رغم تفكك نظام التعليم العالي في سوريا وعدم حصول مليون شاب في البلاد على التعليم بشكل مطلق، فإن حكومة دمشق، يتجه نظرها باهتمام نحو الشباب في أنظمتها التعليمية، كونهم يمثلون الإرث المتبقي.

لقد اتبع حافظ الأسد، والد بشار الذي حكم كرئيس للبلاد من العام 1971 إلى العام 2000، سياسة تجنيد الشباب وتلقينهم عقائد حزب البعث، والتركيز كان مماثلا في عهد خليفته وفق ما أفاد به تقرير لموقع “ناشيونال إنترست” الأميركي، وترجمه موقع “الحل نت”.

وبحسب تقريرين صادرين عن معهد “رصد السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي”، أحدهما صدر في العام 2001 والآخر في العام 2018، فإن استمرار نهج حافظ الأسد في المناهج الدراسية السورية كان واضحا خلال العشرين عاما الماضيين، و”شملت الموضوعات المشتركة في هذه المناهج معاداة السامية والإمبريالية، والمزيد من التعصب والتأكيد على صلاح واستقامة النظام الحاكم” وفق “ناشيونال إنترست”.

وفي الفترة التي سبقت العام 2011، كان على جميع الأطفال في المدارس دراسة مادة القومية، ولاحقا التربية الوطنية، التي تضمنت من بين العديد من الأمور الأخرى ترديد شعار “الأسد إلى الأبد، ويحيا البعث” قبل البدء باليوم الدراسي، كما يُعلّم منهاج مادة التربية القومية منطلقات حزب “البعث” وأمينه العام بالطبع بشار الأسد، ويشير إلى حافظ الأسد على أنه القائد الخالد للأمة.

بينما كان التعليم بشكل دائم إحدى أدوات حكومة دمشق، فقد أصبح سلاحا فعالا في خضم الحرب التي تجتاح البلاد منذ سنوات، ويوضح محمد مسعود، الخبير في الاستبداد في جامعة “ماساتشوستس” في بوسطن، بالتفصيل كيف بدأ الحزب بـ “اللجوء إلى الكتب المدرسية لمهاجمة منافسيه وعرض قوته، وإنكار الاتهامات الموجهة إليه بارتكابه انتهاكات حقوق الإنسان”، مستخدما التعليم كـ “جزء من عملية منهجية في حفاظه على السيطرة على البلاد” جنبا إلى جنب مع القبضة الأمنية والقوة العسكرية.

الفصول الدراسية أشبه بساحة معركة؟

انعكست أهمية التعليم منذ العام 2011 في محاولات القوى المتحاربة بتطويع نظام التعليم في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وعلى مدار العقد الماضي، تم تعليم الطلاب في سوريا مناهج مختلفة على نطاق واسع، اعتمادا على الجهة التي تحكم المنطقة التي يتلقون تعليمهم فيها. فهؤلاء المتواجدون في مناطق سيطرة حكومة دمشق يتلقون ما تلقاه هؤلاء الذين عاشوا في ظل نظام آل الأسد على مدى النصف قرن الماضي، لكن السلطة الحاكمة في دمشق ليست الحاكم الوحيد الذي يتبع العقيدة التربوية، فهؤلاء المتواجدون في الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة يتلقون مناهج تعليمية موازية، كما أن المناهج التعليمية التي فرضها تنظيم “داعش” استبدلت العلوم والرياضيات والمنطق بـ “التضحية والجهاد في سبيل الله”.

ومما لا يثير الدهشة هو سعي الجماعات المناهضة لحكومة دمشق، إلى التخلص من المناهج التي ترعاها حكومة دمشق فقط من أجل استبدالها بأشكال بديلة من التبشير الديني والسياسي.

في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم “داعش”، فقد حُرم الأطفال فرصة دراسة مواد مثل التاريخ والفنون والموسيقى، بسبب “الإفساد” الذي يُفترض أنها تتسبب بحدوثه، وفي شمال البلاد، وبدعم من الدوحة، قامت وزارة التربية والتعليم التابعة لـ “الحكومة السورية المؤقتة” بطباعة ملايين الكتب المدرسية المنقّحة والمؤيدة للمعارضة وتوزيعها في مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا.

وتُشكل مثل هذه السياسات ما يمكن تسميته قيود “إيجابية” من قبل الحكومات لتلقين عقيدتها لمواطنيها، إلا أن القيود “السلبية” تأتي تقريبا على ذات القدر من الأهمية، وهي ما لن يقوله الأكاديميون والطلاب أو ما لا يستطيعون قوله.
ولطالما كانت الرقابة الذاتية سمة من سمات الأنظمة الاستبدادية وسوريا لا تختلف عن ذلك. ومما لا يثير الدهشة أنها كانت واحدة من 23 دولة حصلت على تصنيف “E Status” على مؤشر الحرية الأكاديمية للعام 2020، مما يجعلها من سوية كوريا الشمالية وإريتريا وإيران وتركمانستان. كذلك اعتقلت الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة دمشق، مدرسين يفترض أنهم “غير موالين”، الأمر الذي ساهم بلا شك بشكل جزئي في تزايد أعداد المعلمين الذين تخلوا عن وظائفهم والذين بلغ عددهم 180 ألفا في العام 2018.

إعادة الإعمار

ما هو واضح هو أن أي عملية مصالحة وإعادة إعمار في سوريا، لن تكون مجرد عملية مادية تركز على إعادة بناء المدن والبلدات، ولكن أيضا عملية عقلية مع التركيز على إعادة تأهيل ملايين الشباب الذين يعانون من آثار سنين الحرب.

وفي الوقت الحالي، يتم تلقين أولئك الذين لديهم إمكانية الوصول إلى التعليم، الأمر الذي ساهم في “اضطرابات الأمة”. فبدلا من التعصب والتضحية والعبودية والرسائل الموالية لحكومة دمشق، يجب تعليم الأطفال بموضوعية، كما يجب أن تكون المناهج والفصول الدراسية أماكن خالية من الأيديولوجيا ومليئة بالفضول والتقدم، وليس مجرد مسارح لاستمرار الصراع بوسائل أخرى.

ففي سوريا، في الوقت الحاضر على الأقل، ليس القلم كما يقال أقوى من السيف. فبالأحرى، يتم استخدام الاثنين مع بعضهما البعض ليخدما نفس الغايات الخبيثة، وفق تقرير “ناشيونال إنترست”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.