بالرغم أن الإعلان الجديد لتشكيلات “الجيش الوطني” المعارض المدعوم من تركيا، اعتبره البعض استجابة لمبادرة محلية لتأسيس “مجلس قيادة عسكري موحد” في مناطق تواجدها في شمال غربي سوريا من أجل ضبط الخلافات الفصائلية على النفوذ، وعلى الموارد المالية المحدودة في هذه المناطق، إلا أن التحليلات والمؤشرات تلمح إلى عكس ذلك تماما.

القرار الذي أعلنته فصائل “الوطني” المدعومة من أنقرة حول توحيد نفسها تحت راية قيادة واحدة، لم توضح أسبابها المنطقية، وهذا يقود نحو سؤال رئيسي، فيما إذا كان هذا القرار بإيعاز تركي كون نفوذ تركيا على هذه الفصائل كامل وبكافة المفاصل. بمعنى أن تركيا تريد توحيد هذه الفصائل خلال هذه الفترة ليس من أجل فتح أي جبهة قتال؛ وإنما من أجل أن تنسق تركيا أوراق هذه الفصائل خلال هذه الفترة قبل تفكيكها خلال الفترة المقبلة عندما يحين الوقت بعد انتهاء مرحلة الاجتماعات الأمنية بين دمشق وأنقرة.

خطة مكررة

سبق المشروع الجديد، طرح العديد من الأطراف أيضا مبادرة مشابهة في شهر شباط/فبراير من هذا العام، إلا أن هذا المشروع تزامن مع الانعطافة التركية حول إعادة علاقاتها مع دمشق، وتواصلها الأمني المعلن مع الحكومة السورية بعد أكثر من عقد من العداء.

يقول المحلل العسكري، العقيد عبد الله حلاوة، أن إعادة تشكيل الفصائل تحت جسم واحد غير المعلن عنه منذ ثلاث سنوات “هو بالتأكيد إعادة لما حصل في جنوب سوريا، بعد أن توحدت جميع الفصائل تحت مسمى الجبهة الجنوبية بمبادرة الدول المشاركة في غرفة الموك سابقا، ومن ثم فرض على الفصائل إعادة المصالحة مع دمشق وموسكو”.

ويشير حلاوة، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن هنالك رؤية روسية منذ عام 2018، تنطلق من مبدأ التقريب بين الفصائل الموالية والمعارضة، من أجل آفاق المصالحة في سوريا الجديدة، وهذا ينطبق على ما يحصل الآن، خصوصا وأن مصالح ووجهات النظر بين دمشق وأنقرة وموسكو باتت قريبة ومتشابهة.

وبحسب حلاوة، فإنه غالبا ما تستلزم الرؤى للدول المنخرطة في سوريا ما بعد الحرب، إنشاء برامج نزع السلاح وإعادة الإدماج الموجهة نحو أعضاء الجماعات، وبالرغم أن تركيا حاولت سابقا ذلك عبر إنشاء “الجيش الوطني” إلا أن  العملية كانت بطيئة وهشة، ولكن الآن هي بصدد إدماج من يحقق هذه الرؤية، وإقصاء من يعارضها إما عن طريق النفي أو التحريض على الفصيل لإنهائه.

لا مشروع وطني

بعد عام 2020، شهد وفقا لحلاوة، سلسلة من التعديلات داخل “الجيش الوطني” المعارض وهو تحالف تدعمه تركيا من جماعات المعارضة المسلحة في شمال سوريا، ففي تموز/يوليو 2021، أعلنت “الجبهة الشامية” و”فرقة السلطان مراد” عن تشكيل ما يسمى بغرفة عمليات “عزم”.

يقول حلاوة، “صرحت المجموعات علنا أن هدف عزم هو تحسين التنسيق داخل الجيش الوطني، وكذلك قمع مهربي المخدرات وغيرهم من المجرمين في شمال حلب”.

مع ذلك، فإن تاريخ بناء التحالفات في المعارضة المسلحة بشكل عام، وفي الجيش الوطني المعارض بشكل خاص، يشير إلى أن التنافس الداخلي والحفاظ على الذات، كانا دافعين رئيسيين وراء تشكيل عزم

وطبقا لحديث حلاوة، فإن هذه الديناميكيات متعددة الأوجه تصطدم بالمخاوف التي أثارتها أصوات المعارضة مرارا وتكرارا يتعلق بـ”الجبهة الشامية ” التي لها تواصل خاص مع أعضاء في حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، والذي وججها نحو مشروع الهيمنة، و”أصبحت هذه الجماعة الإسلامية المعتدلة ذات الميول الإخوانية، المتمركزة في ريفي حلب وإدلب سريعة النمو، ولاعبا عسكريا واقتصاديا قويا، وهي الآن أرضية صالحة لأن تكون بداية المشروع التركي للمقاربة مع النظام السوري”.

مجلس قيادة موحدة؟

يوم الجمعة الفائت، أعلنت فصائل “الجيش الوطني” المعارض بمشاركة شخصيات سياسية، تشكيل ما يسمى “مجلس ثوري موحد”، مدعين أن ذلك بهدف توحيد كل من القيادة العسكرية وإنهاء حالة الانقسام والاحتراب، وإدارة الموارد الاقتصادية والحواجز والقوى الأمنية، والمكاتب القانونية والرقابة والعلاقات العامة، في حين كشف باحثون في مركز “جسور” للدراسات والذي يتخذ من اسطنبول مقررا له، أن “هناك تشجيعا من الجانب التركي لتفعيل هذه المبادرة”.

وجاء إعلان “المجلس” الجديد، على خلفية مبادرة أطلقها مدير إدارة التوجيه المعنوي بـ “الجيش الوطني”، حسن الدغيم، طُرحت لأول مرة عقب دخول “هيئة تحرير الشام” إلى جنديرس وعفرين بريف حلب الشمالي لدعم “حركة أحرار الشام” في حزيران/يونيو الماضي قبل انسحابها بوساطة تركية.

المبادرة، التي ستشمل الفيالق الثلاثة في الجيش الوطني الأول والثاني والثالث، تتضمن تشكيل مجلس قيادة عسكري موحد، وإدارة حواجز واحدة، وإدارة أمنية واحدة، وقوة مركزية موحدة، ومكتب قانوني، وهيئة رقابة، وهيئة عامة للشهداء، وإدارة اقتصادية واحدة، وسيضم المجلس 28 عضوا، مع 7 أعضاء مستقلين

ووفق ما تم تداوله عبر حسابات محلية على منصات التواصل الاجتماعي، فقد ضمت قائمة أسماء الأعضاء المستقلين كل من: عمر حذيفة رئيس “اللجنة الوطنية للإصلاح”، والمحامي محمد سلامة، وجواد أبو حطب الرئيس السابق لـ”الحكومة المؤقتة”، وحسن الدغيم الذي ترأس رئيس محكمة محافظة إدلب، والدكتور أحمد طعان رئيس جامعة “الشام العالمية” التي أثارت الجدل بعد عدم الاعتراف بالشهادات التي تصدرها، وعبد الله الشيباني، بينما لم يتم الإعلان عن الاسم السابع.

التشكيل الجديد منذ بداية طرحه كان محط جدل وانقسام، إلا أن الجلسة الثانية كانت مختلفة إذ عاد قائد الفيلق الثاني، فهيم عيسى، فجأة بموقف إيجابي بعد مرور عدد من الجلسات التفاوضية التي كان موقفه معطلا فيها، خصوصا على نسب العائدات الاقتصادية من المعابر، وأبدى موافقته في الجلسة التي سبقت الاتفاق الكامل على المبادرة”، موضحا أن النسب توزعت “30 في المئة للفيلق الأول و36 في المئة للفيلق الثاني و34 في المئة للفيلق الثالث”.

والأربعاء الفائت، أصدرت قيادة الفيلق الثاني في “الجيش الوطني” بيانا أعلنت فيه فصل كل من “فرقة سليمان شاه” (العمشات)، و”فرقة الحمزة” (الحمزات)، لعدم التزامهم بقرار الانضمام للجسم الجديد، الذي أعلن عنه قائد الفيلق الثاني فهيم عيسى، دون توضيح أي تفاصيل إضافية.

الجدير ذكره، أن المشهد الفصائلي في الشمال السوري لم يتغير، إذ لا تزال العشرات من الفصائل تنشط خارج إطار هذا “الجيش”، التي لا تملك سلطة القرار على الفصائل، وهذا برأي محللون يقود نحو أن تكون الرؤية التركية الجديدة هي إعادة مخطط ما حصل مع جنوب سوريا عام 2018.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.