قضية المدارس الصينية في العراق أعادت الاتفاقية الصينية-العراقية إلى الواجهة الإعلامية، وذلك بعد إعلان رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي عن افتتاح مشروع لبناء ألف مدرسة، بإشراف صيني، في محافظات البلاد المختلفة.

وبالرغم من تحذيرات جهات سياسية وشعبية من حجم الفساد الكبير المرافق لهذا المشروع، والسلبيات المترتبة على الاتفاقية الصينية-العراقية عموما، التي سترهن، بحسب المنتقدين، اقتصاد البلد، إلا أن الحكومة العراقية، وتحت تأثير ضغوط إيران، والميليشيات الموالية لها، قررت المضي بالمشروع، بحسب ما يؤكد مراقبون للشأن العراقي.

وقال مصطفى الكاظمي، خلال حضوره حفل افتتاح مشروع بناء المدارس الصينية في العراق، “بعد تشكيك كثيرين في عدم جدية الحكومة بتنفيذ الاتفاقية الصينية-العراقية، ها نحن نضع حجر الأساس لتنفيذ الاتفاقية، لكي نبعث رسالة بأن التعليم مهم جدا في حياة مجتمعنا، وحاجة لأبنائنا”.

وأضاف، “يجب أن نعمل كذلك على الاهتمام بالتعليم، ليس من خلال بناء المدارس فقط، وإنما عبر تغيير وتطوير المناهج التعليمية، وهذه ليست مسؤولية الحكومة فحسب، وإنما مسؤولية القطاعات المختلفة، والمجتمع بشكل عام”.

وتسعى أطراف عراقية إلى جعل العراق نقطة ربط رئيسية فيما يسمى “طريق الحرير الصيني الجديد”، وتخطط لتوسيع موانئ البلد البحرية، وتجديد خطوط النقل البرية، من أجل كسب إيرادات مالية جديدة، تساعد العراق على الانتعاش اقتصاديا. إلا أن كثيرا من المختصين في المجال الاقتصادي يشككون في جدوى المشاريع الصينية، بل وبعضهم يعتبرها مضرة للاقتصاد العراقي.

وتحاول إيران منذ أشهر، عبر الأحزاب، والفصائل الموالية لها في العراق، إعادة فرض الاتفاقية الصينية-العراقية على حكومة البلاد، وهي الاتفاقية التي تم التفاوض عليها في عهد رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي، لكنها جوبهت برفض سياسي وشعبي.

الكاظمي خضع لضغط الميليشيات في قضية المدارس الصينية في العراق

وأكد الخبير الاقتصادي محمد جمال أن “توقيع عقود بناء المدارس مع الشركات الصينية هو مقدمة لرهن الاقتصاد العراقي”.

مبيّنا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي وقّع تحت تأثير الضغط الإيراني، والميليشيات الموالية لطهران في العراق، واستجاب لتنفيذ الاتفاقية الصينية”.

وأضاف أن “هذه الاتفاقية يشوبها الفساد الإداري والمالي، وأكثر المدارس الصينية في العراق لا تتمتع بإجراءات السلامة، والمواد المستخدمة في البناء رديئة جدا”.

موضحا أن “الشركات الصينية احتسبت تكاليف إنشاء المدارس بطريقة الدفع بالآجل، ولكن بمبالغ عالية جدا، أكثر من المبالغ المرصودة لشركات أخرى بفارق الضعف، رغم كون مواصفات البناء متدنية ورديئة”.

وبحسب احصائيات مختلفة فإن حجم التبادل التجاري بين العراق والصين يتجاوز حاليا ثلاثين مليار دولار سنويا.
وتعتمد الحكومة العراقية، ومؤسساتها المختلفة على الصين بوصفها مورّدا رئيسيا للبضائع، التي تحتاجها بشكل يومي، وهو ما يزيد من حجم الاعتماد على الاقتصاد الصيني.

وتتضمن الاتفاقية الصينية-العراقية مبادلة عائدات النفط بتنفيذ المشاريع في العراق، عبر فتح حساب ائتماني في أحد البنوك الصينية، لإيداع عائدات النفط العراقي المُصدّر للصين، البالغ مئة ألف برميل يوميا، من أجل صرفها للشركات الصينية التي تنفذ المشاريع.

ووقّع رئيس الحكومة العراقية السابق عادل عبد المهدي على الاتفاقية الصينية، لكن الاحتجاجات الشعبية، التي انطلقت في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2019، أوقفت تنفيذها، لإضرارها باقتصاد البلد، بحسب ما رأى المحتجون.

وتحاول إيران والميليشيات الموالية لها، وكذلك وسائل الإعلام المقربة من طهران، الترويح لدى الرأي العام بأن الاتفاقية الصينية سيكون تأثيرها إيجابيا على الوضع العراقي، وستساهم بإعمار مدن البلاد المختلفة، ومن ذلك مشروع المدارس الصينية في العراق.

فساد مشروع المدارس الصينية في العراق

قيس ناصر، الأستاذ في جامعة البصرة، يتحدث عن سرية الاتفاقية الصينية وغموضها. مؤكدا أن “الاستفهام حول الاتفاق العراقي – الصيني ليس وليد اللحظة، فقد بدأ منذ العام 2019”.

ويضيف، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “الرأي العام العراقي يجب أن يطّلع بشفافية ووضوح على الاتفاقية، وخطرها على اقتصاد البلد والأجيال القادمة، بعد بدء تنفيذ مشروع المدارس الصينية في العراق، خاصة وأن الفساد يشوبه بشكل كبير”.

وأشار إلى أن “الصين وشركاتها، التي تعمل في محافظات وسط وجنوب البلد، لها سوابق في الفساد، وسمعتها ليست جيدة، ولديها إشكاليات كبيرة، وتأخّر في إنجاز العمل، ما قد يتكرر في مشروع المدارس الصينية في العراق”.

من جهته يقول الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي إن “النصّ الأصلي للاتفاقية الصينية-العراقية لم يظهر بعد، وهذه مشكلة بالنسبة للعراق، لأن الاتفاقيات، وحتى العقود، لا تظهر”.

وبيّن أن “العراق سيسدد ما قيمته مئة ألف برميل يوميا من النفط، ويضعها في حساب لدى بنك الاستثمار الصيني. ومن الممكن لهذا الرقم في المستقبل أن يرتفع إلى ثلاثمئة ألف برميل يوميا. وهذا الأمر فيه مبالغة كبيرة، خاصة وأنه تم اعتماد سعر النفط قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، وكان سعرا منخفضا جدا، في حين تجاوز سعر البرميل الحالي حاجز المئة دولار”.

الولاية الثانية مقابل تنفيذ الاتفاقية الصينية-العراقية

وكشفت مصادر مطلعة عن ضغوطات تعرض لها رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، بهدف الموافقة على افتتاح مشروع إنشاء المدارس الصينية في العراق.

وأوضحت المصادر لموقع “الحل نت” أن “الكتل السياسية الموالية لإيران تضغط على الكاظمي من أجل الموافقة على الاتفاقية الصينية-العراقية، وتنفيذها بالكامل، وجعلت ذلك أحد أهم الشروط للتصويت على توّليه منصب رئاسة الحكومة مجددا”.

النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي أوضح أن، “الشركات الصينية لن تقوم ببناء المدارس النموذجية حسب الاتفاق المبرم مع الحكومة العراقية”.

مشيرا، في تغريدة له على موقع تويتر، إلى أن “الشركات العراقية هي من سينفذ مشروع ما يسمى المدارس الصينية في العراق، وهذا يشير لوجود شبهات فساد بهذا المشروع”.

مصيرٌ مشابه للوضع في لبنان

ويؤكد عدد من المختصين، أن التوسع الاقتصادي الصيني بالمنطقة عموما، والاتفاقية الصينية-العراقية خصوصا، سيرهنان اقتصاد العراق للصين. لأن بكين ستحصل على النفط العراقي بأسعار زهيدة لسنوات عديدة، وهذا قد يؤدي لتدمير الاقتصاد العراقي، وربما يواجه العراق مستقبلا، سيناريو شبيها بما جرى في لبنان.

عامر عبد الجبار، وزير النقل والمواصلات السابق في العراق، أشار إلى أن “هناك شبهات فساد كبيرة تحوم حول الاتفاقية الصينية-العراقية”.

مبينا، في تغريدة له على موقع تويتر، أن “الشركات الصينية، التي تم التعاقد معها لإنشاء حوالي ألف مدرسة، تقوم بإحالة تلك المدارس إلى مقاولين عراقيين، وبسعر أرخص، وهي تحصل على فارق السعر دون عمل أو جهد”.

ومؤخرا طالبت لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي بالحصول على نسخة من اتفاقية التفاهم المبرمة بين العراق والصين، لأن الاتفاقية مبهمة وبنودها مجهولة، وغير معروضة على الرأي العام.

وكانت وسائل إعلام محلية قد كشفت عن تعرض الشركات الأجنبية في العراق، ومنها الكورية تحديدا، لتهديدات في محافظات جنوب العراق، من قبل ميليشيات وفصائل مسلحة موالية لطهران، لإجبارها على إيقاف العمل، ما يفسح للشركات الصينية المجال لتوسيع استثمارها في مدن البلاد المختلفة. وفي هذا السياق فإن البدء بتنفيذ مشروع المدارس الصينية في العراق سيفتتح مرحلة جديدة، تهمين فيها بكين على قطاع جديد من قطاعات الاقتصاد العراقي، وهو الاستثمار في البنية التحتية للتعليم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.