على مدى السنوات الأربع الماضية، حاولت فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة، تحويل نفسها من حركة غير منظمة إلى قوة عسكرية وحاكمة محلية بحكم الواقع في شمال غرب سوريا. وهذا التحول تطلب من تركيا البحث عن مصادر تمويل غير الدعم الخارجي والجهات المانحة لها. وبالتالي، قامت هذه الفصائل بعملية استيلاء بطيئة ولكن ثابتة على الاقتصاد في شمال غرب سوريا، من الخدمات المالية، والنفط والغاز، وصولا إلى المعابر مع دمشق.

أمس الأربعاء، سمحت فرقة “السلطان مراد”، المنضوية في صفوف “الجيش الوطني”، بعبور شاحنتين تحملان مادة البرغل عن طريق معبر “أبو الزندين”، الفاصل بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة الجيش السوري في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، وذلك للمرة الأولى بعد سنوات من إغلاق المعبر.

رغم افتتاح المعبر لساعات ومن ثم إغلاقه بعد توترات في المنطقة، تشير التساؤلات حول أسباب ومعاني افتتاح معبر أبو الزندين، هل هو صراع نفوذ اقتصادي على المعابر بين الفصائل؟ أم أن هناك إيعاز تركي ورسائل مبطنة نحو دمشق؟

إعادة تأهيل؟

بين أهداف سياسية وتجارية، تباينت التحليلات حول افتتاح المعبر الفاصل بين الجيش السوري، و”الوطني” المدعوم من أنقرة، خصوصا بعد الإعلان الذي صدر عن قيادة الأخير يوم الجمعة الفائت، بتشكيل ما يسمى “مجلس ثوري موحد”، مدّعين أن ذلك بهدف توحيد كل من القيادة العسكرية، وإنهاء حالة الانقسام والاحتراب.

يقول الباحث والأكاديمي بالعلاقات الدولية، الدكتور علي بوركو، لـ”الحل نت”، إن تشجيع تركيا لتفعيل هذه المبادرة، وقبول قادة الفصائل خلال مدة قصيرة عليها يدل على أن الرؤية التركية بدأت تتبلور حول المصالحة السورية التركية، ودور الفصائل في هذا التقارب.

هذا التقارب غير المسبوق بعد عداوة مريرة، يوحي بنظر بوركو، أن أنقرة ذاهبة نحو تطويع الفصائل إلى أن تكون أكثر مرونة مع دمشق ورأب الصدع بين الجانبين، خصوصا وأن أفق الحل السياسي باتت شبه معدومة فيما يخص الملف السوري على المستوى الدولي.

برأي بوركو، هذه الأولويات رسمتها أنقرة لطمأنة دمشق، منذ افتتاح معبر “أبو الزندين”، بين مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي الخاضعين للإدارة التركية ومناطق سيطرة دمشق، ودخلت من خلاله عدة عمليات تبادل أسرى بين “الجيش الوطني”، والقوات النظامية، برعاية تركية روسية وتحت إشراف الأمم المتحدة، والصليب الأحمر الدولي.

الاقتصاد بوابة

الإيجابيات في فتح المعابر بين دمشق والمعارضة التي تدعمها تركيا لا تنكر وجود جوانب إيجابية، خصوصا وأن الاستفادة في التعامل المباشر يكون للطرفين، حيث يتعرضان لضغوط اقتصادية كبيرة، وفتح أي معبر في مصلحتهما.

من هذه الناحية، لا يستبعد بوركو، أن يكون إعادة فتح المعبر وإعادة إغلاقه، عائد لخلاف بين الفصائل بعد مباركة تركيا لإعادة دمجها ضمن كيان واحد، خصوصا أن المفاوضات بينها قُبيل الإعلان عن هذه المبادرة كانت على نقاط خلافيه أبرزها نسب العائدات الاقتصادية من المعابر.

فالتشكيل الجديد منذ بداية طرحه كان محط جدل وانقسام، إلا أن الجلسة الثانية كانت مختلفة إذ عاد قائد الفيلق الثاني، فهيم عيسى، فجأة بموقف إيجابي بعد مرور عدد من الجلسات التفاوضية حيث كان موقفه معطلا فيها، خصوصا على نسب العائدات الاقتصادية من المعابر، وأبدى موافقته في الجلسة التي سبقت الاتفاق الكامل على المبادرة”، موضحا أن النسب توزعت “30 في المئة للفيلق الأول و36 في المئة للفيلق الثاني و34 في المئة للفيلق الثالث”.

وعليه، يشير بوركو، إلى أن فتح المعابر يساهم في تعزيز قدرة الطرفين على تمويل عملياتهم من النقد الأجنبي، حيث يمكنهم الاستفادة من الدولار الأميركي في مناطق المعارضة بينما يتعامل بالليرة السورية في المناطق الواقعة تحت سيطرت دمشق.

الجدير ذكره، أن المشهد الفصائلي في الشمال السوري لم يتغير، إذ لا تزال العشرات من الفصائل تنشط خارج إطار هذا “الجيش”، الذي لا يملك سلطة القرار على الفصائل، وهذا برأي محللين، يقود نحو أن تكون الرؤية التركية الجديدة، هي إعادة تأهيل دمج هذه الفصائل مع دمشق من البوابة الاقتصادية بداية، لطمأنة الطرفين، ومن ثم الضغط نحو إعادة دمج الطرفين ولو بصورة غير مباشرة.

رسائل تركية؟

الافتتاح “الجزئي” لمعبر “أبو الزندين”، يرجّحه المحللون، أنه جاء بطلب أو موافقة تركية، لتسهيل التبادل التجاري بين مناطق سيطرة المعارضة ودمشق، خاصة البضائع التركية نتيجة التقارب التركي مع الحكومة السورية، إذ إن إعادة افتتاح المعابر بين الطرفين من أبرز المطالب الروسية.

معبر أبو الزندين بريف حلب

ويرى المحلل السياسي، سامر خليوي، خلال حديثه لموقع “الشرق”، أمس الأربعاء، أنه “قد يكون إعادة افتتاح المعبر رسالة لبعض الدول الأخرى وأميركا بأن تركيا قد غيرت من رؤيتها للوضع في سوريا، وأنها تكسر الحصار والعقوبات المفروضة على النظام بعيدا عن قرارات مجلس الأمن، وحتى دون شرط تحقيق حل سياسي كما تطالب معظم دول العالم”.

واعتبر خليوي، أن عودة المعبر للعمل، بمثابة رسالة من تركيا، إلى روسيا والرئيس السوري بشار الأسد، أن تركيا ماضية بالتقارب مع دمشق ليس استخباراتيا فقط، وإنما سياسيا وتجاريا.

الجدير ذكره، أن معبران تجاريان يصلان مناطق سيطرة فصائل “الجيش الوطني”، في الشمال مع مناطق سيطرة دمشق، الأول معبر “أبو الزندين” بين مدينة الباب بريف حلب الشرقي، في المنطقة الخاضعة للإدارة التركية، بينما يربط معبر ميزناز- معارة النعسان بين بلدة معارة النعسان بريف إدلب الشرقي، الواقعة تحت نفوذ “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا)، وبلدة ميزناز غربي حلب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.