كشف تقرير حديث أن مطاعم دمشق القديمة، ولا سيما في منطقتي باب توما وباب شرقي، تواجه حملة مداهمات وتصعيد أمني غير مسبوق، تنفّذه عناصر تابعة للأمن العام و”وزارة الدفاع السورية”، وسط إجراءات مشددة تشمل منع الغناء وتقديم المشروبات الكحولية، ما أحدث حالة من الذعر بين الزبائن، وأدى إلى انخفاض كبير في الإقبال على هذه المطاعم، التي تُعد من أبرز معالم الحياة الاجتماعية والسياحية في العاصمة.

وأردف التقرير الذي نشره موقع “يورونيوز”، أن ثمة اتهامات بوجود مؤامرة ممنهجة لتصفية أصحاب المطاعم الأصليين وبيعها لمتنفذين متحدرين من إدلب.

مداهمات أمنية لمطاعم دمشق

ووفق إفادات عدد من أصحاب المطاعم لموقع “يورونيوز“، فإن هذه الحملة بدأت قبل نحو أسبوعين، وتتمثل في مضايقة الزبائن والعاملين، وإيقاف العروض الفنية المعتادة مساء كل خميس، والتدقيق على المشروبات المقدّمة، بما فيها تلك التي يجلبها الزبائن معهم.

مطعم في دمشق القديمة “باب توما” بدون زبائن بعد تعدي الأمن العام على مطاعم المنطقة 9 أيار/مايو 2025- “يورونيوز”

وما يثير القلق، بحسب مصادرالموقع، فإن هذه الحملة لا تبدو عشوائية، بل يُنظر إليها كجزء من سياسة ممنهجة لتضييق الخناق على أصحاب المطاعم الأصليين، ودفعهم نحو التخلّي عن ممتلكاتهم لصالح جهات متنفذة، في مشهد يعكس انتهاكا صارخا للحريات العامة والخاصة في البلاد، وتراجعا إضافيا لمساحة الترفيه والحياة المدنية في دمشق.

وكشف أحد أصحاب المطاعم في منطقة باب توما والقيمرية أن يوم الخميس الماضي، شهد دخولا مفاجئا وعنيفا لدورية أمنية ضخمة، مؤلفة من 38 عنصرا مدججين بالسلاح، إلى عدد من المطاعم.

وبحسب المصدر، قام عناصر الدورية بإيقاف عرض موسيقي كان يُعرض في أحد المطاعم، وصوروا الزبائن وهم يتناولون المشروبات الكحولية، رغم عدم وجود أي شكوى رسمية أو مخالفة قانونية تستوجب التدخل.

وأشار إلى أن بعض العناصر وجهوا تحذيرات مباشرة لأصحاب المطاعم، جاء فيها: “بعد فترة سنمنع بشكل كامل المشروب والحفلات نهائياً، وسيكون المكان مجرد مطعم للأكل وبدون موسيقى”، مع التلويح بعقوبات صارمة في حال مخالفة ما وُصف بـ”القرار غير الرسمي”.

حتما، هذه التحركات تُثير القلق من حملة تستهدف تجريف الحياة الاجتماعية والثقافية في دمشق، وسط اتهامات بأن الهدف الحقيقي هو إفراغ المدينة القديمة من تنوعها وتعدديتها، وتهيئة المناخ لسيطرة أطراف متنفذة على مواقع تجارية وسياحية حساسة.

إجراءات “غير معتادة”

بحسب شهادة لصاحب مطعم آخر لـ”يورونيوز”، فإن الأمر لم يكن كذلك سابقا، حين كانت “شرطة السياحة” هي الجهة المسؤولة عن تنظيم زيارات التفتيش. وكانت تلك الشرطة تدخل بلباس مدني، بدون سلاح، وتتصرف بأسلوب محترم ولبق عند وجود شكوى.

وتابع في حديثه: “اليوم تدخل عناصر مسلحة ومدججة بالأسلحة، يشتمون ويهددون ويرهبون بشكل مستفز جدا. هذا ليس تطبيقا للقانون، بل هو فرض لرؤية شرعية خاصة”.

وفي السابق كانت الإجراءات تقتصر على الإنذار أو الغرامة المالية، أو إغلاق المطعم لمدة قصيرة، وفي كل الأحوال كانت تتم بطريقة لبقة، طبقا لصاحب مطعم ثالث لذات الموقع.

لكن المسؤول الجديد، طبقا للمصادر ذاته، فهو مهندس من إدلب، يتهمه أصحاب المطاعم بأنه يعمل “جاسوسا للمحافظة” ولا يقوم بواجبه، بل يستغل موقعه لتحقيق أجندات أخرى.

وأكد جميع أصحاب المطاعم الذين تحدث إليهم “يورونيوز” أن هذه الحملة أثرت بشكل كبير على نسبة الإقبال والمداخيل، نتيجة خوف الزبائن من التواجد في هذه الأماكن العامة، خصوصا بعد مشاهد التصوير والتفتيش الاستفزازي والسؤال عن هوية المرافقين.

ووصف أصحاب المطاعم هذه الحملة بأنها “عمل ممنهج” يهدف إلى دفعهم لبيع مطاعمهم لمتنفذين يتحدرون من إدلب، والسعي لتغيير ديموغرافي مقصود في دمشق القديمة، التي تعتبر متنفسا لكل السوريين وليس فقط لأهل العاصمة.

وأكدوا أنه إذا لم يتدخل وزير السياحة لإيقاف هذه الانتهاكات، فإنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي، متوعّدين بأنهم قد يلجؤون إلى خطوات تصعيدية مثل الإضراب، خصوصا وأن هذه الإجراءات تهدد القطاع السياحي بأكمله، وخاصة في دمشق القديمة، التي تعد من أهم الوجهات السياحية للزوّار الأجانب.

حوادث سابقة

قبل نحو أسبوع، هاجم مسلحون، ملهى “الكروان” الليلي في منطقة الحجاز بالعاصمة السورية دمشق، مما أدى إلى مقتل راقصة وإصابة آخرين بجروح.

وبحسب مصادر محلية، فإن المنطقة شهدت استنفارا أمنيا مكثفا، في اعتداء هو الثاني من نوعه خلال 24 ساعة بعد حادثة ملهى “ليالي الشرق”.

ويُعدّ ملهى “الكروان” الليلي من الأماكن الشهيرة في دمشق، ويتمتع بتاريخ طويل في تقديم العروض والفعاليات الترفيهية، ويُعتبر وجهة سياحية في دمشق، حيث يجذب الزوار من داخل سوريا وخارجها.

فيما أثارت حادثة اقتحام ملهى “ليالي الشرق” الواقعة في ساحة المحافظة وسط دمشق، استياءً واسعا في الأوساط الشعبية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن قامت مجموعة مسلّحة باقتحام المكان، وأطلقت النار داخله، ودمّرت جزءا كبيرا من معداته، قبل أن تُجبر الزوّار على النزول إلى الأرض، واعتدوا بالضرب على عدد من الشبان والشابات.

المسلحون لم يكتفوا بالاعتداء، بل جرّدوا الضحايا من مصاغهم الذهبي وهواتفهم وأموالهم، إضافة إلى سرقة خزينة الملهى، في مشهد أثار تساؤلات حول دور الأجهزة الأمنية في حماية المواطنين، وتزايد المخاوف من تفلّت غير مسبوق في العاصمة، وفق تقارير صحفية.

الواقعة التي انتشر جزء منها عبر مواقع “السوشيال ميديا”، أظهرت كيف وقف عناصر مسلّحون يرتدون زيا عسكريا، وبدؤوا يضربون ويطلقون التهديدات بحق كل من يحاول الخروج من الملهى، مع تجاوزات لفظية طالت الحياة الشخصية للمواطنين.

ورغم حضور سبعة من عناصر الأمن إلى المكان، إلا أن هؤلاء اكتفوا بالمراقبة دون التدخل المباشر حرصا على عدم اندلاع اشتباكات عنيفة قد تودي بحياة الموجودين في الملهى، حسب إفادات الشهود. وبعد دقائق طلبوا دعم القوات الأمنية التي قامت بملاحقة عناصر الفصيل على الفور.

وبيّن أحد سكان منطقة ساحة المحافظة لـ”يورونيوز”- الذي طلب عدم ذكر اسمه خوفا من ملاحقة أمنية-، أن المنطقة معروفة تاريخيا باحتوائها على العديد من النوادي الليلية والمراكز الثقافية والترفيهية، وقال: “في منطقة ساحة المحافظة هناك ملاه موجودة منذ عقود. والملهى الذي تعرض للاقتحام مؤخرا، يوجد في مبنى فيه به ملهى آخر لم يتم الاعتداء عليه”.

وتابع قائلا: “على بعد أمتار فقط، يوجد فندق تابع للمحافظة يحتوي على ملاه ليلية أيضا، لكن اشتُرط عليها عدم تقديم المشروبات الروحية. هذا يدل على أن هناك تنظيما سابقا وتفاهما مع الجهات الرسمية”، وفق تعبيره.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات