا أنها قوبلت بانتقادات من قبل البعض الذين اعتبروها استغلالًا لمنصب النقيب في الاصطفاف السياسي وتعميق الانقسام داخل الجسم الفني السوري.
تأييدًا لقرار سحب الثقة، عبّرت الفنانة السورية ميس حرب عبر حسابها على “فيسبوك”، عن استيائها من تهميش دور أعضاء المجلس وعدم اطلاعهم على قرارات النقيب إلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تمامًا كأي متابع عادي، وهذا يؤكد الصورة التي رسمها بيان سحب الثقة عن إدارة فردية ومتغطرسة لشؤون النقابة.
مازن الناطور باقٍ ويتمدّد!
لكن المفاجأة لم تتأخر، فبـ “رمشة عين” استعاد الناطور زمام المبادرة وأصدر بيانًا رسميًا باسمه كنقيب للفنانين، يعلن فيه رفضه القاطع لقرار سحب الثقة، مؤكدًا أنه “لا يستند إلى أي أساس قانوني”.
واستند الناطور في بيانه، إلى كونه معينًا في منصبه بقرار من رئاسة مجلس الوزراء، وفقًا للمادة 51 من القانون نفسه، معتبرًا أن الجهة الوحيدة المخولة بإنهاء تكليفه هي رئاسة الحكومة.

هذا التشبث بالسلطة، المستند إلى قرار سياسي، أثار موجة من السخرية في الأوساط الفنية والثقافية، خاصة بعد “عزله” المؤقت وعودته “منتصرًا” بفضل الدعم السياسي، وتحولت هذه العودة إلى مادة دسمة للتندر على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث وصفها البعض بـ “المهزلة” و”الفيلم الهزلي”.
النقيب.. صمت واحتفال!
تزداد الصورة قتامة عند تذكر مواقف أخرى للناطور تثير علامات استفهام حول موقفه تجاه الأحداث، ففي شهر مارس الماضي، وفي الوقت الذي كانت فيه مجازر مروعة تطال أبناء الطائفة العلوية في الساحل السوري، ظهر الناطور في صور وهو يوزع الحلوى ويحتفل باتفاق بين الإدارة الجديدة و “قسد”.
التصرف، الذي بدا للكثيرين احتفالًا بصفقة سياسية على حساب أرواح بشرية، قوبل بصدمة واستنكار واسعين، والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، ففي ذات الفترة التي شهدت أحداثًا دامية في الساحل، تعرضت الفنانة السورية نور علي في اللاذقية لإطلاق نار، وهو ما أثار قلقًا وخوفًا في الأوساط الفنية.
اللافت هنا، هو الصمت المطبق لنقيب الفنانين وعدم اتخاذه أي موقف علني أو دعم للفنانة التي تعرضت للخطر في مدينتها. هذا التجاهل لسلامة وأمن أحد أعضاء النقابة، في ظل ظروف أمنية متدهورة حينها، يطرح تساؤلات جدية حول أولويات هذه القيادة ودورها الحقيقي في حماية الفنانين.
استياء فني وتفرّد بالنقابة!
بالنظر إلى فترة ولاية الناطور، يجد المراقبون صعوبة في تلمس أي إنجاز حقيقي يخدم الفن السوري ويعمل على النهوض به بعد سنوات الحرب، بل إن التركيز انصب بشكل كبير على قرارات فردية ذات طابع سياسي أو شخصي، وتوزيع “ترقيات” وولاءات لمن يتماشى مع وجهة نظره، حتى لو كان ظاهره حق، لكنه بحسب البعض، “حق يراد له باطل”.
المخرج السوري الليث حجو، كان من أوائل الأصوات التي علّقت مطالبة باستقالة الناطور ومجلسه، واصفًا أداءهم بـ “الأخطاء في فترة زمنية قياسية، احتاجت النقابة السابقة إلى سنوات لارتكابها”، بينما وصف الفنان السوري، عابد فهد، القرارات الأخيرة للنقابة بأنها غير احترافية ومتسرعة، وهنا فإن محاولة سحب الثقة جاءت لتؤكد هذا الشعور بالاستياء من إدارة الناطور للنقابة.
تشير مصادر مطلعة، إلى تدخل حكومي لاحتواء هذا الصراع وتوجيه مجلس النقابة، مما يعزز الاعتقاد بأن بقاء الناطور في منصبه مدعوم بنفوذ سياسي، وهذا التدخل، بدلًا من أن يحل الأزمة، يزيد من حدة الاستياء، حيث وصلت حالة عدم الاستقرار، إلى تهديد أعضاء في مجلس النقابة بالانسحاب الجماعي، احتجاجًا على سياسة وقرارات نقيبها مازن الناطور.
في النهاية، يرى كثيرون، أن ما يحدث في نقابة الفنانين السوريين، ليس سوى انعكاس للفوضى العامة التي تعيشها البلاد، حيث تغيب المؤسسية الحقيقية ويحكم منطق الأمر الواقع، وأن الناطور بعيد عن قيم الديمقراطية والحرية التي كان يتغنى بها، بل يمارس الديكتاتورية التي كان ينتقدها في عهد نظام الأسد.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة
الأكثر قراءة

هجومان لـ”داعش” يستهدفان مواقع “قسد” بريف دير الزور في سوريا

هجوم حاد على ديمة بياعة بسبب إيحاءات وكلمات نابية: ما القصة؟

هبوط أسعار السيارات في سوريا.. عوامل تفسر أسباب تراجعها إلى ربع قيمتها

موفق طريف يلتقي قائد بالجيش الإسرائيلي.. وتصاعد في أشرفية صحنايا بسوريا

موجة غلاء تضرب أسعار الخضروات في الأسواق السورية.. متى يتوقف ارتفاع سعر البندورة؟

مصعب العلي: من ساحات الثورة إلى تحديات وزارة الصحة
المزيد من مقالات حول ثقافة

“حلوى على الدماء وصمت عن الرصاص”: الناطور من انتقاد الديكتاتورية إلى مُمارستها؟

صمت الأغنية ودمعة الشاشة.. الفن السوري يفقد سمر عبد العزيز

صبحي عطري: الوداع الأخير لـ “صديق النجوم”!

يوم المرأة.. سيرة مركّزة على ثلاث عراقيات متحدّيات

مسلسلات كوميدية مشتركة برمضان: هل نتجه لاندثار الكوميديا السورية؟

ابن أحبة وأخو أحبة.. للموسم الخامس تيم حسن فقدَ الكاريزما الدرامية بعد “الهيبة”؟

فروغ فرخزاد.. حاملة شعلة التمرد
