نشرت مجلة “ذا ديبلومات” تقريرا تتحدث فيه عن التهديدات المتزايدة لتنظيم “داعش خراسان” في أفغانستان، حيث وصفت الوضع اليوم في ظل وجود هذا التنظيم الإرهابي بأنه بات شبيها بشكل مخيف لحقبة ما قبل 11 أيلول/سبتمبر 2001.

وبحسب المجلة، يخاطر المجتمع الدولي بالاستهانة إزاء التهديد الذي يشكله تنظيم “داعش” في أفغانستان، والمعروف أيضا باسم “ولاية خراسان الإسلامية”. ففي هذا الأسبوع فقط، ظهر بأن “طالبان” قد قتلت مقاتلا من تنظيم “داعش” يعتقد أنه زعيم الخلية التي دبرت الهجوم الانتحاري بالقرب من بوابة آبي في مطار كابول في شهر آب/أغسطس من العام 2021. وكان الهجوم قد أسفر عن مقتل 13 جنديا أميركيا بالإضافة إلى 169 أفغانيا من المدنيين، ولا يزال جزءا من تحقيق أوسع أجراه “الكونغرس” الأميركي، حيث تهدف سلسلة من جلسات الاستماع إلى التحقيق في الانسحاب الأميركي الكارثي وتداعياته.

إدارة بايدن حاولت تهدئة منتقديها من خلال الترويج لفعالية ضربات مكافحة الإرهاب “عبر الأفق”، بالاعتماد على الطائرات المسلحة المسيرة وقدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع لاستهداف قادة الإرهاب. وكثيرا ما يستشهد بمقتل زعيم تنظيم “القاعدة” الإرهابي أيمن الظواهري في تموز/يوليو 2022 في دار ضيافة حقاني في كابول كدليل على هذا المفهوم. ولكن هذه الضربة، بالرغم من كونها مثيرة للإعجاب بسبب دقتها الفتاكة، تبقى حالة واحدة، حيث تعتبر حملات مكافحة الإرهاب في الخارج معقدة وصعبة حتى بالنسبة لجيش متقدم مثل جيش الولايات المتحدة.

إلا أن التحدي الذي يمثله تنظيم “داعش خراسان” يعتبر أكثر تعقيدا بكثير مما اعترفت به إدارة بايدن! فبحسب مجلة ذا ديبلومات، انتشر التنظيم في جميع مقاطعات أفغانستان البالغ عددها 34، وهو يضم ما بين 1500 و2200 عضو. ومنذ آب/أغسطس 2021، نفذ تنظيم “داعش خراسان” ما يقارب من 400 هجوم في أفغانستان ومنطقة خيبر بختونخوا الباكستانية. وداخل أفغانستان، هاجم التنظيم المذكور بلا هوادة طائفة الهزارة الشيعية في محاولة لتعزيز أهدافه الطائفية. ويقف التنظيم وراء بعض من أبشع الهجمات في الذاكرة الحديثة، بما في ذلك تفجير جناح للولادة في مشفى كابول في أيار/مايو 2020، وهجوم آخر على مكتب منظمة إنقاذ الطفولة في جلال أباد.

ويشير التقرير إلى نية التنظيم المذكور تجاه الجماعات الجهادية الأخرى من خلال توسيع أهدافه المحددة إلى ما وراء الغرب، حيث يهدد في دعايته كل من باكستان وروسيا والصين. وكان تنظيم “داعش خراسان” قد أرسل انتحاريين لتفجير السفارة الروسية في كابول في أيلول/سبتمبر 2022؛ وهاجم السفارة الباكستانية في كابول في كانون الأول/ديسمبر 2022؛ وهاجم فندق كابول لونجان، الذي يتردد عليه رجال أعمال صينيون، أيضا في كانون الأول/ديسمبر 2022.

إن هذا التنظيم هو أكثر من مجرد جماعة إرهابية داخل أفغانستان، فقد تطور إلى تمرد منخفض المستوى، إلا أنه لا يزال مستمرا وفتاكا. وفي الوقت نفسه، يقوم التنظيم ببناء قدراته لشن هجمات مذهلة خارج أفغانستان. ففي الشهر الماضي، وفي شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي، اقترح قائد جيش القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا أن تنظيم “داعش خراسان” يمكن أن يكون قادرا على إجراء عمليات خارجية “مع القليل من التحذير أو بدون تحذير” في أقل من ستة أشهر. وبينما كان كوريلا يتحدث بشكل أساسي عن قدرة التنظيم على مهاجمة أوروبا أو آسيا، فإن النية لضرب الولايات المتحدة لا تزال قائمة، كما يتضح من حملات دعاية التنظيم، والتي هددت الأميركيين بهجوم من نوع 11 أيلول/سبتمبر.

كما أن التسريب الأخير لوثائق استخباراتية سرية يلقي مزيدا من الضوء على طموحات التنظيم المتزايدة. فبحسب هذه الوثائق، شارك قادة تنظيم “داعش خراسان” مؤخرا في شباط/فبراير في التخطيط لما يصل إلى 15 هجوما، شمل مجموعة من الأهداف مثل السفارات والكنائس. وفي نيسان/أبريل 2020، تم تعطيل خلية تابعة للتنظيم بينما كانت تخطط لهجمات ضد القواعد العسكرية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في ألمانيا.


المجلة أشارت إلى أنه وبعد الانسحاب الأميركي في آب/أغسطس 2021، لم يعد للولايات المتحدة قوات أو متعاقدون على الأرض في أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان. ونتيجة لذلك، “تدهورت قدرتنا على مراقبة التهديدات الإرهابية في أفغانستان بشكل كبير بسبب الانسحاب، ولم نعد قادرين على شن حملة حركية مستمرة ضد الجماعات النشطة هناك”، بحسب السفير ناثان سيلز مؤخرا في شهادته أمام لجنة مجلس النواب الأميركي على الأمن الداخلي. فالولايات المتحدة ليس لها عيون وآذان في أفغانستان وهي محدودة في قدرتها على تقييم مدى خطورة بيئة التهديد. وبدون معلومات استخباراتية، يكاد يكون من المستحيل الاستمرار في التصدي للتهديدات المنتشرة.

كذلك بينت المجلة بمواصلة الجيش الأميركي الضغط على قادة تنظيم “داعش” في سوريا، حيث حافظ على وتيرة عملياتية عدوانية بمزيج من الغارات المستهدفة والضربات الدقيقة. وفي أماكن أخرى، بما في ذلك في ليبيا واليمن والصومال وسيناء في مصر وجنوب شرق آسيا، تم إضعاف الجماعات التابعة لتنظيم “داعش” بشكل كبير، ولكن أفغانستان غابت عن الرادار الأمريكي. علاوة على ذلك، فإنه ليس لدى الدول الغربية سوى القليل من الاتصال أو تبادل المعلومات مع “طالبان”، لذا فهي غير قادرة على تكوين فكرة دقيقة عن كيفية ظهور التهديد أو الجماعات التي تزداد قوة أو حتى المشهد العام للإرهاب في أفغانستان.

وعلى الرغم من النكسات الكبيرة التي تعرض لها تنظيم “داعش”، إلا أن هيكله التنظيمي اللامركزي سمح لولاياته النائية بالبقاء على اتصال. ففي أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، قتلت القوات الخاصة الأميركية ممول تنظيم “داعش” بلال السوداني بالقرب من مجمع كهوف في شمال الصومال. وزعم حينها بأن السوداني قدم التمويل لخلية تنظيم “داعش” التي نفذت هجوم آبي جيت، كما حافظ على روابط مالية مع أعضاء تنظيم “داعش” في جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق وجنوب إفريقيا، من بين دول أخرى.


وترى “ذا ديبلومات” بأن الوضع في أفغانستان أصبح يشبه بشكل مخيف حقبة ما قبل الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، حيث سيطرت طالبان على البلاد وتم لم شملها مع القاعدة وشبكة “حقاني”. وتقاتل حركة “طالبان” بنشاط ضد مسلحي تنظيم “داعش”، لكن لا يزال يتعين على “طالبان” إظهار نفس الكفاءة التي تتمتع بها قوة مكافحة التمرد كما فعلت في العصيان. كما دفع نهج الأرض المحروقة في ولايتي كونار وننكرهار بعض السكان المحليين للانضمام إلى صفوف تنظيم “داعش” بدلا من القضاء على التهديد.

وبينما تقوم المديرية العامة للاستخبارات التابعة لحركة “طالبان” بتنفيذ المزيد من الهجمات والغارات ضد معاقل تنظيم “داعش خراسان”، يستمر التنظيم في الانتشار. ويجادل البعض، بما في ذلك المراقبة الأفغانية لين أودونيل، بأن التنظيم لا يزال قويا، لأن عمليات مكافحة الإرهاب التي تقوم بها طالبان تدور حول استهداف الأعضاء السابقين في قوات الأمن الوطني الأفغانية أكثر من تفكيك “داعش خراسان”. وتشير أودونيل إلى أن “طالبان تستخدم غطاء مكافحة الإرهاب لإخفاء عمليات القتل المنهجية لأفراد جهاز الأمن السابقين”.

وكلما طالت مدة بقاء التنظيم، واستبدال خسائر القيادة وصيد مقاتلي “طالبان” الساخطين، كلما أصبحت الجماعة أكثر جرأة. ففي العام الماضي، شن إرهابيو تنظيم “داعش خراسان” هجمات صاروخية عبر الحدود ضد طاجيكستان وأوزبكستان، وتم إحباط إحدى مخططاته الإرهابية في الهند. ومع ذلك، قد تكون مسألة وقت فقط قبل أن يوحد الجهاديون النية بالقدرة والتحرك لتفعيل واحدة من عدة هجمات مخطط لها بنجاح.

لذلك يجب على الولايات المتحدة إعطاء الأولوية لمحاربة “داعش خراسان” قبل أن يتمكن التنظيم من تحقيق رغبته المعلنة في مهاجمتها. ولكن في الوقت الراهن، انتقل مجتمع الأمن القومي الأميركي من التركيز على التهديد الإرهابي العالمي إلى منافسة القوى العظمى مثل روسيا والصين. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات