سلطت المحررة المالية في صحيفة “الفايناشينال تايمز”، تاببي كيندر، الضوء حول أزمة السيولة وكيف قادت مستثمري وادي السيليكون إلى صناديق الثروة السيادية في المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة. فالمستثمرون المذكورون يقومون اليوم بجولة في الشرق الأوسط، سعيا لبناء علاقات طويلة الأمد مع صناديق الثروة السيادية خلال أسوأ أزمة تمويل لشركات رأس المال الاستثماري منذ ما يقارب من عقد من الزمان. 

فقد أرسلت شركات رأس المال الاستثماري الكبرى مثل “أندريسن هورويتز” و”تايغر غلوبال” و”آي في بي”، فرقا من المديرين التنفيذيين إلى السعودية والإمارات وقطر في الأسابيع الأخيرة. وتأتي هذه الزيارات بعد أن واجه داعمو هذه الشركات التقليديون في أميركا الشمالية وأوروبا تباطؤا اقتصاديا أجبرهم على كبح جماح الاستثمارات الخاصة. 

قدوم المستثمرين إلى المنطقة، يأتي من منطلق سعي المسؤولون الخليجيون وأفراد العوائل المالكة الشباب إلى تنويع اقتصادهم، بعيدا عن النفط بالاستثمارات، في قطاعات التكنولوجيا الساخنة مثل الذكاء الاصطناعي. وهذا يعني أيضا أن بعض المستثمرين الأجانب قد تراجعوا بهدوء عن قرارات سابقة برفض اجتماعات مع السعودية أو الحصول على أموال منها بسبب مخاوف بشأن سجلها الحقوقي بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018. 

العلاقة الجديدة

صحيفة “الفاينانشيال تايمز” أجرت مقابلات مع أكثر من اثني عشر من أصحاب رأس المال الاستثماري في وادي السيليكون والذين يسيطرون على عشرات المليارات من الدولارات فيما بينهم، بالإضافة إلى سلسلة من المستشارين والمصرفيين، حيث يصفون العلاقة بين صناديق الاستثمار في الولايات المتحدة والنقد في الشرق الأوسط بـ “علاقة حب جديدة”. 

من بين الذين حضروا إلى السعودية مؤخرا، بن هورويتز المؤسس المشارك لـ”أندريسن هورويتز”. وهذه ثاني رحلة للممول المخضرم إلى السعودية في أقل من ستة أشهر. وكشفت شركة “سنابل”، الذراع الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة في المملكة، مؤخرا عن شراكتها مع ما يقارب من 40 شركة أميركية، دون الكشف عن المبالغ المستثمرة في الشركات.

بذلك أصبح هورويتز، الذي جمعت شركته في سان فرانسيسكو ما يزيد قليلا عن 14 مليار دولار العام الماضي، داعما قويا للاهتمام السعودي بالابتكار التكنولوجي. وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تحدث في مؤتمر “دافوس في الصحراء” في الرياض وتناول الغداء مع الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، السفيرة السعودية في الولايات المتحدة. وفي مؤتمر نظمه صندوق الاستثمارات العامة الشهر الماضي في ميامي، أشاد هورويتز بالمملكة باعتبارها “دولة ناشئة” وشبه ولي عهدها، محمد بن سلمان، بمؤسس شركة. 

قبل عام فقط، كان من الممكن أن تكون رحلات هورويتز إلى السعودية حالة شاذة بين المستثمرين الرأسماليين الحريصين على تجنب المأزق الأخلاقي المتمثل في التعامل مع الدول ذات السجلات السيئة في مجال حقوق الإنسان. أما الآن، فالخليج الغني بالنفط، والذي حظي بمكاسب غير متوقعة من النفط العام الماضي، يعج بالمستثمرين الأميركيين. 

كذلك تحدث سكوت شليفر، شريك “تايغر غلوبال”، في مؤتمر الرياض المذكور، حيث تسعى الشركة إلى الاستثمار في المملكة. كما قام فريق من “آي في بي”، إحدى أقدم شركات المشاريع في وادي السيليكون، بجولة في المنطقة. 

أكثر الأماكن سيولة على وجه الأرض

بحسب “الفاينانشيال تايمز”، فقد انفجر رأس المال الاستثماري الأميركي من حيث الحجم في السنوات الأخيرة، مدفوعا جزئيا بازدهار في التقييمات التقنية خلال جائحة “كورونا”. وجمعت بعض الصناديق الاستثمارية أموالا تصل إلى 5 مليارات دولار وأحيانا 9 مليارات دولار. وقد تم تكثيف هذا التحول من قبل عدد كبير من الداخلين إلى السوق، مثل “سوفت بنك” اليابانية و”تايغر غلوبال”، والتي استثمرت عشرات المليارات من الدولارات في الشركات الناشئة. 

وقد تغلغل صندوق الاستثمارات العامة السعودي، على وجه الخصوص، تدريجيا في التكنولوجيا الأميركية من خلال استثماراته على مدى العقد الماضي، حيث ساهم بمبلغ 45 مليار دولار في صندوق “سوفت بنك فيزيون”، الذي بلغت قيمته 100 مليار دولار في عام 2016.

كذلك قام باستثمارات مباشرة كبيرة في شركات التكنولوجيا الأميركية، بما في ذلك استثمار بقيمة 3.5 مليار دولار في “أوبر” في عام 2016 وأكثر من مليار دولار في شركة “لوسيد موتورز” لصناعة السيارات الكهربائية في عام 2018. وفي العام نفسه، قال إيلون ماسك إنه يجري محادثات مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي لمساعدته في تمويل صفقة بقيمة 72 مليار دولار للاستحواذ على شركة “تيسلا”، على الرغم من أن الصفقة لم تتحقق. 

في أعقاب مقتل الصحفي جمال خاشقجي في أواخر عام 2018، توقف عدد من الشركات الغربية البارزة، بما في ذلك العديد من مستثمري التكنولوجيا، عن العمل علنا مع المملكة. واستمر ذلك حتى الانكماش الاقتصادي الأخير، والذي أدى إلى جفاف تجمعات رأس المال المتاح لصناديق الاستثمار في المؤسسات الغربية الكبيرة. ووصلت عمليات جمع الأموال من قبل شركات رأس المال الاستثماري إلى أدنى مستوى لها في تسع سنوات في نهاية عام 2022. كما تراجعت السيولة النقدية التي وضعها رأس المال الاستثماري في الشركات الناشئة بنسبة تزيد عن 50 بالمئة خلال الاثني عشر شهرا الماضية. 

نتيجة لذلك، تم إغراء الكثيرين بالعودة إلى منطقة الخليج، التي تعد “أكثر الأماكن سيولة على كوكب الأرض في الوقت الحالي”، وفقا لرئيس صندوق استثماري قيمته مليار دولار. 

في غضون ذلك، قال جهاز قطر للاستثمار في عام 2019 إنه سيزيد الاستثمارات في الولايات المتحدة من 30 مليار دولار إلى 45 مليار دولار، بما في ذلك في مجال التكنولوجيا. كذلك استثمرت “كابيتال”، وهي ذراع تبلغ قيمته 6 مليارات دولار لصندوق الثروة السيادي في أبو ظبي البالغ 284 مليار دولار، في عدد من شركات وادي السيليكون الكبرى أو جنبا إلى جنب معها، بما في ذلك مجموعة الأسهم الخاصة “سيلفر ليك” و”سيكويا كابيتال”. وقد استثمرت مؤخرا في مجموعة “كلارنا” للتكنولوجيا المالية جنبا إلى جنب مع “سكويا”. 

رئيس المشاريع في “مبادلة كابيتال”، إبراهيم عجمي، في حديثه لـ “الفايناشينال تايمز” يقول: “جئنا إلى سان فرانسيسكو بحثا عنهم في عام 2017. والآن الجميع يأتون إلينا”. ويختتم حديثه بالقول: “هذه فرصة فريدة لصناديق، مثل مبادلة كابيتال، لتلعب دورا رائدا في تطوير التكنولوجيا على مدار العشرين عاما القادمة”! 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات