تطورات جديدة في قضية الغزو الروسي لأوكرانيا، قد تنقل الحرب الدائرة بين الطرفين لمستوى مختلف بعد إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين؛ مؤخرا، عن التعبئة الجزئية للقوات المسلحة الروسية.

إعلان يرى فيه مختصون، أن التطورات الميدانية في الأسابيع الأخيرة فرضته على بوتين، بعد الهزائم العديدة التي منيت بها القوات الروسية، والخروقات الكبيرة التي حققها الجيش الأوكراني في مناطق أبرزها خيرسون، إضافة إلى الاستهدافات المتعددة للروس في شبه جزيرة القرم، والتي أدت إلى قطع الإمدادات الروسية لجيشها.

وفي الوقت نفسه يثير إعلان بوتين عن التعبئة الجزئية لقواته، عن شكل المواجهة المقبلة بين روسيا و”الناتو”، خاصة أن بوتين يتهم الحلف بتزويدهم أوكرانيا بأسلحة مختلفة فقد أدخلوا نفسهم ضمن المعركة وإن كان ذلك بشكل غير مباشر.

الحرب بين احتمالين

خبراء تحدثوا خلال الأيام الماضية، حول الغزو الروسي لأوكرانيا، المستمر منذ سبعة أشهر، والذي شهد بداية صعوبة في تقدم القوات الروسية، ومن ثم دخولها في استنزاف طويل، حتى باتت عاجزة عن الحسم، مبينين أن الحرب التي بدأتها روسيا في شباط/فبراير الماضي، كانت لمواجهة ‎أوروبا، التي تسعى لتوسيع حلف “الناتو”، لإدراكها بأن امتداد الحلف وتوسعه يعني الضغط عليها وإضعافها سياسيا وعسكريا واقتصاديا.

لكن ونتيجة للخسارات الروسية، جاء الإعلان الروسي بالتعبئة الجزئية، ليضع هذه الحرب أمام احتمالين متباينين إلى حد ما.

قصف روسي على شرق أوكرانيا “وكالات”

الباحث في الشأن الروسي، طه عبد الواحد، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه رغم لهجة موسكو التصعيدية بشأن الاستعداد لاستخدام الأسلحة النووية الاستراتيجية في سياق الحرب في أوكرانيا، ورغم الهجمة الشرسة على الغرب في تصريحات المسؤولين الروس، إلا أنه حتى الآن يبقى واضحا للجميع أن مسالة المواجهة المباشرة بين روسيا والناتو مستبعدة، ذلك لأنه في حال نشوب مثل هذه المواجهة فإن استخدام أي من الطرفين السلاح النووي يصبح عندها واردا جدا. وهذا ما لا يريده أحد لأن الجميع يدركون أنه لا منتصر ولا رابح في حرب يُستخدم فيها السلاح النووي. والرئيس الروسي ذاته يدرك هذا الأمر، وكان قال في تصريحات في آب/أغسطس الماضي “ننطلق من حقيقة أنه لا يمكن أن يكون هناك رابحون في حرب نووية ولا ينبغي إطلاقها مطلقا”.

ولكن من جهة أخرى، يرى الباحث في الشأن الروسي، ديمتري بريجع، في حديثه لـ “الحل نت”، أن المعركة الآن تحولت لمعركة كبيرة قد تدخل فيها أطراف أخرى، فالتعبئة الجزئية قد تتحول لتعبئة عامة على الأراضي الروسية، خاصة مع بدء إرسال أوراق التجنيد لمراكز التجنيد والتي تشمل أيضا طلاب الجامعات الروس.

يضيف بريجع، أن هناك نقطة مهمة تتعلق بتوسيع نطاق الحرب، سواء في أوكرانيا أو ضد “الناتو”، وهي الاستفتاء الذي تعمل روسيا على إجرائه في أربعة أقاليم هي “دونيتسك ولوغانسك، وزابوروجيا وخيرسون”، فإذا ما تم الاستفتاء وقامت أوكرانيا بمهاجمة هذه الأقاليم فإن روسيا ستعتبره هجوما على أرضيها ما يدفعها للرد بقوة واستهداف كييف ومراكز صنع القرار الأوكراني بمختلف الأسلحة والتي قد تشمل الأسلحة التكتيكية.

إقرأ:هزائم بوتين تحيي شبح الضربة النووية في أوكرانيا

روسيا تريد الضغط على الغرب

بعض الخبراء يرون أن “الناتو” حقق مجموعة من المكاسب خلال الأشهر السبعة الماضية، من أهمها صمود أوكرانيا، وإلحاق خسائر كبيرة بالجيش الروسي من خلال الدعم الذي قدمه الحلف لأوكرانيا عسكريا واستخبارتيا، وأيضا ضم السويد وفنلندا للحلف ما يعني تطويق الموانىء الروسية المطلة على بحر البلطيق وتوسيع حدود الحلف.

ولكن في مقابل ذلك فإن روسيا ستسعى للضغط على “الناتو” والغرب بشكل عام في مسائل مختلفة، من بينها الطاقة والغاز، وبالإضافة إلى ذلك فروسيا تدفع الأمور نحو احتمالات عسكرية مختلفة قد تصل في نهايتها لاستخدام أسلحة نووية تكتيكية، على الرغم من تصريح السفير الروسي في واشنطن، اليوم الجمعة، والذي قال “لم نصل مع الأميركيين إلى العتبة الخطيرة للانهيار في هاوية الصراع النووي، روسيا ملتزمة بالصيغة التي تقول أنه لا يمكن أن يكون هناك رابحون في حرب نووية ويجب عدم إطلاق العنان لها”.

وبحسب طه عبد الواحد، فإن بوتين الآن يريد دفع الأمور نحو “حافة الهاوية” أملا منه في أن يتعامل الغرب بصورة أكثر جدية؛ ويبدي اهتماما بالاقتراحات التي قدمتها روسيا نهاية العام الماضي للولايات المتحدة والدول الأوروبية حول الضمانات الأمنية لروسيا.

ويضيف عبد الواحد، أن روسيا سلمت الولايات المتحدة نص اتفاق حول الضمانات الأمنية نهاية العام الماضي، تنص تلك الاقتراحات بما في ذلك على التخلي عن استمرار توسع “الناتو”، وسحب ما يسمى بصيغة “بوخاريست”، التي تقول إن أوكرانيا وجورجيا ستصبحان عضوين في الناتو، وعدم إنشاء قواعد عسكرية في أراضي الدول التي كانت تدخل سابقا ضمن الاتحاد السوفييتي.

ويشير عبد الواحد، إلى أن روسيا ربما تحاول دفع الأمور نحو “الكاريبي 2″، حين كانت المواجهة النووية بين السوفييت والأمريكان وشيكة، وهو ما دفع الطرفين إلى إطلاق محادثات سرية ومن ثم التوصل إلى اتفاقيات أنهت أزمة الصواريخ في كوبا، والأهم أنها أسست لمرحلة جديدة من التفاهمات الاستراتيجية بينهما.

لكن وبحسب رؤية عبد الواحد، فإنه إذا تعقدت الأمور قد تستخدم روسيا هذا النوع من الأسلحة بقدرة تدميرية متدنية للغاية، ربما لا تزيد عن 1 كيلو طن، علما أن القنبلة التي دمرت هيروشيما كانت قوتها 15 كيلو طن، وقد يكون استخدام السلاح النووي التكتيكي في مرحلة ذروة الضغط الروسي على الغرب للانخراط في محادثات حول الضمانات الأمنية التي طالبت بها روسيا نهاية العام الماضي.

وبعبارة أخرى قد يُستخدم هذا السلاح في مرحلة اليأس، وبعد فشل جميع الخيارات الأخرى لجر الغرب إلى الحديث مع روسيا حول بنية النظام العالمي.

وفي هذا السياق، يرى ديمتري بريجع، أن الخطط الروسية حتى الآن غير مكشوفة، لكن التعبئة الجزئية التي أعلنها بوتين تصعيد روسي قابل للتزايد، ولن يستطيع بوتين التراجع لأن أي تراجع سيعتبر إعلان هزيمة لروسيا وبوتين على كل الأصعدة، وحتى الآن لا توجد أي قنوات اتصال بين روسيا من جهة، وأوكرانيا والغرب من جهة أخرى للتوصل لصيغة للتفاهم، ما يعني أن كل الاحتمالات ممكنة ومن بينها استخدام السلاح التكتيكي لتغيير الوضع الدبلوماسي.

روسيا تستخدم كل ما يمكن في الحرب حتى السجناء

تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”،الأسبوع الماضي، اطلع عليه “الحل نت”، تحدث عن لقطات مسربة، أظهرت مؤسس مجموعة “فاغنر” الروسية للمرتزقة، وهو يحاول تجنيد سجناء للقتال في أوكرانيا.

وبينت الهيئة البريطانية أنها تمكنت من التحقق من الفيديو، ويمكن مشاهدة يفغيني بريغوجين بينما يخاطب مجموعة كبيرة من السجناء، قائلا لهم إن الفترات المحكوم بها عليهم يمكن تخفيفها في مقابل الانضمام للخدمة في صفوف مجموعة “فاغنر”.

الفيديو المسرّب يؤكد تقارير متداولة منذ فترة عن محاولات روسيا تعزيز قواتها العسكرية عبر تجنيد أشخاص مُدانين بأحكام قضائية.

وفي الفيديو يؤكد بريغوجين أن “أحدا لن يعود وراء أسوار السجن” إذا انضم لصفوف مجموعة “فاغنر”، وخاطب السجناء قائلا،””إذا خدمت ستة أشهر في صفوف فاغنر، فأنت حر”. لكنه في الوقت ذاته يحذر المجندين المحتملين من مغبة الهروب من الخدمة قائلا: “إذا وصلت إلى أوكرانيا وقرّرت أنك لست معنيا بالأمر، فستواجه الإعدام ميدانيا”.

 كما أبلغ بريغوجين مستمعيه من السجناء بقواعد وأحكام مجموعة فاغنر التي تحظر تناول الكحول وتعاطي المخدرات و”الاتصال الجنسي بالنساء المحليات وبالرجال وبالحيوانات والنباتات وبأي شيء”.

خسائر روسية في أوكرانيا “وكالات”

التقرير يشير إلى أن بريغوجين، ألمح خلال حديثه للسجناء إلى ما تواجهه روسيا من صعوبات في حربها في أوكرانيا، حيث قال: إن “هذه حرب صعبة، أصعب حتى من حرب الشيشان ومن حروب أخرى”.

ونقل التقرير عن مصادر، أن الشخص المتحدث في الفيديو هو بريغوجين، وقال أحد تلك المصادر: “هذا هو صوته. هذه رنة الصوت، وتلك لزماته في الحديث… أنا واثق بنسبة 95 في المئة أن هذا هو (بريغوجين) وأن الفيديو لم يخضع للمونتاج”.

وبحسب التقرير، فإن بريغوجين قال للسجناء، إن المنتسبين لمجموعة فاغنر يجب أن يكونوا “في حالة صحية وهيئة جسدية جيدة”، قبل أن يكشف عن أن الـ 40 الأوائل من المنتسبين لمجموعة فاغنر من أحد سجون سانت بطرسبورغ تم نشرهم في أثناء هجوم على محطة فوهليهيرسكا للطاقة في شرق أوكرانيا في حزيران/يونيو الماضي.

وروى بريغوجين للسجناء في الفيديو، أن السجناء اقتحموا خنادق الأوكرانيين وهاجموا قواتهم بالأسلحة البيضاء، مبينا أن ثلاثة من الرجال لقوا مصرعهم، وكان بينهم شخص في الـ 52 من عمره كان قد قضى أكثر من ثلاثين عاما في السجن.

وختم بريغوجين حديثه للسجناء، أنه ينبغي أن يقتلوا أنفسهم بقنابل يدوية حال تعرضوا لخطر الوقوع في الأسْر.

قد يهمك:بعد غزو أوكرانيا.. روسيا تُحضّر لحرب إقليمية؟

احتمالات مفتوحة في الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا، فروسيا التي بدأت تستشعر الورطة الحقيقية التي وقعت فيها والخسائر الكبيرة التي تكبدها جيشها في المعدات والأفراد، جعلت الحكومة الروسية تبحث عن أي مخرج ممكن من هذه الحرب حتى لو اضطرت لمخالفة القوانين الدولية باستخدام أسلحة محرمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.