ركزت عدة مقالات خلال الأشهر الماضية على قضية الاستثمارات الصينية واسعة المدى في العراق. فبينما تحجم الشركات الأميركية والأوروبية عن الاستثمار في العراق، بسبب الفساد الهيكلي العميق وهيمنة الميليشيات التي غالبا ما تكون مرتبطة بإيران، يبدو أن بكين أقل تحفظا في هذا الصدد.

وأوضح تقرير نشره موقع “مركز الشرق الأوسط للتحليلات” وترجمه موقع “الحل نت”، كيف تجد الصين سبلا للعمل ضمن هذه المنظومة. ففعليا، إيران هي المسيطر في السلطة العراقية، من خلال عملائها من التنظيمات العسكرية والسياسية. ومن هنا، فإن العمل مع هذه التنظيمات الموالية لإيران يشكل عنصرا رئيسيا في نمط النشاط الصيني في البلاد.

الشهادات التي أوردها التقرير تثير الاهتمام، كونها تشير إلى حالة شاذة. فمن المعروف أن الصين تفضل سلطات الدولة القوية والمركزية، وتحجم عن الاستثمار في مناطق عدم الاستقرار. والعراق دولة ضعيفة وغير مستقرة وتشكل فيها الميليشيات المرتبطة بإيران وهيئات أخرى المصادر الحقيقية للقوة. ومع ذلك، فإن الاستثمار الصيني في العراق آخذ في النمو. وربما يكون هذا مؤشرا على ثقة الصين المتزايدة في فضاء الشرق الأوسط، حيث تبدأ بكين بالإبحار في المساحات الغامضة والمجزأة في الشرق الأوسط واستغلال الوضع لصالحها.

العراق واحد من أسوأ دول العالم من حيث غسيل الأموال. فمعظم السيولة النقدية، التي لا يجرؤ أحد على الحديث عنها، تذهب إلى إيران. إنهم يحولون الدينار العراقي إلى دولار ومن ثم يرسلونه إلى إيران. وما تبقى من الأموال يذهب إلى قادة فاسدين وميليشيات وعناصر الجريمة المنظمة.

وبذلك، يمتلك القادة السياسيون العراقيون مئات الملايين من الدولارات من خلال غسيل الأموال. فالنفط العراقي يدار من قبل شركة سومو للنفط (المؤسسة العامة لتسويق النفط)، المسؤولة عن إدارة النفط وكل ما يتعلق به في العراق. ولكل من الأحزاب والميليشيات الشيعية القوية، مثل تيار الصدر وبدر والدعوة، نفوذ داخل هذه الشركة. كذلك يتحكم الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني بعناصر معينة ضمن الشركة المذكورة.

ويشكل القادة السياسيون والميليشيات الخط الأول عندما يرتبط الأمر بالاستثمار في مجال النفط. كذلك هم العامل الرئيسي في الحصول على إذن للاستثمار في هذا المجال لقاء عمولة. وأحد التحديات الرئيسية التي تواجهها شركات النفط العالمية هو الفساد والرشوة المدفوعة للميليشيات وعناصر الجريمة المنظمة والتي تشكل تهديدا بالنسبة لهذه الشركات.

وجاء الاستثمار الصيني بالاتفاق، ولكن ليس عبر القنوات الرسمية، إنما مع الميليشيات وقادة الأحزاب السياسية. والتزم الصينيون بتقديم الخدمات وخلق الفرص في العراق. والاتفاق ينص على أن يكون النفط العراقي مقابل إعادة الإعمار والخدمات.

وتسيطر الميليشيات في الجنوب على كل ما يتعلق باستيراد وتصدير النفط، وقد تقاسمت ذلك فيما بينها. وتنتمي هذه الميليشيات إلى أحزاب سياسية ضمن الحكومة العراقية وخارجها. فهناك ميليشيات مسلحة بالأسلحة الثقيلة وتسيطر على حقول النفط، ومنظمات مثل النجباء وعصائب أهل الحق وسرايا السلام وغيرها. هناك أيضا ميليشيات عشائرية تسيطر على حقول نفط بالكامل ولا يجرؤ أحد على تحديها.

يبدأ الاستثمار الصيني في الجنوب من الكوت كمكان رئيسي للاستثمار. وأيضا في محافظة ميسان العمارة وجزء من البصرة، حيث تمتلك الصين مصفاة للبتروكيماويات في البصرة، لكن لديهم في العمارة عمليات للتنقيب عن النفط واستخراجه. كما أن لدى المجموعة الصينية المتحدة للطاقة عملية كبيرة في حقل السيبة في البصرة. وتستثمر الصين في عشرات الحقول النفطية في محافظة الكوت.

لقد بات من الضروري أن يحارب العراق الفساد من أجل جلب مستثمرين إلى العراق، لأنه في الوقت الحالي لا يمكن لشركات النفط الاستثمار في مثل هذه البيئة. وتريد شركات المملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة ودول أخرى الاستثمار، إلا أنها لا تستطيع ذلك بسبب الميليشيات والمافيا التي تسيطر على قطاع النفط.

بدأت الصين استثمارها في حقول النفط في العراق، ولديها شركاء أقوياء. وهم يعملون بشكل رئيسي في جنوب البلاد، ولا سيما حول البصرة. وتعمل الصين في هذا الصدد مع شريك استراتيجي، إيران. وكجزء من مبادرة الحزام والطريق، يعتزم الصينيون إعادة إنشاء طريق الحرير القديم كطريق تجاري. وقد وقعوا اتفاقية إستراتيجية لمدة 25 عاما مع إيران، حيث ستتعهد إيران بتسهيل كل ما يتعلق بهذا المشروع. وتتمتع إيران بمزايا جغرافية من خلال الدول المجاورة مثل أفغانستان وسوريا والعراق.

تستثمر الصين في حقول النفط في العراق، وتتعاون مع قادة الأحزاب السياسية الشيعية مثل نوري المالكي وعمار الحكيم وهادي العامري، حيث يدير هؤلاء القادة ميليشياتهم الخاصة تحت أسماء وفصائل مختلفة. وتستخدم إيران القادة السياسيين العراقيين والميليشيات المرتبطة بهم لتوسيع نفوذها، لاسيما في المجال الاقتصادي في العراق. والصين قوية في العراق، لأنها مدعومة من إيران وتعمل معها. وتشكل الميليشيات العراقية المدعومة من إيران الوسيلة والأداة الرئيسية للاستثمار الصيني في العراق.

وخلال السنوات الماضية وحتى الآن، تعمل الميليشيات المدعومة من إيران بجد وباستمرار للسيطرة على المناطق السنية، مثل صلاح الدين وديالى والأنبار وكركوك وجنوب الموصل. وتسعى كل من المملكة المتحدة وفرنسا لإنشاء مساحة خاصة بهما في منافسة مع الصين. ويستمر الاستثمار الصيني في المناطق ذات الغالبية الشيعية والتي تخضع لسيطرة الأحزاب والفصائل السياسية للميليشيات، مثل البصرة والعمارة والناصرية.

وتؤثر الميليشيات المدعومة من إيران على جميع القرارات السياسية والاقتصادية في العراق. فهي تسيطر على معظم المناطق الغنية بالنفط، وتستخدم كل ما يمكن استخدامه لحماية تلك المناطق وإبقائها تحت سيطرتها. هذه الميليشيات تدعم الصين لأنها عدو عدوهم، الولايات المتحدة.

وهذه الميليشيات ذاتها هي من يهدد شركات النفط بعدم الانصياع لطلبات الولايات المتحدة من أجل تعويض سوق النفط العالمية، بسبب الصراع بين أوكرانيا وروسيا. وهي تفعل ذلك بسبب قضايا تتعلق بإيران والصين. إننا اليوم أمام نظام طاقة جديد تسيطر عليه كل من الصين وإيران.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.