بعد محادثات كثيفة دامت شهورا أعلن صندوق النقد الدولي والحكومة المصرية يوم الخميس الماضي عن توصلهما، إلى اتفاق أولي، يقضي بحصول القاهرة على قرض مالي بقيمة 3 مليارات دولار من الصندوق، إضافة الى حزمة أخرى تشمل مليار دولار من صندوق الاستدامة والمرونة التابع للصندوق و5 مليارات دولار من الدول الشريكة للتنمية. وهو ما يعني إجمالا مساعدات بقيمة تسعة مليارات دولار.

بالتزامن مع ذلك وصل الجنيه المصري إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، حيث لامس 22.5 جنيها للدولار الواحد، وعلى إثر هذه التغيرات قرر البنك المركزي المصري رفع سعر الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس. فيما كانت التوقعات قد أشارت في وقت سابق إلى احتمال تراجع الجنيه المصري أمام الدولار إلى متوسط ​​24 جنيها قبل إتمام اتفاق مالي مع صندوق النقد الدولي وصل إلى مراحله النهائية، وهو ما حدث بالفعل.

في خضم كل ذلك، تتزايد مخاوف المواطنين من ارتفاع معدل الديون الخارجية الذي وصل إلى مستوى غير مسبوق خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى مخاوفهم من موجات جديدة من ارتفاع أسعار جميع السلع، وخاصة الغذائية منها، الذي يحذر منه بعض الخبراء الاقتصاديين.

من هنا يجدر التساؤل عن تداعيات هذا القرض على الاقتصاد المصري، وهل سيدفع المواطن المصري ثمن هذا القرض، وأسباب انخفاض قيمة القرض، حيث كان من المتوقع أن يصل القرض إلى 20 مليار. دولار، ولكن في النهاية تم الاتفاق على 9 مليارات وفقا لتوجيهات رئاسية، بحسب تقارير صحفية.

سياسات القرض كان “مدروسا”

مصر، ستوظف هذه المبالغ المقترضة من صندوق النقد الدولي لمواجهة الضائقة المالية التي يعاني منها اقتصاد البلاد جراء تداعيات جائحة “كوفيد-19” وتداعيات الغزو الروس لأوكرانيا، وما يدلل على وجود أزمة اقتصادية في مصر هو وجود عجز كبير في الموازنة العامة للدولة، والحاجة لسداد أقساط الديون الخارجية وفوائدها، فضلا عن ارتفاع فاتورة الواردات السلعية، حيث تعاني مصر من عجز في الميزان التجاري، وارتفاع نسبة التضخم.

بدورها، رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي في مصر، إيفانا فلادكوفا هولر، أفادت لوسائل الإعلام، إن الصندوق وافق على البرنامج التمويلي الذي يمتد على مدى 46 شهرا شريطة التزام السلطات المالية المصرية بمجموعة من الإصلاحات الاقتصادية. كما وسيعرض الاتفاق على مجلس إدارة صندوق النقد الدولي خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل لاعتماده.

قبل إعلان اتفاق القرض من صندوق النقد الدولي، أعلنت الحكومة المصرية عن عدد من الإجراءات الاستباقية. فقد أعلن البنك المركزي المصري، بقرار مفاجئ رفع سعر الإقراض بنقطتين مئويتين إلى 14.25 بالمئة وسعر الودائع إلى 13.25 بالمئة. كما تم رفع معدل الخصم إلى 13.75 بالمئة. كما أعلن عن سعر صرف مرن للجنيه مقابل العملات الأجنبية استنادا لآلية العرض والطلب في السوق.

من جانبه، رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، أفاد قبل إعلان قرار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، أي يوم الأربعاء الماضي، عن زيادة في الحد الأدنى للأجور الشهرية بنسبة 11.1 بالمئة، بحيث ارتفعت من 2700 جنيه (137 دولارا) إلى 3000 جنيه (152 دولارا). وهذه رابع زيادة في الحد الأدنى للأجور منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في مصر.

ضمن هذا السياق، يرى مدير مركز “العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية”، الدكتور كريم عادل، أن قرض صندوق النقد الدولي للدولة المصرية يعكس ثقة الصندوق في قدرة الدولة المصرية على الوفاء بالالتزامات والديون السيادية المستحقة للمؤسسات الدولية المقرضة لها، خاصةً وأن الدولة المصرية نجحت في الالتزام بسداد أقساط الديون السيادية المستحقة خلال السنوات الأخيرة.

يضاف إلى ذلك، وفق حديث عادل لـ”الحل نت”، أن القروض تمنح بعد مراجعة دورية ومستمرة للسياسات النقدية والمالية للدولة ومعدلات نمو الاقتصاد المحققة والمتوقعة حيث تعتبر هي بمثابة الضامن الأساسي للقدرة على السداد.

قد يهمك: الأمن الغذائي والتدخل الإيراني والتركي على طاولة القمة العربية.. ما التوقعات؟

أهداف القرض

بحسب عادل، فإن القرض الممنوح يأتي في إطار مساعدة الدولة المصرية في استكمال مسيرة الإصلاح الاقتصادي وتحقيق مستهدفاتها التنموية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي حيث يعتبر ذلك من أساسيات الشروط الخاصة بالقرض الممنوح.

هذا وقد صاحب هذا القرض زيادة في برامج الحماية الاجتماعية والدعم للقطاعات الاقتصادية والإنتاجية وكان ذلك من ضمن الشروط الأساسية للقرض، مما يعني أن ذلك القرض لا يؤثر على المواطن المصري بل يهدف إلى تطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة التي توفر فرص عمل وتساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي وزيادة الصادرات، على حد تعبير عادل.

وزير المالية المصري محمد معيط، أعلن في مؤتمر صحفي عن حزمة حماية اجتماعية جديدة بقيمة 67.3 مليار جنيه مصري اعتبارا من تشرين الثاني/ نوفمبر، وتشمل علاوة استثنائية بمبلغ 300 جنيه شهريا للأشخاص في العمالة غير المنتظمة وأصحاب المعاشات وجميع العاملين بالجهاز الإداري بالدولة والشركات التابعة لها.

في حين رحب صندوق النقد بتوسيع السلطات المصرية لنطاق الحماية الاجتماعية وتنفيذ نظام سعر صرف مرن دائم. وتوقع الصندوق أن تحفز تلك السياسات حزمة تمويل أكبر لأجل عدة سنوات. كما وأقر الصندوق بأن وجود سعر صرف مرن للجنيه المصري، وهو ما يؤدي إلى تراجع سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، سيؤدي إلى صعوبات اقتصادية، من أبرزها ارتفاع المستوى العام للأسعار، وهو ما يزيد من الأعباء التي تتحملها الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

إلا أن صندوق النقد يرى أن انخفاض سعر صرف الجنيه سوف يساهم في الحد من الواردات نتيجة ارتفاع أسعارها، وتشجيع الصادرات المصرية، الأمر الذي يساهم في علاج العجز الكبير في الميزان التجاري المصري، وتحقيق الاستقرار للاقتصاد الكلي على المدى الطويل.

إلى جانب أن العديد من المراقبين اعتبروا حصول القاهرة على قرض الصندوق الدولي خطوة إيجابية تدعم الاقتصاد والجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي وحمايته من التدهور، كما تمثل شهادة جدارة ائتمانية أمام المؤسسات المالية الأخرى، فإنهم طالبوا بمزيد من الإصلاحات.

قد يهمك: موسكو ودمشق بين إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية.. الواقع والمآلات

تحديد سقف قدرات مصر

في المقابل، أشارت بعض التقارير إلى أن قيمة القرض انخفض إلى 3 مليارات دولار، إضافة إلى مليار آخر من صندوق التنمية المستدامة، وحزمة تمويلية من شركاء التنمية، مقدرة بـ5 مليارات دولار، بدلا من حصول مصر على القرض الذي كان يُقدّر في الأساس بـ20 مليار دولار، لكن الحكومة المصرية تراجعت عن القيمة.

الأكاديمي الاقتصادي، كريم عادل، يرى أنه فيما يتعلق بخفض قيمة القرض الممنوح فهو تأكيد على أن تقدير قيمة القرض يأتي في إطار قدرات الدولة الاقتصادية خلال المرحلة الحالية وقدرتها على سداد القرض الممنوح، ومن ناحية أخرى تأكيد على أن القرض يمنح في إطار تنفيذ خطط الدولة التنموية ومستهدفاتها الممنوح من أجلها القرض.

أحد شوارع مصر “إنترنت”

بدوره، أفاد البنك المركزي المصري إنه عازم على تكثيف الإصلاحات الاقتصادية، وأن سعر الصرف “سيعكس قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية الأخرى بواسطة قوى العرض والطلب في إطار نظام سعر صرف مرن”. في حين يرجح محللون انخفاضا طفيفا آخر للجنيه خلال الشهرين المقبلين وذلك حتى موعد إنعاش خزائن البنك المركزي بقرض صندوق النقد الدولي وحزمة الإنقاذ الأخرى.

دولة مصر تواجه أزمة اقتصادية ومما زاد من فجوتها هو تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث دفعت المستثمرين الأجانب لسحب ما يقارب 20 مليار دولار من سوق سندات الخزانة المصرية خلال أسابيع، بالإضافة إلى ارتفاع فواتير القمح والنفط في مصر، كما وجهت ضربة للسياحة الوافدة من اثنتين من كبرى أسواقها وهما أوكرانيا وروسيا، حيث تعد السياحة مصدر رئيسي للعملة الصعبة للبلاد.

مما لاشك فيه وعلى غرار الدول الأخرى مثل تونس ولبنان والأردن، يطالب صندوق النقد الدولي مصر بخفض الدعم على السلع الأساسية مثل الوقود والخدمات العامة من الكهرباء والقمح والأرز، بهدف خفض عجز الموازنة العامة. الأمر الذي حتما سيضر بالمواطن ذات الدخل المنخفض. لكن في المحصلة، تأمل الحكومة المصرية في أن تؤدي هذه الإجراءات الاقتصادية والإصلاحات النقدية وقرض صندوق النقد الدولي إلى الحد من نسبة تضخم تجاوزت 15 بالمئة خلال الأشهر الماضية نتيجة المتغيرات الدولية وخاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، كما تسعى الحكومة المصرية في ذات الوقت بتخفيف العبء المالي على العوائل ذات الدخل المنخفض والمتوسط وخفض إجمالي الدين المصري، وتداعيات الأزمات العالمية.


قد يهمك: التغيرات المناخية القادمة من أنقرة.. خطر يتهدد سوريا والعراق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.