منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر الجاري أقر مجلس الشعب بدمشق، مشروع قانون الموازنة العامة للدولة، والخاص بالسنة المالية 2022 لتبلغ 13 تريليون و325 مليار ليرة سورية، أي ما يقارب 5.3 مليار دولار بحسب سعر صرف البنك المركزي السوري المحدد بـ 2512 ليرة سورية لكل دولار أمريكي.

وتعتبر الموازنة العامة للدولة هي المرآة التي يمكن من خلالها أن يعكس التوجه المالي العام للدولة، ففيها تقدر إيرادات الدولة ومصروفاتها.

في سوريا وعلى مدى عقود سابقة، خلال فترة تولي الرئاسة من قبل حافظ الأسد وبعدها بشار الأسد، كانت الموازنة العامة للدولة يتم إقرارها من السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس الشعب، ومنذ عام 2011 وأصبحت أرقام الموازنة العامة مبالغ فيها ولا تعكس إلا حالة الانهيار الاقتصادي التي تعاني منها حكومة دمشق.

ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الرواتب

الخبير الاقتصادي سمير الطويل، قال خلال حديثه لـ “الحل نت” عن حقيقة الأرقام التي جاءت في الموازنة، بأن الموازنة العامة لحكومة دمشق ستحدث موجات تضخم في الاقتصاد السوري، كما ستخلق هوة كبيرة بين الرواتب والأجور والأسعار بشكل عام، حيث أن أرقام الموازنة للعام 2022 قد زادت بنسبة 57 بالمئة عن الموازنات السابقة.

ولفت الطويل إلى أن مثل هذه الموازنة ستضع دمشق أمام تشابكات مالية بين القطاعات المختلفة المشمولة بالموازنة، بسبب غياب الأرقام الإحصائية عن حجم الإنفاق الفعلي والبرامج المنفذة المتعلقة بالإنفاق بشكل دقيق من قبل الوزارات والمؤسسات التابعة للحكومة.

وبحسب مشروع قانون الموازنة فإن قيمة العجز في الموازنة قدرت بـ 4 تريليون و 118 مليار ليرة سورية، بحيث يتم تغطية العجز عن طريق طرح سندات خزينة بقيمة 600 مليار ليرة وموارد خارجية بقيمة 500 مليون ليرة، وما تبقى من العجز سيتم تغطيته عن طريق مصرف سوريا المركزي كاعتمادات مأخوذة من الاحتياطي لدى المصرف المركزي، وذلك بحسب ما صرح به وزير المالية، كنان ياغي.
وقد أرجعت الحكومة السورية عجز موازنة العام المقبل 2022 إلى تغير سعر الصرف، وزيادة كتلة الإنفاق العام وزيادة الرواتب والأجور، وإلى العجز الحاصل في الشركات والمؤسسات التابعة لحكومة دمشق.

اقتصاد منهك وعجز في عمليات التمويل

بنظرة واقعية فإن الاقتصاد السوري يعاني من عدة تداعيات تجعل حكومة دمشق غير قادرة على تطبيق ما جاء في الموازنة على أرض الواقع، فتراجع حدة المعارك وانخفاض تكلفة الآلة العسكرية لا يعني أن الحكومة يمكن أن تكون قد وصلت إلى مرحلة التعافي بل على العكس، فقد زادت حدة العقوبات الدولية عليه والعملة المحلية تعاني من انهيارات متلاحقة، والتهرب الضريبي هو الصفة العامة للمؤسسات والشركات مع انتشار الرشوة بشكل يصعب ضبطها، بالإضافة إلى أن البنى التحتية مدمرة، والبلاد تعاني من شح في المشتقات النفطية، مما يقف حائلا دون تحريك العجلة الصناعية والتجارية، فنحن أمام اقتصاد منهك الأركان والمقدرات.

فيما أشارت الدراسة التي أعدها “مركز جسور للدراسات” والتي تتعلق بأداء الاقتصاد السوري للعام 2022 إلى “أن المشاريع المعلن عنها في الموازنة لن يتم تنفيذ معظمها لعدم توافر المخصصات وقد نشهد عجزاً في قدرة النظام على دفع النفقات الجارية او تمويلاً من خلال طبع مزيد من النقود وبالتالي انخفاض في القيمة الشرائية بشكل كبير”.

واستخلصت الدراسة بأن حكومة دمشق “لن تستطيع جمع الموارد المعلنة عنها في موازنة 2021، وبالتالي سيرتفع العجز المعلن بشكل أكبر وقد يصل إلى 50 بالمئة”.

زيادة رواتب سبقها ارتفاع للأسعار

مؤخرا، نشرت وكالة الأنباء السورية مرسوما ينص على إضافة 30 بالمئة إلى الرواتب والأجور و25 بالمئة على رواتب المتقاعدين، كما تم رفع الحد الأدنى للأجور ليصبح 92970 ليرة سورية شهريا.

رغم التذمر الشعبي المتصاعد في مناطق سيطرة حكومة دمشق بسبب ارتفاع الأسعار، لا يبدو أن الحكومة تكترث للوضع المعيشي ونسب الفقر المتصاعدة، فقد جاءت زيادة الرواتب بعدما أقرت حكومة دمشق رفع أسعار المواد الأساسية كالخبز والسكر والأرز بنسبة مئة بالمئة، والبنزين بنسبة 20 بالمئة، والمازوت بنسبة 172 بالمئة، ويرى مراقبون في الشأن السوري أن مع كل زيادة في الرواتب تقرها دمشق يلحقها ارتفاع في أسعار المواد والمحروقات بشكل لا يتناسب مع زيادة الرواتب.

الجدير بالذكر أن 90 بالمئة من إجمالي عدد السكان في سوريا يقبع تحت خط الفقر، ويعاني السكان من أزمات تتعلق بالمياه والطاقة أيضا، ويضطر كثيراً منهم إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم، فقد جاء في التقرير الصادر من مجلس الأمن الدولي أواخر الشهر العاشر من العام الحالي 2021 أن السكان في سوريا في حالة فقر متزايد وأن الأمن الغذائي في سوريا في حالة تدهور مستمر.

رفع الدعم عن أكثر من نصف مليون مواطن

أقرت دمشق في مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الحالي قرارا يتضمن رفع الدعم عن أكثر من 800 ألف شخص خلال العام المقبل 2022، معللاً ذلك بأن هذا الإجراء جاء لتخفيف العبء على مالية الدولة.

وقد صرح وزير التجارة السوري أن حكومته ستواصل الدعم لمن يستحق، وأن هناك فئات لا تحتاج للدعم وأن الوزارة وضعت معايير جديدة للشرائح المستبعدة من الدعم، حيث شمل رفع الدعم سلع أساسية كالخبز والبنزين وسلع أخرى.

في هذا السياق يذكر أن الاقتصاد السوري المنكمش بنسبة تصل لأكثر من 60 بالمئة يعاني من نسب تضم مرتفعة جدا، وأن المواطن السوري يواجه ارتفاع عام للأسعار في السلع والخدمات نتيجة لتغير سعر الصرف وغياب الإنتاجية في سوريا بمختلف قطاعاتها وخاصة الزراعية والصناعية، والمواطن السوري يعتمد بشكل كامل على التحويلات الخارجية، لتأتي زيادة الضرائب ورفع الدعم عن المواد لتزيد من معاناته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.