نتيجة لنقص الأدوية في المشافي العامة في سوريا، أصبحت السوق السوداء نشطة جدا، في ظل لجوء المرضى إلى تأمين أدويتهم من بعض الصيدليات، والمراكز التي تبيع المستلزمات الطبية، بالإضافة إلى عدم وجود العديد من المستلزمات الطبية في المستشفيات الحكومية التي يُفترض أن تكون متوفرة فيها، ما يحمّل المواطنين أعباء مالية ثقيلة مقابل تأمينهم من السوق السوداء.

تزايدت شكاوى المواطنين مؤخرا من نقص المستلزمات الطبية التي تحتاجها المستشفيات، والمراكز الصحية لتقديم الخدمات للمرضى والمراجعين. وأكد المشتكون أن الكوادر الطبية تطلب منهم تأمين بعض المستلزمات الطبية والأدوية من خارج المستشفى لاستكمال أي خدمة طبية.

الأدوية غير متوفرة بالمشافي

نقيب الأطباء غسان فندي، أشار إلى أن هناك نقصا في الأدوية في المشافي العامة بانقطاع بعض الزمر الدوائية، وقلّة في الزمر الموجودة الأخرى، في حين رأى الرئيس الفخري للطب الشرعي في سوريا، والأستاذ في كلية الطب في جامعة دمشق، حسين نوفل، أن هناك نقصا كبيرا فيما يخص المستلزمات الطبية في المشافي العامة وهذا يؤدي إلى تدهور الخدمات الطبية فيها، وفق ما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الأحد.

وعزا فندي، النقص في بعض الأدوية والمستلزمات في المشافي إلى العقوبات المفروضة على سوريا، معتبرا أن الجهة المعنية في هذا الموضوع هي وزارة الصحة، وأن دور النقابة هو المطالبة في حال وجدت أن هناك نقصا في الأدوية.

بدوره، اعتبر نوفل، أن آليات استجرار الأدوية “غير صحيحة”، مطالبا بإلغاء اللجنة المركزية، وإذا كان لا بد من وجودها فإنها تتحول إلى لجنة مراقبة على المشافي في موضوع استجرار الأدوية، في حين يتم استجرار الأدوية من لجان تابعة لهيئات المشافي بحكم أنها على دراية بكميات الأدوية التي تحتاجها كل هيئة.

وشدد نوفل، على أن نقص الأدوية في المشافي يؤدي إلى تدهور الخدمات الطبية وبالتالي لا بد من إيجاد حلول جذرية لهذا الموضوع بأن يكون لكل هيئة لجنة لاستجرار الأدوية.

تنشيط السوق السوداء

على جانب آخر، اعتبر الأستاذ في كلية الطب في جامعة دمشق حسين نوفل، أن نقص الأدوية في المشافي العامة ينشط السوق السوداء بشكل كبير وبالتالي هذا يشجع على الترويج للمستلزمات الطبية، والأدوية السيئة باعتبار أن المرضى يشترونها من دون النظر إلى جودتها، وهمهم الوحيد هو تأمين هذه الأدوية، إضافة إلى التكاليف الزائدة التي يدفعها المريض لأدوية، ومستلزمات طبية جودتها ليست جيدة.

والأسبوع الماضي، شكا عدد من المواطنين من النقص الكبير في المستلزمات والأدوية بالمستشفيات العامة، حيث يطلب الأطباء في المستشفيات من مرافقي المرضى إحضار المستلزمات، ومعظمها غير متوفر في المشافي، الأمر الذي يفرض أعباء مالية كبيرة مقابل تأمينها من القطاع الخاص.

قد يهمك: من الحالات الغريبة في سوريا.. المريض يشتري للمشافي الأدوية والكفوف

أسعار الأدوية مرتفع

في ظل الارتفاع الأخير في أسعار الأدوية في سوريا نتيجة تدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل النقد الأجنبي، سيما وأن المواد الأولية التي تُصنع منها الأدوية مستوردة من الخارج وبالعملة الأجنبية، فضلا عن غياب الدعم الحكومي للقطاع الصحي بشكل عام. إذ تعتبر أسعار الأدوية في البلاد من بين الأعلى سعرا بشكل عام. وذلك بعد أن رفعت وزارة الصحة في الحكومة السورية، سعر 12 ألف نوع من الأدوية بنسبة 50 بالمئة، بعد تهديدات من أصحاب المعامل الدوائية بالتوقف عن العمل.

بعد الجدل الذي أُثير بسبب الزيادة في سعر الأدوية، برر فداء العلي، مدير الشركة الطبية العربية “تاميكو”، في وقت سابق قرار وزارة الصناعة برفع أسعار الأدوية بقوله: “إن أي تعديل على سعر الدواء مهما كان طفيفا يسبب ضجة في الشارع، وصدى كبير باعتبارها سلعة ضرورية تؤثر على حياة المواطن، ولا يمكن الاستغناء عنها مقارنة بأي سلعة أخرى في الأسواق”.

وجادل العلي، بأنه يجب أن يُنظر إلى الدواء على أنه سلعة اقتصادية ذات مكونات ومواد أساسية تستخدم في تصنيعه، وكذلك المواد المساعدة ومواد التعبئة والتغليف، وأن هذا يستلزم وجود ناقلات للطاقة مثل الوقود والكهرباء والعمالة وغيرها.

ووفق تقارير محلية سابقة، فإن “السيتامول وصل لنحو 2000 ليرة سورية، وهو من أكثر الأدوية التي تنقطع ويتلاعب بسعرها، والبروفين أيضا شركة واحدة تنتجه”.

ووصل سعر بعض أدوية الالتهاب، “إلى 13 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ خارج قدرة بعض المواطنين، علما أن هناك انخفاضا على شراء المضادات الحيوية، وكثير من الأصناف الأخرى بسبب السعر”.

كذلك، كشفت المديرية العامة للجمارك السورية، مؤخرا عن ضبط كميات كبيرة من الأدوية في مستودع بريف دمشق، مشيرة إلى أن: “التحقيقات مازالت جارية حول صلاحية هذه الأدوية ومصدرها، وأنه سيتم اختبار الأدوية بالتعاون مع المخابر المعنية ونقابة الصيادلة“.

من جانبها اعتبرت نقيب الصيادلة، وفاء كيشي، في تصريحات لصحيفة “الوطن” المحلية، آنذاك أن معدلات الأدوية المهربة بالسوق المحلية متدنية جدا ولا تتجاوز خمسة بالمئة، لكنها أشارت في الوقت ذاته، إلى أن معظم من يحفز على وجود الأدوية المهربة بالسوق المحلية، هم بعض الأطباء الذين يصفون الأدوية الأجنبية والمهربة، وحاليا يتم العمل على تشريع لمحاسبة الطبيب، الذي يصف أدوية مهربة.

ونقلت الصحيفة المحلية عن مصدر في الجمارك، تأكيده أن التهريب لا يقتصر على إدخال الأدوية إلى البلاد، فهناك أدوية تصنّع محليا ويتم تهريبها باتجاه الدول المجاورة.

تهالك القطاع الطبي

صحيفة “البعث” المحلية، أشارت في تقرير نشرته مؤخرا، إلى أن 90 بالمئة، من العمليات التي تُجرى في مشفى “الزهراوي” بدمشق، تتم بدون حضور طبيب تخدير، إذ يقوم بالإشراف على عملية التخدير فنيي التخدير بدون طبيب مختص.

الصحيفة المحلية نقلت عن مدير المشفى، علي حافظ محسن، قوله إن إجراء عمليات من دون إشراف طبيب تخدير لا شك مُخالِف للقانون، إنما للضرورة أحكام حسب تعبيره.

وأضاف، في معرض تبريره لغياب مختص التخدير: “صحيح أن معظم العمليات التي نجريها في المشفى، يقوم بإجراء التخدير فيها فنيو التخدير، إلا أن هؤلاء يعتبرون من أصحاب الخبرة، لقيامهم بعشرات آلاف العمليات خلال مسيرتهم العملية“.

ولفت محسن، إلى أن المشفى يضم طبيبة تخدير واحدة فقط، ويقتصر حضورها في المشفى على 36 ساعة أسبوعيا، تُجري خلالها كل الاستشارات التخديرية لمرضى العمليات الباردة، ما يعني أن مرضى تلك العمليات لا يتمّ تخديرهم إلا من قِبلها شخصيا، على حد قوله.

ويشهد القطاع الطبي في الآونة الأخيرة تدهورا كبيرا، من هجرة الكوادر الطبية إلى نقص وارتفاع حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية وانتعاش للسوق السوداء، فضلا عن الغياب الملحوظ للرقابة الحكومية والنقابية في السنوات الأخيرة. إضافة إلى قيام الشركات الأجنبية بسحب امتيازاتها الممنوحة إلى 58 شركة دواء سورية.

قد يهمك: ازدياد الطلب على الأدوية النفسية في سوريا.. ما القصة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.