تثير الاتفاقية الصينية العراقية، التي تعرف باسم “النفط مقابل إعادة الإعمار”، كثيرا من الجدل في الشارع العراقي. خاصة مع محاولة بكين توسيع نفوذها في العراق، من خلال استغلال علاقاتها الجيدة مع إيران.

وتشمل الاستثمارات الصينية في العراق مجالات الطاقة وإعادة الإعمار والجسور ومشاريع الإسكان وغيرها. وهو الأمر الذي يراه عديد من المراقبين استمرارا لمشروع “الحزام والطريق”.

وتسعى أطراف عراقية  إلى جعل العراق نقطة ربط رئيسية في طريق الحرير الصيني الجديد هذا، وتخطط لتوسيع موانئ البلد البحرية وتجديد خطوط النقل البرية فيه، من أجل كسب إيرادات مالية جديدة تساعد العراق على الانتعاش اقتصاديا. إلا أن كثيرا من المختصين في المجال الاقتصادي يشككون في جدوى المشاريع الصينية، بل وبعضهم يعتبرها مضرة للاقتصاد العراقي.

وتحاول إيران منذ أشهر، عبر الأحزاب والفصائل الموالية لها في العراق، إعادة فرض الاتفاقية الصينية العراقية على حكومة البلاد، وهي الاتفاقية التي تم التفاوض عليها في عهد رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي، لكنها جوبهت برفض سياسي وشعبي.

ويرجع المحللون سبب الرغبة الإيرانية بزيادة الاستثمارات الصينية في العراق إلى التقارب الكبير والعلاقات بين طهران وبكين.

ضغط على الكاظمي لتنفيذ الاتفاقية الصينية العراقية

المحلل السياسي أحمد الخضر يرى أن “الملف الصيني في العراق يعد ملفا شائكا. إذ تحاول الجهات السياسية الخاسرة في الانتخابات العراقية، وتحديدا الموالية لإيران، استثمار هذا الملف  لصالحها، من خلال إحياء الاتفاقية الصينية العراقية”.

لافتا، في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أن “تلك الأحزاب والفصائل تحاول الضغط على رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي لإجباره على القبول بالاتفاقية الصينية العراقية، وزيادة استثمارات بكين في العراق”.

وأضاف أن “سبب ما تقوم به الأحزاب الموالية لإيران يعود إلى أن الصين هي من الدول الداعمة للموقف الإيراني في موضوع الملف النووي والخلاف مع الولايات المتحدة الأميركية”.

موضحا أن “إيران، وعبر الأحزاب الموالية لها، تستغل جهل المواطنين بالمواضيع الاقتصادية، وتبث شائعات مفادها أن الصين ستبني مشاريع خدمية واستثمارية في العراق. ولكن الحقيقة غير ذلك، فالاتفاقية التي كان من المقرر إبرامها بين بغداد وبكين تنص على أن تقوم الصين ببناء مشاريع في المدن العراقية، مقابل حصولها على نسبة عالية من النفط العراقي لسنوات. وبالتالي فإن هذا الأمر يجعل الاقتصاد العراقي مرتهنا بإرادة بكين، ويؤدي لخسائر كبيرة، لأن أسعار النفط تصعد وتهبط تبعا لتأثيرات السوق، ولا يمكن إعطاء النفط للصين بسعر ثابت”.

وكانت حكومتا الصين والعراق قد وقعتا، في أيلول/سبتمبر 2019، اتفاقية متعددة الجوانب، في ختام مباحثات تم عقدها في العاصمة الصينية بكين، في الفترة التي تولى بها عادل عبد المهدي رئاسة الحكومة العراقية.

لكن الاحتجاجات الشعبية، التي انطلقت في تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه، أوقفت تلك الاتفاقية، فيما تحاول الأحزاب والميلشيات الموالية لإيران فرضها مجددا على الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي.

 وتتضمن الاتفاقية الصينية العراقية مبادلة عائدات النفط بتنفيذ المشاريع في العراق، عبر فتح حساب ائتماني في أحد البنوك الصينية، لإيداع عائدات النفط العراقي، البالغ مئة ألف برميل يوميا، من أجل صرفها للشركات الصينية التي تنفذ المشاريع.

وتمتد الاتفاقية بين البلدين لعشرين عاما، وتركز على مشاريع البنى التحتية، مثل المدارس والمستشفيات والطرق والجسور والكهرباء والصرف الصحي.

حجم الاستثمارات الصينية في العراق

وبحسب الخبير الاقتصادي محمد التميمي فإن “حجم التبادل التجاري بين العراق والصين يتجاوز حاليا ثلاثين مليار دولار سنويا”.

مبينا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “الحكومة العراقية، ومؤسساتها المختلفة، تعتمد على الصين بوصفها مورّدا رئيسيا للبضائع التي تحتاجها بشكل يومي، وهو ما يزيد من حجم الاعتماد على الاقتصاد الصيني”.

وأضاف أن “سيطرة الميلشيات الموالية لإيران على أغلب المنافذ الحدودية في العراق، التي تربطه مع إيران وسوريا، سهّل دخول البضائع الصينية لمدن البلاد، والتي يتم إعفاؤها من الرسوم الجمركية”.

مشيرا إلى أن “إيران تضغط لكي يتم تنفيذ الاتفاقية الصينية العراقية، التي سترهن اقتصاد العراق. مع العلم أن جميع المشاريع المنفذة من قبل بكين رديئة جدا، ولا تطابق المواصفات العالمية”.

البرلمان العراقي لا يعلم شيئا عن الاتفاقية الصينية العراقية

وأثارت الاتفاقية الصينية العراقية الصينية جدلا كبيرا في العراق، بسبب الامتناع عن عرضها على الرأي العام، أو طرحها أمام البرلمان العراقي، بغرض الاطلاع والتصويت عليها.

النائب السابق في البرلمان العراقي فالح العيساوي أشار إلى أن  “كثيرا من العراقيين يجهلون فحوى الاتفاقية الصينية العراقية. فضلا عن أنها لم تعرض على أعضاء البرلمان السابق أو الحالي، لغرض الاطلاع عليها عن كثب”.

ويرى العيساوي، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “هناك عدة مشكلات في الاتفاقية الصينية العراقية، أولها أنها تلزم العراق بتزويد بكين بالنفط الخام، مقابل إنشاء الأخيرة مشاريع بالأموال العراقية، وليس توسيع الاستثمارات الصينية، كما تحاول الأحزاب المقربة من إيران إيهام المواطنين”.

مقالات قد تهمك: كيف تستغل الصين النفوذ الاقتصادي للهيمنة السياسية؟

ضغوط الميليشيات في الوسط والجنوب

مصدر مطلع على الشأن الاقتصادي العراقي أكد لموقع “الحل نت” أن “الصين بدأت بالعمل بالاتفاقية الصينية العراقية، من خلال إنشاء المشاريع المختلفة في محافظات وسط وجنوب العراق، من بينها المدارس والمستشفيات والجسور. وهذه المشاريع يتم دفع مستحقاتها من قبل الحكومة العراقية مقدما”.

وأضاف المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن “الشركات التابعة لدول أخرى تتعرض إلى التهديد من قبل الميليشيات الموالية لإيران، لإجبارها على مغادرة المحافظات العراقية، بهدف ترك الساحة للشركات الصينية فقط”.

ومن أبرز المشاريع التي تحدث عنها المصدر “ميناء الفاو الكبير”، الذي يقع في محافظة البصرة، ويدار من قبل شركة دايو الكورية، المتخصصة في بناء الموانئ. لكن الميليشيات المرتبطة بإيران تحاول بكل قوتها استبدال الشركة الكورية بأخرى صينية، وفقا لما تمليه الاتفاقية الصينية العراقية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.