النظام الديني الإيراني يشعر بقلق متزايد خلال الفترة الحالية من أن تستفيد أذربيجان من القومية العرقية لإضعاف طهران، لذا فإن الأزمة تختمر على حدود جنوب القوقاز، وهي تخص الأذربيجانيين العرقيين العابرين للحدود والذين يشكلون أغلبية في أذربيجان، ولكنهم يشكلون كذلك أكبر أقلية في إيران.

إن انتصار باكو (عاصمة أذربيجان) في نزاع ناغورنو كاراباخ مع أرمينيا عام 2020 أدى إلى امتلاك أذربيجان لحدود أطول بكثير مع إيران. كما أن الاضطرابات التي تسارع تطور النظام في طهران يمكن أن تخلق أزمة على الجانب الشمالي لإيران، حيث تواجه طهران تحديا كبيرا من مواطنيها من الإثنية الأذربيجانية والتي مارست التمييز ضدهم لعقود. عن هذه الأزمة، رصد وترجم موقع “الحل نت” تقريرا نشرته مجلة “ذا ناشيونال إنتريست”. 

لقد وصلت العلاقات بين باكو وطهران إلى الحضيض بعد أن قتل مسلح رئيس أمن سفارة أذربيجان في طهران في كانون الثاني/يناير الماضي. وتبع ذلك طرد إيران لأربعة دبلوماسيين أذربيجانيين في 5 أيار/مايو، ردا على طرد باكو في 6 نيسان/أبريل لأربعة دبلوماسيين إيرانيين انتقاما لمحاولة اغتيال فاضل مصطفى أحد نوابها البارزين في 29 آذار/مارس.

التوترات بين البلدين شهدت تصاعدا آخر في أعقاب افتتاح السفارة الأذربيجانية في تل أبيب في 29 آذار/مارس، فبعد أيام من زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إلى باكو في 19نيسان/أبريل، أرسل 32 نائبا إسرائيليا رسالة إلى مكتب كوهين للتعبير عن دعمهم للأقلية الأذربيجانية العرقية في إيران. من قبيل الصدفة، فتحت إسرائيل سفارتها في تركمانستان في اليوم التالي للرسالة المذكورة.

اليوم وبعد أن حققت تقدما كبيرا في المنطقة العربية، حيث كانت سوريا ولبنان وغزة بمثابة منصة انطلاق لعملياتها ضد إسرائيل، يشير التقرير إلى أن إيران قلقة بشكل متزايد بشأن ما تعتبره وجودا إسرائيليا متزايدا على جناحها الشمالي. هذا بالإضافة إلى حقيقة أن تركيا، منافستها التاريخية السنية، قد حققت أيضا نجاحات كبيرة في منطقة عبر قزوين، حيث تحاول أنقرة إنشاء ممر تركي استراتيجي، فلفترة طويلة، شعرت طهران بالارتياح من حقيقة أن أرمينيا، حليفها الإقليمي، كانت بمثابة ضابط على أذربيجان، وأن روسيا تمكنت من إدارة ميزان القوى في جنوب القوقاز. كما يعد التأثير المتزايد لتركيا في ما كان مجال نفوذ روسي منذ عام 2020، تلاه ضعف الكرملين العسكري والاقتصادي في أعقاب حرب عام 2022 على أوكرانيا، مصدر قلق كبير لطهران.

تاريخيا، كان جزء كبير من جنوب القوقاز، إلى جانب أجزاء من داغستان في شمال القوقاز، تحت السيطرة الفارسية، قبل أن يسيطر عليها الروس في أوائل القرن التاسع عشر. وتم إنشاء الحدود الشمالية لإيران في ثلاث معاهدات مع موسكو طوال معظم القرن ذاته. وفي الجزء الأكبر من القرن العشرين، مثلت الملكية البهلوية الموالية للغرب في إيران دولة على خط المواجهة على جانبي الاتحاد السوفيتي. وحتى بعد الإطاحة بالنظام الملكي عام 1979 وتأسيس النظام الإسلامي، لم تكن طهران في وضع يسمح لها بمحاولة استعادة نفوذها في جنوب القوقاز. كما لم تكن إيران قادرة على استخدام الإسلاموية الشيعية، حتى الانهيار السوفياتي عام 1991 لإبراز قوتها في أذربيجان ذات السيادة الجديدة آنذاك، وهي دولة ذات أغلبية شيعية تركية علمانية ذات ميول غربية. ولم تكن هذه مجرد إستراتيجية هجومية، بل كانت أيضا إستراتيجية دفاعية، حيث يمكن لأذربيجان المستقلة الآن أن تفعل العكس، مستفيدة من القومية العرقية الأذربيجانية لإضعاف النظام الديني الإيراني، وهو هدف تتفق عليه أذربيجان وإسرائيل.

في حين أنه من المتوقع أن تتهم إيران إسرائيل بدعم الانفصالية الأذربيجانية في إيران، فإن نفس الادعاء قدمه بشكل خاص رضا بهلوي، نجل الشاه الراحل. بالإضافة إلى ذلك، خلال زيارة إلى إسرائيل في منتصف/نيسان أبريل الماضي، دفع بهلوي بعض البرلمانيين الإسرائيليين لسحب توقيعاتهم من خطاب الكنيست لدعم الأذربيجانيين الإيرانيين. والآن وبعد أن واجهت طهران اضطرابات داخلية كبيرة، أصبح الخوف أكثر من الأقليات العرقية التي يتم طمسها باللغة الفارسية. هناك قلق من أن الجماعات غير الفارسية قد تثور ثقافيا ضد النظام الديني، لاسيما الأذربيجانيون العرقيون والذين يشكلون حوالي ربع سكان البلاد البالغ عددهم 88 مليون نسمة.

في حقبة ما بعد خامنئي التي تقترب بسرعة، من المرجح أن يكمل “الحرس الثوري” عملية الحلول محل رجال الدين كمركز رئيسي للسلطة في إيران. ولكن “الحرس الثوري” لن يكون قادرا على الاعتماد على الوسائل القسرية وحدها لضمان بقاء طوائف الأقليات مثل الأذربيجانيين، وكذلك البلوش والأكراد والعرب، موالية لنظام متغير الشكل.

لقد كان الأذربيجانيون في طليعة الاحتجاجات التي اندلعت بعد مقتل مهسا أميني، الشابة الكردية التي قتلتها شرطة الآداب العام الماضي بعد اعتقالها لعدم ارتدائها الحجاب. كان شعار “الحرية والعدالة والحكومة الوطنية” هو الشعار المشترك في شوارع تبريز وأورمية وأردبيل، وهي أكبر ثلاثة مراكز سكانية أذربيجانية في شمال غربي إيران. كذلك أصبح نشطاء الاحتجاج الأذربيجانيون عاملا رئيسيا في حركة الاحتجاج الإيرانية. واتحدت ثماني منظمات احتجاجية مختلفة حول قناة “أزفرونت” تيليغرام ومقرها مدينة تبريز. وبالتالي، فإن تطور النظام المتسارع هو فرصة للأذربيجانيين العرقيين لإحياء هويتهم العرقية اللغوية التركية. وخلال زيارة قام بها إلى تركيا عام 2011، أقر علي أكبر صالحي، وزير الخارجية الإيراني السابق، بأن ما يصل إلى 40 بالمئة من مجموع الإيرانيين يتحدثون اللغة الأذربيجانية.

اليوم ومع استمرار نفوذه الديني في التضاؤل، تشير “ذا ناشيونال إنتريست” إلى أن النظام الإيراني سيحاول استخدام القومية الإيرانية كوسيلة للحفاظ على الوحدة بين الجماهير، ولكن هذا لن ينجح، كونه فقط حوالي نصف البلاد من أصل فارسي، لذلك سيتعين على حكام إيران صياغة عقد اجتماعي جديد مع الأقليات في البلاد، وخاصة الأذربيجانيين العرقيين، أو مواجهة عواقب وخيمة على الوحدة الوطنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات