فالق الأناضول الذي تسبب منذ استيقاظه في الساعة الثالثة بعد منتصف ليل الأحد – الاثنين حتى الآن بسقوط أكثر من 5 آلاف قتيل و20 ألف جريح ودمار أكثر من 5 آلاف مبنى في تركيا وسوريا، أثار الخوف والرعب لدى العديد من السكان في دول الشرق الأوسط خصوصا الدول التي تقع على فالق البحر الميت، والذي يرى علماء الجيولوجيا أن الأول أيقظ الأخير؛ والذي سيكون عواقب اهتزازه وخيمة جدا.

رغم مفاجأة الحدث للملايين، فهو لم يكن كذلك بالنسبة للعديد من خبراء الجيولوجيا والزلازل، فقد خرجت بعض التحذيرات خلال الأيام الماضية من احتمال حدوث زلزال في المنطقة. إذ حذر مركز “إس إس جي إي أو إس” المتخصص في التنبؤ بالزلازل، يوم 30 يناير/كانون الثاني الماضي من احتمال حدوث نشاط زلزالي قوي في تلك المنطقة، وأعاد كثيرون مشاركة تلك التغريدات بعد وقوع الكارثة.

خلال القرن العشرين، لم يتسبب فالق شرق الأناضول في نشاط زلزالي كبير. روجر موسون، وهو باحث فخري في “هيئة المسح الجيولوجي البريطانية”، قال “إذا تتبعنا الزلازل الكبيرة التي سجلتها مقاييس الزلازل، فلن نجد شيئا يذكر”. إذ لم تسجل المنطقة سوى ثلاثة زلازل فقط بقوة ست درجات منذ عام 1970 وفقا لـ “هيئة المسح الجيولوجي الأميركية”. لكن لماذا تعتبر تركيا بؤرة جاذبة للزلازل منذ عام 1822.

اهتزاز فالق الأناضول

المختص في علم الزلازل “ستيفن هيكس”، ذكر على حسابه في موقع “تويتر”، أن “وقع الزلزال بالقرب من الحدود السورية، في منطقة تتمتع بكثافة سكانية عالية، وطبقا للأخبار والصور المبدئية، فمن الواضح أن الزلزال سيسجل بوصفه واحدا من أكبر الزلازل التي حدثت في منطقة سكنية في تاريخ الكرة الأرضية.

الزلازل هي ظاهرة طبيعية تحدث عندما تتحرك الصفائح التكتونية للأرض، وتطلق الطاقة المخزنة، وتسبب موجات زلزالية يمكن أن تسبب الدمار عبر مناطق شاسعة. تركيا، بموقعها الجغرافي الفريد الذي يمتد على طول خط صدع شمال الأناضول وحزام طيات جبال الألب وجبال الهيمالايا، معرضة بشكل خاص للزلازل بسبب هذه التحولات.

الخبير في الجيولوجيا الهيكلية والتكتونية، آندي كالفيرت، أوضح لـ”الحل نت”، أن تركيا التي تقع عند تقاطع ثلاث صفائح تكتونية رئيسية، شهدت عددا هائلا من الأحداث الزلزالية على مدار العقد الماضي بسبب موقعها المتميز في وسط الصفائح القارية. على وجه التحديد، يمتد خط صدع شمال الأناضول من بحر مرمرة في غرب تركيا، شمالا عبر منطقة بحيرة توزلا، وإلى البحر الأسود. 

إن خط الصدع هذا، الذي تم تشكيله في الأصل أثناء اصطدام الصفيحتين الإفريقية والأوراسية، يطلق طاقة كبيرة في شكل نشاط زلزالي على أساس منتظم. بالإضافة إلى خط صدع شمال الأناضول، تقع تركيا أيضا في حزام الطي في جبال الألب – جبال الهيمالايا، مما يعني أنها تعرضت لنشاط زلزالي كبير حيث تصطدم الصفائح أو تنفصل.

الجمع بين هاتين القوتين التكتونيتين بحسب كالفيرت، جعل تركيا نقطة ساخنة للنشاط الزلزالي، مما أدى إلى عدد مقلق من الزلازل في البلاد. خلال العقد الماضي، وقع أكثر من 4000 زلزال بقوة 3.2 درجة أو أكثر في دائرة نصف قطرها 45 كم حول إسطنبول، مما يجعلها واحدة من أكثر المناطق نشاطا زلزاليا على هذا الكوكب. 

علاوة على ذلك، تشير التقديرات إلى أن هناك فرصة بنسبة 50 بالمئة لحدوث زلزال بقوة 8 درجات في شمال غرب تركيا خلال الخمسين عاما القادمة. هذا بسبب تراكم الضغط على خط صدع شمال الأناضول وسيؤدي إلى تدمير كارثي إذا لم تتم إدارته بشكل صحيح.

لقد تسببت هذه الأحداث الزلزالية بالفعل في دمار هائل في تركيا. كان الزلزال الأكثر تدميرا في تاريخ البلاد حتى الآن هو عام 1999 في مدينة إزميت. كانت هذه الكارثة التي بلغت قوتها 7.4 درجة على مقياس ريختر مسؤولة عن مقتل 17000 شخص وتشريد ما يقرب من 4 ملايين. حدثت أيضا زلازل بارزة أخرى في مرمرة وكوجالي وجزيرة ساموس ومدينة فان.

عوامل الدمار

على الرغم من أن تركيا نفذت اللوائح وقوانين البناء من أجل حماية أفضل لسكانها، إلا أنها لا تزال معرضة لخطر كبير من التعرض للزلازل المدمرة. من أجل التخفيف من الضرر المحتمل لحدث زلزالي، تتخذ الحكومة التركية خطوات استباقية من خلال إجراء مسوحات سريعة، ومراقبة ميدانية، وتحسين أنظمة الإنذار المبكر.

طبقا لحديث كالفيرت، خط الصدع في تركيا هادئ نسبيًا منذ قرنين، إلا أن تحرك الصفيحة العربية سنويا باتجاه الشمال، تسبب منذ عام 2020 بانسكار لصدع شرق الأناضول، وأدى ذلك إلى انزلاق زلزالي إلى منطقة كهرمان مرعش التي كانت بؤرة الزلزال المدمر الأخير.

قوة الزلزال الأخير بلغت 7.8 درجات بمقياس ريختر، كما تبعته هزة ارتدادية بعد 11 دقيقة بلغت قوتها 7.6، وهو ما تسبب في دمار هائل وخلف آلاف القتلى والمصابين، في حين لا يزال مئات الأشخاص عالقين تحت الأنقاض. ووصف المختصون الزلزال بأنه الأكبر في تاريخ المنطقة، ولا يقترب منه في القوة سوى زلزال أرزينجان الذي حدث في شمال شرقي تركيا عام 1939، والذي تسبب في أضرار كبيرة في ذلك الوقت.

كان مركز الزلزال على بعد 26 كيلومترا تقريبا شرقي مدينة نورداي التركية وعلى عمق نحو 18 كيلومترا عند فالق شرق الأناضول.

الزلزال أطلق موجات باتجاه الشمال الشرقي، مما تسبب في حدوث دمار في وسط تركيا وسوريا. وأوضحت وكالة “فرانس برس” أن “مقاومة البنية التحتية متفاوتة في جنوب تركيا وخصوصا في سوريا. لذلك، فإن إنقاذ الأرواح يعتمد على سرعة الإغاثة”.

ليس فقط الزلزال ما تسبب بالدمار، أيضا وفقا لنائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي، فقد تم تسجيل حوالى 145 هزة ارتدادية في أعقاب الزلزال الأول الذى وقع خلال الليل، من بينها ثلاث هزات تجاوزت قوتها 6.0 درجات. وأكد مدير العام لـ “وحدة الحد من مخاطر الزلازل برئاسة الطوارئ والكوارث الطبيعية التركية”، أورهان تاتار، أن نحو 120 هزة ارتدادية أعقبت الزلزال، وفق أسوشيتد برس.

علماء زلازل قالوا إن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، قد يكون أحد أكثر الزلازل تسببا في وقوع ضحايا خلال السنوات العشر الماضية، حيث تسبب في صدع يمتد طوله لما يزيد على 100 كيلومتر بين الصفيحة الأناضولية والصفيحة العربية.

خطر فالق البحر الميت 

من المعروف أن النشاط الزلزالي يتسبب في مجموعة متنوعة من الأحداث الجيولوجية مثل الزلازل والانفجارات البركانية، ولكنه قد يكون أيضا مسؤولا عن إيقاظ الصدوع الخاملة والصفائح التكتونية، كما هو الحال مع صدع البحر الميت، طبقا لما يذكره الخبير في الجيولوجيا الهيكلية والتكتونية، كالفيرت.

صدع البحر الميت هو أحد أكثر المناطق نشاطا جيولوجيا في الشرق الأوسط، ويمتد لمسافة 360 كيلومترا، ويمتد من المناطق الشمالية للبحر الميت، بالقرب من الحدود السورية ولبنان، وصولا إلى خليج العقبة  عابرا الكل بما في ذلك وادي عربة، حتى وادي الأردن في الشرق.

صدع البحر الميت بدأ في إظهار علامات النشاط لأول مرة في أوائل التسعينيات عندما بدأ تسجيل العديد من الزلازل الصغيرة تحت البحر الميت. ولكن لم يكن الأمر كذلك حتى عام 1995 عندما أدى زلزال بقوة 4.5 درجة على مقياس ريختر إلى إثارة الصدع شمال البحر الميت مباشرة. أيقظ هذا صدع البحر الميت بأكمله والذي يتجلى في سلسلة من الزلازل الأصغر، معظمها في المدى 3.0 إلى 3.5.

من المحتمل بحسب كالفيرت، أن يكون النشاط الزلزالي لصدع البحر الميت ناتجا عن حركة الانزلاق الجانبي الأيسر للصفيحة الإفريقية ضد الصفيحة العربية. مع استمرار الصفيحة الإفريقية في التحرك شمالا، فإنها تتحول في اتجاه جانبي على طول خط الصدع. وينتج عن هذا سلسلة من الزلازل الصغيرة التي على الرغم من عدم أهميتها في الغالب، يمكن أن تكون ثابتة تماما ويمكن الشعور بها على مسافة بعيدة.

جعل النشاط الزلزالي لصدع البحر الميت واحدا من أكثر العيوب التي تتم مراقبتها عن كثب في الشرق الأوسط. يهتم العلماء بشكل خاص بدراسة كيفية تأثير النشاط الزلزالي على وظيفة واستقرار الصدع، لا سيما بالنظر إلى أهمية المنطقة من حيث الأعمال التجارية والتجارة، وأهميتها للمواقع الدينية. حاليا يراقب العلماء أيضا النشاط الزلزالي لصدع البحر الميت من أجل فهم أفضل لأنواع الزلازل وإمكانية تسببها في أي نوع من تسونامي أو غيرها من الأحداث الزلزالية خصوصا بعد نشاط فالق الأناضول.

النشاط الزلزالي لصدع البحر الميت يعتبر عاملا مهما في المساعدة على فهم البنية والطبيعة الديناميكية للصفائح التكتونية في المنطقة والأحداث الناتجة عنها. يمكن أن يساعد فهم نشاط الخطأ وتأثيراته العلماء على التنبؤ بشكل أفضل والاستعداد لأي كوارث محتملة والمساعدة في تقليل الأضرار المحتملة. كما أنه يساعد في إدارة المنطقة بشكل أفضل والحفاظ على المواقع الدينية الهامة، فضلا عن الإدارة العامة للمنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة