عنصرية2

رامز أنطاكي

لم تعد الشكوى من العنصرية في الخطاب الإعلامي اللبناني تجاه اللاجئين السوريين أمراً مستغرباً أو مستهجناً لدى شرائح واسعة من المعنيين بها سواء كانوا لبنانيين أو سوريين، فتفاقم الأوضاع الخاصة باللاجئين السوريين وتطورها، والأحداث الأمنية والعسكرية المتعلقة بشكل أو بآخر بهم، ترافقت مع تصعيد في الخطاب الإعلامي اللبناني، تميَّز بالعنصرية أحياناً.

التاريخ اللبناني القريب بما فيه الحرب الأهلية التي انطلقت عام 1975 لتنتهي باتفاق الطائف مطلع تسعينات القرن الماضي، وتأثير الوجود الفلسطيني وانعكاسات قضية فلسطين على لبنان، كلها أرخت بثقلها على الذاكرة الجماعية اللبنانية، جاعلةً الخوف من الآخر الغريب حالةً منتشرة، فباتت المشاعر السلبية والممارسات العنصرية تجاه هذا الآخر تُدرج تحت عنوان الوطنية في بعض الأحيان.

قناة أو تي في (Otv) التابعة للتيار الوطني الحر بقيادة ميشال عون المتحالف مع حزب الله، في أحد تقاريرها عن اللجوء السوري إلى لبنان، تخوفت من اللاجئين السوريين بسبب انتمائهم للطائفة السنية بشكل أساسي، ووصفتهم بالإرهابيين، بينما تواتر المضمون العنصري في المواد التي يقدمها برنامج “كتير سلبي” على القناة نفسها حتى شمل إضافة إلى السوريين، الفلسطينيين والعمال الآسيويين والأفريقيين، أما قناة الجديد فقد وصفت في تقرير عن التسول اللاجئين السوريين بالـ “نَوَر”.

من جهة أخرى أثار الفيديو الذي انتشر الصيف الماضي مصوراً طفلاً لبنانياً يقوم بضرب طفل سوري وإهانته على صوت تشجيع وتحريض عائلته له، ردودَ فعل متفاوتة الشدة في استنكارها ورفضها لما يمثّله الفيديو، ثم تمّ تناسيه بفضل دور أساسي لوسائل إعلام لبنانية، خاصة تلك التي ميّعت الحادثة معتبرة إياها حادثة فردية معزولة، وواصفة على خلاف الحقيقة عائلتي الطفلين بالأهل والجيران.

وعلى مسافة زمنية ليست بعيدة عن الفيديو المذكور، عُثر على جثة الطفل السوري محمد الخولي ابن الخمس سنوات في حاوية قمامة، في حلبا قرب طرابلس شمال لبنان، حيث أفادت التحقيقات أن لبنانياً يافعاً دون الـ18 من عمره اغتصب الطفل السوري وقتله.. أمين الحمصي الشاب السوري الناشط على فيس بوك يلاحظ في هذا الإطار “أن الجريمة رغم بشاعتها الاستثنائية،لم تحظ بالتغطية الإعلامية الكافية مقارنةً بحالة افتراضية معاكسة يكون فيها الطفل لبنانياً والجاني سورياً”، معتبراً أنه في الحالة المعاكسة ستكون التغطية الإعلامية كثيفة وربما تحريضية، مذكراً بالتغطية الإعلامية القوية في حالة الشابة اللبنانية ميريام الأشقر التي قُتلت واغتصبت على يد عامل سوري اشتبه أنه عنصر مخابرات سوري أواخر عام 2011، هذه التغطية الإعلامية القوية والمحقة برأي أمين شابتها عنصرية وتحريض واضحين ضد السوريين بشكل عام.

من جهتها قناة أم تي في (MTV) القريبة من حزب القوات اللبنانية وتيار 14 آذار في تغطيتها اللبنانية لمشاركة حشود من السوريين في الانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام السوري، أوردت تعابير مثل “قطيع” متهمةً هذه الحشود بأسر آلاف اللبنانيين في سياراتهم واحتلال البلد، بينما اعتبرت قناة أل بي سي (LBC) أن اللبنانيين يدفعون الثمن في كل ما يتعلق بسوريا والسوريين حرباً وسلماً وانتخابات.

الإعلامية ديما صادق التي تجرأت على التضامن مع اللاجئين السوريين داعيةً اللبنانيين إلى التبرع بالملابس الشتوية والبطانيات لمساعدة اللاجئين على مواجهة فصل الشتاء، ردّ عليها الإعلامي هشام حداد بطل بعض البرامج الهزلية التي واجهت تحفظات شديدة بسبب تدني مستوياتها الأخلاقية برأي المنتقدين، رده الذي جاء عبر برنامجه الذي تبثه قناة أو تي في طرح هواجس طائفية وتخوفات من تكرار أزمة اللجوء الفلسطيني التي كبدت فئة لبنانية 100 ألف قتيل مشيراً إلى أن دول كتركيا والعراق والأردن أغلقت على عكس لبنان حدودها في وجه هؤلاء اللاجئين في معلومة غير صحيحة.

عنصرية متكررة مقيتة عبر أكثر من برنامج فكاهي تبثه المحطات التلفزيونية اللبنانية، فتارة يصور طفل لبناني يعود إلى المنزل ليكلم والدته باللهجة السورية في تقليد سمج لأن معظم أقرانه في الصف باتوا من اللاجئين السوريين، إلى رفض توظيف شاب لبناني ليعمل في دور “بابا نويل” لأن رب العمل عثر على بديل أرخص وأكثر تسلية فقط مقابل وجبة عشاء، ليأتي ممثل يؤدي دور شاب سوري يجهل أغنية العيد باللغة الفرنسية ليستعيض عنها بأغنية عربية بدوية باللهجة السورية.

الإعلام المكتوب لم يكن بعيداً عن هذه الحملة العنصرية فتقرير لجريدة البلد يعزو سبب العنوسة في لبنان إلى اللاجئات السوريات، حيث ورد في التقرير جمل مثل “بـ 100 دولار بجيب وحدة سورية ومن حلب كمان”، واستنتاجات من نوع أن النساء السوريات اللاجئات يرين “في الزواج من لبناني حداً لمعاناتهم وأهلهم في بلاد اللجوء”، ولفت التقرير أيضاً إلى أن اللهجة الغالبة في شوارع لبنانية باتت سورية.

جريدة النهار كررت تحذيراتها من تزايد عدد اللاجئين السوريين في لبنان، وحذرت اللبنانيين من الاصطدام بالسيارات السورية، كما نشرت عبر موقعها الإلكتروني فيديو يعرض تصريحات لمواطنين لبنانيين كانت في أغلبها عنصرية، حمّلت اللاجئين مسؤولية غلاء المعيشة والبطالة وأزمة السير.

الصحفي والكاتب اللبناني زياد ماجد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في باريس علق على العنصرية في الخطاب الإعلامي اللبناني، معتبراً أن الخطاب العنصري غذّى الانتهاكات بحق هؤلاء اللاجئين واصفاً إياها بأنها “جرائم موصوفة”، لافتاً إلى وجود استعداد لدى البعض في الشارع لارتكابها “لأسباب مرتبطة بالتعبئة السياسية أو بذاكرة العقود الفائتة أو بالكراهية المذهبية والطائفية أو لتنميطات عنصرية – طبقية متوارثة ولها حضور في بعض الشرائح الاجتماعية منذ زمن”.

على الرغم من العنصرية الإعلامية والممارسة عبر انتهاكات متعددة الأشكال، لا يملك اللاجئ السوري خيارات أفضل بعد أن خرج هارباً من جحيم بلده.. يتمنى العودة السريعة، لكن الروح تبقى أغلى بحسب أبو يعقوب اللاجئ السوري المقيم برفقة عائلته في ضاحية بيروت الجنوبية، “سأتحمل إهانة من هنا وصفعة من هناك، وسأتعايش مع منحي أبخس الأجور لقاء تعبي، نُهان يومياً ونتحمّل فقط كي نحافظ على أرواح أطفالنا”.

[wp_ad_camp_1]

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.