الصين والسعودية وقعتا 35 اتفاقية استثمار بقيمة نحو 30 مليار دولار، خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للمملكة، بحسب تقارير إعلامية محلية وتصريحات صحفية. تشمل الصفقات عدة قطاعات مثل الطاقة الخضراء والتكنولوجيا والخدمات السحابية والنقل واللوجستيات والصناعات الطبية والبناء والتصنيع.

خطة المواءمة بين رؤية المملكة 2030 ومبادرة “الحزام والطريق” الصينية، خصوصا أن عام 2022 كان هاما في الاضطرابات السياسية والاقتصادية لقطاع الطاقة في الشرق الأوسط، حيث استمر النفط والغاز في لعب دور رئيسي في القوة الاقتصادية والسياسية للمنطقة، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، يضع عقبة أمام استمرار دول الشرق الأوسط والخليج في التحرك نحو الطاقة المتجددة.

ورقة الصفقة خاسرة؟

في نظرة على بعض صفقات الطاقة الرئيسية في الشرق الأوسط في عام 2022، توصلت إسرائيل ولبنان إلى اتفاق بشأن حدودهما البحرية المتنازع عليها منذ فترة طويلة في تشرين الأول/أكتوبر 2022، حيث يتحرك لبنان بسرعة في خطط التنقيب عن الغاز منذ ذلك الحين، حيث يقود عملاق الطاقة الفرنسي “توتال” العملية.

في آذار/مارس الفائت، أبرمت شركة النفط السعودية المملوكة للدولة “أرامكو” صفقة لبناء مجمع للبتروكيماويات في شمال شرق الصين. وستقوم المنشأة بتكرير النفط الخام وتم اقتراحها لأول مرة في عام 2019 بحكم أن السعودية هي مورد نفط رئيسي للصين.

أيضا في كانون الأول/ديسمبر، وقعت “أرامكو” السعودية  مذكرة تفاهم مع مجموعة “شاندونغ” للطاقة لاستكشاف التعاون في مجال التكرير المتكامل وفرص البتروكيماويات في الصين. ويمتد النطاق إلى التعاون عبر التقنيات المتعلقة بالهيدروجين ومصادر الطاقة المتجددة واحتجاز الكربون وتخزينه.

كما وقعت “أكوا باور” المطور والمشغل العالمي لمشاريع المياه والطاقة ومقرها السعودية، سلسلة من الاتفاقيات مع  9 كيانات صينية لتمويل واستثمار وبناء مشاريع “أكوا باور” العالمية للطاقة النظيفة والمتجددة في السعودية ومبادرة “الحزام والطريق”.

الخبير في التكامل الاقتصادي للشرق الأوسط، حسن المومني، أوضح لـ”الحل نت”، أن السعودية هي أكبر مصدر للنفط في العالم وقد طورت مؤخرا برنامجا طموحا للطاقة المتجددة لتلبية احتياجات المنطقة من الكهرباء. ومع ذلك، نظرا للسجل التاريخي لتأخيرات البلاد وعدم وجود سياسات دعم تمويل مواتية في البلاد، لا تزال هناك تساؤلات حول نجاح الاستراتيجية الطموحة للبلاد.

منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي بتقدير المومني ليست مجرد طاقة متجددة، فبالنظر إلى الزخم المتزايد للاقتصاد الإقليمي في الشرق الأوسط، تشير التقديرات إلى أن الطلب على الكهرباء في هذه المنطقة سوف يرتفع في السنوات القليلة المقبلة. وعلى الرغم من الموارد الطبيعية الوفيرة في المنطقة، لا يزال توفير الكهرباء يمثل أولوية قصوى لدول الخليج، ولا يزال توليد الطاقة بالوقود المصدر الرئيسي للكهرباء.

الدعم والتكاليف من أكبر العقبات

الرياض عملت منذ عام 2019 على دفع عجلة تطوير الطاقة المتجددة، حيث أعلنت في وقت سابق أنها تخطط لتطوير وتثبيت 60 غيغاواط من الطاقة المتجددة على مدى السنوات العشر المقبلة، بما في ذلك 40 غيغاواط من الطاقة الشمسية، ثم زيادة القدرة المركبة لتوليد الطاقة المتجددة إلى 200 غيغاواط. ووفقًا لخطة الدولة بحلول عام 2030 سيتم توفير حوالي 30 بالمئة من الكهرباء عن طريق الطاقة المتجددة، وسيتم تزويد الأخرى بالغاز الطبيعي والطاقة النووية، وزيادة القدرة المركبة للطاقة المتجددة في السعودية بالميغاواط.

واحدة من أكبر العقبات التي تواجه الحكومات في الشرق الأوسط والخليج في تعزيز تنمية الطاقة المتجددة برأي المومني، هي الإعانات الضخمة التي تحتاج حكومتها لتزويدها. في عام 2018، كانت تكلفة الكهرباء للمقيمين السعوديين 0.18-0.30 ريال للكيلوواط ساعي، والتي كانت حوالي 0.042 – 0.071 يورو. وهذا سيؤثر على ربحية مطوري الطاقة المتجددة، لذا فإن تطوير الطاقة المتجددة للعملاء ليس مجديا اقتصاديا.

في الوقت الحالي، نظرا لأن تكلفة توليد الطاقة أعلى من فاتورة الكهرباء للعميل، تحاول السعودية تحسين فاتورة الكهرباء وسعر الوقود. من المتوقع أخيرا أن تجعل هذه النقلة فاتورة الكهرباء للعميل تصل إلى مستوى توليد الطاقة المتجددة وحتى أقل قليلا، ولكن مع الاتفاقيات السعودية الصينية الجديدة لا تزال بحاجة إلى التفكير في استخدام البنية التحتية المتجددة اللازمة للطاقة، وفقا للمومني.

برنامج الطاقة المتجددة في السعودية يعد مهما لتنميتها الاقتصادية. تتمثل ميزة الحكومة المحلية في أنها ستساعد في خلق فرص عمل وتقليل البطالة. سوف يتعدى توليد الطاقة المتجددة المتزايد باستمرار على نسبة توليد الطاقة النفطية في هيكل الطاقة، ثم إطلاق المزيد من النفط الخام للتصدير. من وجهة نظر اقتصادية، يرى المومني أن الاتفاقيات السعودية الصينية وأسعار النفط العالمية الآخذة بالانكماش ستبطئ القوة السعودية في عملية التحول.

هل الصين جاهزة لمشاريع المنطقة؟

ما يحدث في الصين وأوكرانيا سيؤثر بشدة على الاقتصاد العالمي، الذي يبدأ عام 2023 بمخاوف مزدوجة بشأن التضخم والركود، إلى جانب أزمات “قنبلة الديون” الكابوسية التي تعصف بالعديد من دول الجنوب العالمي.

اعترف الرئيس الصيني بذلك. وقال شي أمام مؤتمر “الحزب الشيوعي” في تشرين الأول/أكتوبر 2022، “إننا نواجه العديد من المشاكل العميقة الجذور فيما يتعلق بالإصلاح والتنمية والاستقرار لا يمكن تجنبها أو تجاوزها”. وأضاف أن الصين يجب أن تكون “مستعدة لتحمل الرياح العاتية والمياه المتقطعة وحتى العواصف الخطيرة في رحلتنا المقبلة”.

بعض هذه العواصف مألوفة، مثل فقاعة العقارات، والاقتصاد المتعثر، والعلاقات مع الغرب، لكن البعض الآخر جديد.

مجموعتا “بايك” و”جوناثان لامبرت” المملوكتان للدولة الصينية أفادتا الشهر الماضي، أن نظام الرعاية الصحية في الصين غير مهيأ لمواجهة الطوفان بشأن جائحة “كورونا”، إذ إن البلاد قد تكون في طريقها لمئات الآلاف من الوفيات في عام 2023. 

في وقت لاحق من هذا الشهر، سيستفيد مئات الملايين من الصينيين من القواعد المخففة للسفر لقضاء عطلة رأس السنة القمرية الجديدة. قالت جينيفر بوي، عالمة الأوبئة وقائدة دراسات الصين في مؤسسة “راند”، “أعتقد أننا سنرى أرقام حالات فلكية”.

تنفيذ الصين لإصلاحات الشبكة المتجددة قائمة منذ فترة طويلة، أثار المخاوف حول تركيزها على البنية التحتية للنقل وبشأن قدرة الشبكة على الاستجابة للتحديات. تعيد الصين تنشيط خطط خطوط الطاقة طويلة المدى ذات الجهد الفائق لربط إمدادات الطاقة المتجددة غير المستغلة بمراكز الاستهلاك. وتعمل بكين أيضا على توسيع خططها وتنفيذها للشبكات الذكية لإدارة التدفق المعقد للطاقة الكهربائية في جميع أنحاء البلاد حيث تسعى بكين إلى تعزيز التزاماتها بخفض الكربون، فضلا عن التخفيف من المخاوف المتعلقة بمستويات التلوث والاختلالات الإقليمية في إنتاج الطاقة واستهلاكها.

هذه الجهود محل شكوك لدى خبراء الطاقة، إذ إن بكين ليس لديها القدرة على تخفيف التحديات الكبرى التي تعاني منها حاليا التنمية المحلية في الصين، وهي المنافسة بين الأقاليم، ومركزية الحوكمة، والتنفيذ الإقليمي غير المتطابق للسياسات الوطنية، وشبكة كهرباء غير محسّنة بشكل جيد.

الطاقة المتجددة في الخليج

كيانات في الخليج أعلنت عن العديد من مشاريع الطاقة المتجددة العام الفائت حيث تسعى دول المنطقة إلى تقليل اعتمادها على النفط والغاز. فيما يلي قائمة ببعض أهم صفقات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر في الخليج في عام 2022، إلا أنها بعد الصفقات السعودية الصينية قد تكون معرضة للفشل.

“صندوق الاستثمارات” العامة السعودي أعلن عن إنشاء محطة ضخمة للطاقة الشمسية بقدرة 2060 ميغاواط في غرب المملكة السعودية. كما وافقت شركة “أي إم إي أي” ومقرها دبي على بناء  محطتين للطاقة الشمسية في المغرب. كما بدء العام الفائت تشغيل محطة الخرسعة للطاقة الشمسية في قطر. 

شركة “مصدر” الإماراتية للطاقة المتجددة توصلت إلى اتفاق مع تنزانيا لتطوير مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية البرية هناك. وأيضا أنهت شركة “أي إم إي أي”خططها لإنشاء محطة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح في مصر. وفازت الشركة بعقد للطاقة الشمسية  في جنوب إفريقيا. 

أبو ظبي والقاهرة أعلنتا عن مزرعة رياح جديدة خلال مؤتمر تغير المناخ “كوب 27″، وأعلنت شركة “أكوا باور” السعودية عن مشروع لتوليد الطاقة من الرياح في خليج السويس بمصر. كما أعلنت شركة “بيئة” ومقرها الشارقة أنها ستبني منشأة لتحويل النفايات إلى هيدروجين في الإمارات، وأعلنت أدنوك وبريتيش بتروليوم عن شراكة هيدروجين خضراء . 

شركة “الفنار” السعودية من جهتها وقعت اتفاقية مع “الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس” لبناء مصنع هيدروجين أخضر. 

لا يزال النفط هو مصدر الدخل في الخليج، وجميع المشاريع السابقة مهددة بالانهيار بعد توقيع بكين ودول الشرق الأوسط والخليج لاتفاقيات أغلبها ينص على توريد الطاقة الأحفورية،  أبرزها توقيع شركة “قطر” للطاقة وشركة “سينوبك” الصينية صفقة غاز كبرى في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت. وبموجب الاتفاقية، ستزود قطر الصين بـ 4 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا على مدى 27 عامًا، فضلا عن صفقات “أرامكو” السعودية مع  مجمع البتروكيماويات في شمال شرق الصين، لتكرير النفط الخام.

ستعتمد سرعة مستقبل الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط والخليج على سرعة تنفيذ الاتفاقية والقدرة على تبني تشريعات داعمة بسرعة يمكنها جذب الممولين الأجانب. لا يُقصد من هذه الخطط أن تكون خيالية، ولكن إذا لم تتخذ السعودية إجراءات إيجابية نحو الصفقات الموقعة مع بكين ولم تقم بإجراء تغييرات في السياسة من شأنها جذب الممولين الأجانب، مثل مراجعة متطلبات التوطين المتعلقة بالمشروع، فإن قوتها المتجددة سيتم التقليل من مستقبلها بشكل كبير.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.