تحولات متلاحقة سيطرت على المشهد في لبنان خلال الأيام القليلة الماضية، كان آخرها، قرار رئيس الوزراء اللبناني الأسبق ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري، عدم المشاركة نهائيا في الانتخابات النيابية المقبلة المقررة في شهر أيار/مايو، في أول غياب عن الساحة السياسية لتيار المستقبل منذ 1996.

العديد من الصحف العربية، سلطت الضوء على تداعيات قرار الحريري وما يمكن أن يترتب عليه من نتائج على المشهد السياسي اللبناني، في ظل تحديات داخلية وأزمات إقليمية كبيرة وغير مسبوقة.

صحيفة “النهار” اللبنانية، ذكرت عن مصادر في كتلة “المستقبل” النيابية، أن رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ قدم عرضا للمشهد السياسي بصورة عامة، متوقفا عند الآثار الكارثية التي حلّت بالوضع الاقتصادي والمالي، وجراء السياسات التي اتبعها العهد الحالي، وصولا إلى الاستحقاق الانتخابي.

مضيفة أن “الحريري أكد للمجتمعين بشكل واضح وصريح، أنه قرر عدم المشاركة نهائيا في الانتخابات لا هو شخصيا ولا تياره السياسي”، مشيرة إلى أن “بعض نواب الكتلة أعربوا عن رفضهم لهذا القرار، إن كان سيُتخذ، وبعضهم الآخر عبروا عن مخاوفهم منه، وأصروا على ضرورة بقاء الرئيس الحريري في هذا الاستحقاق. إلا أن الحريري أكد إصراره على هذا الأمر وهو نهائي ولا عودة عنه”.

وصارح الحريري الحاضرين في الاجتماع بأن “​تيار المستقبل​ لن يقدم أي مرشح لهذه الانتخابات، ولن يتبنى أي مرشح، وسمع أعضاء كتلته منه أنه حتى ولو أراد ممن هم أعضاء حاليا في الكتلة، أو ينتمون إلى تيار المستقبل، أن يترشحوا للانتخابات، فإن ترشيحهم على مسؤوليتهم ويكون باسمهم الشخصي وليس باسم التيار”.

أسباب عدم الترشح

الباحث السياسي اللبناني، فادي أحمر، يقول في حديثه لـ”الحل نت” إن “رغبة الحريري بعدم الترشح للانتخابات النيابية المقبلة، تعود لأسباب شخصية، قد تكون مالية أو بسبب علاقاته مع دول معينة، وأيضا هناك موقف من الواقع الداخلي، المعقد جدا ولم يكن لصالحه، وسببه “حزب الله”، لأن الحريري منذ وصوله إلى الحكم في 2009 كرئاسة أول حكومة له، قام الحزب بالتعاون مع حليفه ميشال عون بإسقاطها بعد 10 أشهر، من خلال استقالة أكثر من ثلث عدد الوزراء”.

ويشير أحمر إلى أن “حزب الله هو من يحكم البلد اليوم، وأنه من خلال السلاح الذي يملكه يعتبر المتحكم باللعبة السياسية، إلى جانب انخراطه في الصراعات الحاصلة في المنطقة، فأي رئيس حكومة قد يأتي، لن يمكنه ردع الحزب عن انخراطه بالصراعات وعودته إلى لبنان، وفصل تبعيته عن إيران، وعلى هذا النحو يحسبها الحريري في حال ترشحه وحصوله على رئاسة حكومة ثانية”.

ما تبعات انسحاب الحريري؟

وعن تداعيات قرار العزوف أوضح المتحدث، أن “له تبعات وتداعيات كثيرة على كافة الساحة اللبنانية، فبالنسبة للطائفة السنية التي ينتمي إليها الحريري، ستكون مشرذمة أكثر للطائفة، بخاصة إذا شمل قرار العزوف، عدم خوض تيار المستقبل في الانتخابات، وهنا لن يكون هناك تيار قائد للطائفة السنية في الانتخابات النيابية، مما سيؤدي لتضعضع كبير في الطائفة السنية، والمستفيد من ذلك هو “حزب الله” بشكل أساسي”.

ويضيف بالقول “إن المتضرر أيضا من تأثر الواقع السني، هم المسيحيين في لبنان، (حلفاء الحريري)، وتحديدا القوات اللبنانية بالدرجة الأولى، لأن السنة داعم قوي للتيار السياسي المسيحي”.

ويتابع سرده قائلا، إن “المتضرر الكبير من تأثر الواقع السني أيضا هو الواقع الدرزي، ونقصد هنا وليد جنبلاط بشكل أساسي، لأن ذلك سيؤثر عليه على المستوى الانتخابي”.

وشدد المتحدث على أن “التداعيات على الواقع المسيحي والدرزي ليس فقط في الانتخابات النيابية المقبلة، وإنما في الواقع السياسي، وتحديدا في مواجهة “حزب الله” لأنه لا يمكن لأي طرف منهما مواجهة الحزب سياسيا في الداخل، بدون إرادة سنية موحدة قوية إلى جانبهم”.

وبالتالي فإن “تداعيات قرار عزوف الحريري عن المشهد السياسي ستكون كبيرة على الواقع اللبناني، وأيضا حتى على العلاقات مع الدول العربية، لأنها ستسوء أكثر وبالتالي أي شخصية سنية، سوف تكون قوية لردع “حزب الله” والتواصل مع العالم العربي، وتحديدا مع دول الخليج”.

واختتم أحمر شهادته قائلا، “يوجد تخوف من غياب سعد الحريري أو تيار المستقبل كتيار سياسي عن الساحة اللبنانية، فذلك سيخلق فراغ سياسي، من الممكن أن تستفيد منه بعض التيارات الإسلامية السنية الأصولية، وهذا التخوف موجود لدى الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية أيضا، وتحديدا روسيا، وخاصة بعد اللقاء الأخير الذي جمع بين لافروف وجنبلاط قبل يومين، حيث تطرقوا للحديث عن هذه المسألة”.

من هم بدائل الحريري؟

يرى مراقبون للوضع في لبنان، أن قرار الحريري بعدم ترشحه للانتخابات المقبلة مقترن بعوامل عدة أبرزها، الأزمة المالية الحادة التي يعانيها، والتي تسببت بإغلاق بعض مؤسساته، وبالتالي لن تسمح له بتمويل حملته الانتخابية كما يجب، كما أن رغبته في خوض الاستحقاق بتحالفات لن تكون على مستوى تطلعاته، إلى جانب ابتعاد دعم المملكة العربية السعودية.

كما أن دخوله الانتخابات دون تحالفات سيلحق به وبتياره خسائر كبيرة، بالتزامن مع التراجع الكبير في شعبيته.

في غضون ذلك عادت بورصة طرح الأسماء البديلة عن الحريري في البازار الإعلامي للتداول، فقد ذكرت المعلومات أن بهاء الحريري، نجيب ميقاتي، فؤاد مخزومي، وفؤاد السنيورة، هذه الأسماء، يتم طرحها بجدية من قبل الصالونات الفاعلة في الملف الحكومي.

سيناريوهات

إن “تداعيات قرار الحريري ستكون مؤثرة على القوى السياسية الأخرى، بقدر تأثيرها على تيار المستقبل والطائفة السنية”، بحسب ما أفادت به صحيفة “الراي” الكويتية”، لافتة إلى أن خروج الحريري، سيجعل الطائفة السنية تنتظر زعامة جديدة قد لن تتكرر، في الوقت القريب.

وقالت الصحيفة إن خروج الحريري سيكون أثره على الشخصيات الطامحة في تيار المستقبل، وأولها من العائلة نفسها، بين النائبة بهية الحريري ونجلها أحمد الحريري بعد خروج مستشار الحريري السابق نادر الحريري من الضوء السياسي، وبين الرئيس فؤاد السنيورة ابن المدرسة الحريرية وصانع الكثير من مواقفها السياسية الحادة والصلبة تجاه حزب الله وعون وخصوصا بعد التسوية الرئاسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.