د. محمد حبش

لا أدري متى ستكون ربما بعد أسابيع وربما بعد شهور، وأرجو أن لا يكون أكثر من ذلك، إنها اللحظة الحاسمة التي يتعين فيها على الفقهاء أن يستنفروا بصوت رجل واحد ليحملوا مسؤوليتهم أمام الله وأمام الناس، ويعلنوا نهاية الحرب.

 

لا شيء جميل في الحرب إلا نهايتها، ويومئذ يفرح المؤمنون والديمقراطيون والإنسانيون.

اللحظة التي يوقع فيها #النظام ومعارضوه برعاية المجتمع الدولي على وثيقة الانتقال الى الهيئة الانتقالية التي تضم شخصيات اتفاقية يعهد إليهم بسلطة شاملة وصلاحيات كاملة.

لأول مرة أجد أن هذه اللحظة ممكنة، ولا أستطيع أن أكشف عن مصادر المعلومات، ولكنها ممكنة تماماً وكبرى الفصائل المحاربة مستعدة لوقف القتال حين توقع هذه الوثيقة، أما النظام الذي لم يقتنع يوماً بالحوار، ولم يطرح على الاطلاق خيار تبديل الرئيس، فهو على مايبدو يقترب بتهور نحو تلك اللحظة، والتي ستكون آنئذ خياره الوحيد، وسيوقعها على منطق مكره أخاك لا بطل، أو أنه ربما لن يوقع شيئاً على الإطلاق!!

قد يفهم ذلك بعض القراء على أنه معلومات ومشاركات، وقد يفهمها آخرون على أنها أحلام وأماني، وقد يراها البعض سيناريو محكم الإخراج، ولكنني أجد من الواجب أن أطرح هذه الحقائق اليوم لأنها ستكون مسؤولية لنا أمام الله والتاريخ.

الدعوة لوقف الحرب اليوم حلم يتمناه كل أحد، ولكننا حين نمارس ذلك اليوم لا نكون في وارد أي استجابة، وأنا شخصياً ما زلت أرتل هذه المزامير دون أن يكون لها صدى ناجع، بل إن الدعوة لإلقاء السلاح تجابه مباشرة باتفاق الطرفين المتحاربين على أنها الخيانة، في زمن أصبح الاتهام بالخيانة أسهل من (شربة المي).

اللحظة التي نتحدث عنها تنضج اليوم في الظروف الدولية، وعندما يؤذن لها داعي الله ستتوقف فصائل كثيرة عن الحرب وسيتوقف النظام أيضاً، وسيكون أمام الفقهاء مسؤولية الإعلان عن نهاية قتال الجهاد ومنع قتال الفتنة.

يجب أن يدرك المحاربون أن يوم الوفاق الوطني هو يوم استكمال رسالة الجهاد، ويجب أن يكون أمراء #الجهاد أكثر الناس بصيرة بهذه الحقيقة، وهذه مسؤولية مشتركة، ويجب أن يصلهم خطاب الفقهاء الراسخين في العلم ببيانات الشريعة الصارمة في تحريم نكث العهد ووجوب الدخول فيما دخل فيه المسلمون، وأن المسلمين يجير عليهم أدناهم ويسعى بذمتهم أدناهم.

في هذه اللحظة بالذات نحتاج لنفير وطني وإسلامي عارم، فالفقهاء عليهم بيان ما بين الشريعة والفتنة من خيوط وشروط، وينبغي أن يكون واضحاً جهاد العلماء لمنع أي قتال جديد.

في كلام رسول الله ألف وصية برفض المشاركة في الفتن، وتحريم رفع السلاح بين المؤمنين، عاهدت خليلي أن أقاتل بسيف من خشب، والقاتل والمقتول في النار، وكن خير ابني آدم، وهي وصايا كافية ليدرك المحارب أنه يذهب إلى معصية وفسوق حين يقاتل أخاه المؤمن، وهي رسالة يتعين أن يحملها كل فقهاء الشريعة حين يبدو بريق الأمل بالخلاص من الكارثة عبر توافق دولي ووطني.

الجهاد ركن الدين المتين، وفريضة الله على الأمة، له شروطه وأحكامه وظروفه، ومع أنني كتبت كثيراً في فهم الجهاد وهو لا يتصل من وجهة نظري بالحرب القائمة في #سوريا ولكنه على كل حال يعكس قناعة ثمانين بالمائة من فقهاء الشريعة في أيامنا هذه، وعلينا أن نتعامل مع هذا الواقع بما هو فيه، وأن نعمل ليكون القتال بعد توقيع الوئائق محض فتنة مرفوضة لا تنطبق عليها شروط الجهاد المعتبرة، ويعتبر الولوغ في الدم بعدها فتنة وانحرافاً عن روح الشريعة ومقاصد الإسلام.

رسالة الفقهاء تماماً كجراح القلب، يحكمه الزمان والمكان بصرامة، ولو تأخر فقهاء الشريعة شهراً واحداً بعد توقيع المواثيق وإعلان وقف الحرب، فإن المحاربين سيجدون أسباباً جديدة للقتال، وسيقومون بما يعيد الحرب جذعة كما كانت من قبل.

نريد خطاباً إسلامياً متينا مؤيداً بالحجج والبصائر عن التفريق بين الجهاد وبين الفتنة، إن الشريعة التي أمرت بالنفير العام واقتلوهم حيث ثقفتموهم هي ذاتها الشريعة التي قال نبيها: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار.

إن الشريعة التي أمرت برفع السيف واقتحام الموت ساعة الجهاد هي نفسها التي أمرت الناس بالكف عن القتال ساعة الفتنة، “لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين”.

وإلى جانب استنفار الفقهاء فإن المطلوب مساعدة المجتمع الدولي على توفير حياة كريمة لأولئك الذين يريدون أن يخرجوا من الحرب، ولكنهم لا يحدون ما ينفقون، وهنا فإن على الدولة الجديدة أن تدرك أن هؤلاء المحاربين لديهم مخاوف مشروعة وأن من حقهم أن يعودوا إلى الحياة بروج جديدة.

لم يكن المحاربون في سوريا فصائل متدربة أو خلايا نائمة، وليس انخراطهم في القتال قدراً، لقد كانوا في الأصل موظفين ومعلمين وأصحاب مهن مختلفة وحرّاثين يزرعون الأرض، ولكن براميل نظام #المقاومة هي التي غيرت كل برامجهم، وحين ينزل البرميل على أمك وأخيك وصاحبتك وبنيك فإنك لا تبحث في العادة عن حزب سياسي لتناضل فيه، أو معارضة فندقية لتنخرط فيها، إنك ستبحث بكل تأكيد عن أشد فصائل الموت فتكاً وثأراً وانتقاماً، وهذا هو التفسير الصحيح للطريق التي سلكها شعبنا المنكوب للوصول إلى #داعش.

#النصرة وداعش لن تتوقفا عند إعلان كهذا، والشباب لا يعتقدون أن بإمكانهم التوقف حتى يرفعوا رايتهم على جبل #قاسيون، ولن يكون ذلك نهاية الحرب فالمشروع عند القوم عابر للحدود والزمان، إنها ستسمر في حربها، ولكن المسؤولية التي تفرضها الشريعة هنا أمام الفقهاء وعلماء الشريعة بالغة الدقة والتأثير، وهي تفرض بيان ما بين الجهاد والفتنة من الخيوط الدقيقة.

تقدم #الأمم_المتحدة موقفها في التعاطي مع داعش والنصرة وفق خيار واحد الموت أو #غوانتانامو… ولا تيسر لهم أي سبيل لإعادة التأهل أو لهم مطالبهم، ولا أشك أن كثيراً من هؤلاء المحاربين ينضوون في خيار الموت لسبب بسيط وهو أنهم لا يجدون عنه بديلاً.

حين يقدم الفقهاء الحقائق في لحظة الحقيقة ويطلون على الناس عبر منابر إعلامية محترمة فإنهم يوفرون هدأة العقل وراحة القلب لعشرات الآلاف من المقاتلين الذي وجدوا أنفسهم في ظروف الحرب وها هي ساعة الحقيقة قد اقتربت ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء.

ومن جانب آخر ينهض المجتمع الدولي بمهمته ورسالته ويبادر إلى طرح عطاءات وفرص حقيقية لهؤلاء المحاربين كأبطال حرية وجهاد، وقد استكملوا رسالتهم ويكون مكانهم في العمل العام عبر عقود تكون لهم فيها الأولوية، وربما يجدون فرصتهم في جيش الدولة الجديدة، الذي يفترض أن يكون جيش وطن وليس جيش حزب أو طائفة، وأن يكون مصدر أمن وحماية وليس منشأ رعب وخوف.

أمنيات لم أجرؤ من قبل أن أكتبها ولكنني اليوم ألمس ريح الخلاص وأشعر بقرب النهاية ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.