تصاعدت الضربات الإسرائيلية-الأميركية خلال الأيام الماضية ضد الميليشيات الإيرانية في سوريا، كما نفذت الأخيرة عدة هجمات على قواعد التحالف الدولي (بقيادة واشنطن)، مما يشير إلى أن حدود المواجهة بين هذه الأطراف تتجه نحو التصعيد أكثر بناء على اعتبارات ميدانية، وعلى صلة بملفات أخرى، مثل الملف “النووي الإيراني”، والمخططات الإيرانية التي تسعى دائما للتوسع بالمنطقة وداخل العمق السوري على وجه الخصوص، بالإضافة إلى حقيقة أن الساحة السورية تحولت إلى أرض خصبة لتصفية الحسابات، وتوجيه الرسائل الإقليمية والدولية.

ضغط على إيران للتنازل؟

ضمن السياق، أفادت وكالة أنباء “تاس”، عن القوات الروسية المتمركزة في سورية قولها، الجمعة، إن أربع طائرات إسرائيلية أطلقت ما مجموعه أربعة صواريخ كروز، و16 قنبلة موجهة ضد منشأة في مدينة مصياف، بريف محافظة حماة السورية.

ونقلت وكالة “تاس”، عن ضابط روسي كبير تأكيده أن قوات الحكومة السورية التي استخدمت أسلحة روسية الصنع مضادة للطائرات، أسقطت صاروخين وسبع قنابل موجهة. ونقلت عنه قوله إن الهجوم وقع في ساعة متأخرة من مساء الخميس الفائت.

وأعلنت وسائل إعلام محلية، مساء الخميس، إصابة شخصين نتيجة قصف نفّذه الجيش الإسرائيلي استهدف محيط مدينة مصياف في ريف حماة الغربي، حيث يقع مركز “البحوث العلمية العسكرية”، الذي تلقّى عدة ضربات في السابق.

وأشار التلفزيون السوري، أن قصفا إسرائيليا استهدف محيط مدينة مصياف، وأدى إلى إصابة شخصين، وأشار لاحقا إلى وصول جرحى آخرين، لم يحدّد عددهم، إلى مستشفى مدينة مصياف، نتيجة القصف، الذي قال إن وسائط دفاعه الجوية تصدّت له.

من جانب آخر، يمكن القول بأن التصعيد الإسرائيلي ضد الميليشيات الإيرانية لا ينفصل عن التصعيد بين القوات الأميركية، والمليشيات الإيرانية في شرق سوريا، مع تبادل الجانبين القصف خلال الأيام الأخيرة، ما أوقع قتلى وجرحى.

وتعرضت قاعدة عسكرية أميركية لهجوم من قبل مليشيات مدعومة من “الحرس الثوري الإيراني”، في جنوب سوريا بطائرات مسيرة مؤخرا. وفي اليوم ذاته، تعرضت قاعدة أخرى للتحالف ضد تنظيم “داعش”، بقيادة واشنطن لهجوم صاروخي.

وجاءت تلك الهجمات انتقاما من ضربات جوية أميركية في ثلاث ليال متتالية ضد أهداف مرتبطة بطهران في سوريا، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز“.

وأشار مسؤول أميركي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة مسائل أمنية حساسة، إلى أن الأميركيين أوضحوا لإيران، من خلال القنوات الخاصة والعامة، أنهم لا يحاولون تصعيد الأعمال العدائية، ولكنهم سعوا فقط لحماية المصالح الأميركية.

وقال مسؤول أميركي رفيع، إن هناك عدة دوافع محتملة وراء هجوم إيران في 15 آب/أغسطس. وأردف المسؤول الأميركي، الذي طلب عدم ذكر اسمه لمناقشة قضايا أمنية حساسة، أن الدافع قد يكون ردا على ضربة إسرائيلية.

ويأتي هذا التصعيد في لحظة حساسة للغاية في العلاقات بين الولايات المتحدة، وإيران، حيث يقترب الجانبان من الاتفاق على إحياء الاتفاق “النووي الإيراني”، ووفق المراقبين، فإن أي هجمات تتسبب في وقوع عدد كبير من الضحايا من كلا الجانبين قد تؤدي إلى انحراف المفاوضات النووية عن مسارها.

لكن المسؤولين الأميركيين، أصروا على عدم وجود صلة بين الضربات في سوريا، والمفاوضات النووية. وتساءل مراقبون آخرون عما إذا كانت الهجمات التي تشنها الميليشيات الإيرانية، يمكن أن تكون محاولة من قبل المتشددين الإيرانيين لتعطيل أي اتفاق.

من جانبه، رأى الكاتب الصحفي عقيل حسين، إنه لا شك في أن التصعيد الأميركي الإسرائيلي ضد النقاط الإيرانية في سوريا، مرتبط ارتباط وثيق بالمفاوضات “النووية الإيرانية”.

وأردف حسين، في حديثه لموقع “الحل نت”، أنه من الواضح أن رد إيران على المسودة الأوروبية لإتمام الاتفاق “النووي الإيراني”، والملاحظات التي سجلتها أميركا بشأن هذه المسودة لم تكن مرضية للغرب، لذا، والأسوأ من ذلك، بادرت إيران بالتعبير مسبقا عن هذه المسودة بموقف سلبي، من خلال توجيه هجوم على القواعد العسكرية للتحالف الدولي في البادية السورية، وتحديدا في دير الزور، حيث استهدفت مسيرة إيرانية، قاعدة “التنف”، العسكرية وقال التحالف الدولي، أنها خرجت من محافظة ديالى في الأراضي العراقية، كما استهدفت إيران حقل “العمر” النفطي، بريف دير الزور بالصواريخ والقذائف، ومصدرها “الحرس الثوري الإيراني” في دير الزور، وبالتالي هناك ضغط على إيران من أميركا، وإسرائيل من أجل الحفاظ على العصا بجانب الجزرة.

قد يهمك: واشنطن تستهدف “الحرس الثوري” الإيراني في دير الزور.. ما الرسائل؟

واشنطن ترغب بالحوار؟

بحسب تقرير صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فقد قال بعض المحللين الإيرانيين إنهم ينظرون إلى الهجمات الأميركية على أنها محاولة من إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لاسترضاء منتقدي الاتفاق النووي، وإثبات أنها ستحتفظ بموقف متشدد ضد طهران، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق نووي.

وبالعودة إلى الكاتب الصحفي عقيل حسين، فيما إذا كانت الساحة السورية ستشهد تصعيدا أكبر نتيجة هذه التطورات الحالية، فهو يعتقد أن هذا التصعيد ليس كبيرا، وأنه لم يأتِ إلا ضمن الإجراءات الروتينية بين التصعيدات المستمرة بين هذه الأطراف منذ سنوات.

ووفق تقدير حسين، فإن الولايات المتحدة ربما حاولت إظهار هالة كبيرة للضربات التي وجهتها للميليشيات الإيرانية، بينما هذه الأهداف لم تكن بهذا الحجم، خاصة أنه ظهر من خلال تقارير صحفية أن استهداف قاعدة “عياش” الإيرانية، في دير الزور كان القصف قد استهدف محيطها فقط ولم يقتل فيها شخصيات إيرانية رفيعة المستوى، وفي تدمر بريف دير الزور أيضا، تكرر الحديث عن إخلاء القوات الإيرانية لقاعدة “عياش” الإيرانية، لعدة مرات، وهذا يُدلل وفق اعتقاد حسين، إلى أن الولايات المتحدة الأميركية، ما زالت تريد فتح باب الحوار، وعدم التصعيد العسكري ضد إيران، خاصة وأن الأخيرة هي التي بادرت بالتصعيد والهجوم على قواعد التحالف الدولي، وتأخير واشنطن في الرد نوعا ما يؤكد رغبتها في الحوار حول الملف “النووي الإيراني”، أكثر من التصعيد العسكري.

قصف التحالف مقابل القصف الإسرائيلي؟

وفق تقارير محلية، استهدف القصف الإسرائيلي الأخير على سوريا نقاطا على طريق الرصافة، والبحوث العلمية، شرقي مصياف بريف حماة، ومعسكر الطلائع، وجب رملة شمالها، وموقع حير عباس غربا، على طريق مصياف وادي العيون.

ونشرت تلك الشبكات صورا وتسجيلات أظهرت تصاعد ألسنة اللهب من المواقع المستهدفة، وتحدثت عن وقوع انفجارات متتالية على الطريق الواصل بين مصياف، والمحروسة، محذرة الأهالي من سلوك الطريق.

وأظهر أحد التسجيلات سلسلة انفجارات تواصلت لفترة طويلة في أحد المواقع المستهدفة، ما يشير إلى أنه مستودع للذخائر والأسلحة. وأسفرت الانفجارات، والشظايا المنبعثة من موقع الانفجارات عن وقوع أضرار مادية في منازل المدنيين وممتلكاتهم المحيطة بالمواقع المستهدفة.

كما ذكرت وكالة “سانا” المحلية، أن القصف الإسرائيلي استهدف أيضا بعض المناطق في محافظة طرطوس، مثل البريج والدريكيش وصافيتا ومشتى الحلو، في حين ذكرت وكالة “سبوتنيك” الروسية، أن الأصوات التي سُمعت في تلك المناطق كانت للدفاعات الجوية التابعة لحكومة دمشق.

وبحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فإن القصف استهدف مستودعات للذخائر والسلاح تابعة للمليشيات الإيرانية، وأدى إلى تدمير كمية كبيرة منها، مشيرا إلى أن القصف كان الأعنف في الفترة الأخيرة بسبب ضخامة الانفجارات.

وبالعودة إلى تقرير صحيفة “نيويورك تايمز”، أنه وقبل حوالي عام، التقى تحالف تقوده إيران يعارض لإسرائيل، لمناقشة كيفية الرد على الهجمات الإسرائيلية المتزايدة داخل سوريا، وفقا لغيس قريشي، المحلل المقرب من طهران والمطلع على استراتيجية “الحرس الثوري” في المنطقة.

وضم التحالف “خبراء عسكريين من سوريا والعراق وجماعة حزب الله اللبناني،ة واليمن وقوات فيلق القدس – ذراع الحرس الثوري المسؤول عن العمليات الخارجية”، بحسب الصحيفة الأميركية.

وأكد شخص مقرب من القوات الإيرانية بالعاصمة السورية دمشق – تحدث دون الكشف عن هويته – أن الاجتماع جرى بالفعل. وخلال مناقشاتهم، قال السوريون إنهم لا يريدون شن هجمات ضد إسرائيل من أراضيهم حتى لا يخاطروا بحرب شاملة في وقت تعاني فيه البلاد بالفعل من الضعف.

وبالتالي قرر التحالف بدلا من ذلك الرد على الضربات الإسرائيلية بضرب القواعد الأميركية في سوريا، على أمل أن تضغط واشنطن بعد ذلك على إسرائيل للتراجع عن إيران. ومن ثم تم الاتفاق من المشاركون في الاجتماع أنه مقابل كل ضربة إسرائيلية على هدف إيراني في سوريا، ستكون هناك ضربة انتقامية ضد قاعدة أميركية هناك، وخاصة قاعدة “التنف”.

هذا واعتبر المراقبون وكبار المسؤولين الأمنيين هذا التصعيد، على أنه ناجم عن أمرين؛ الأول أن هجوم إيران على قواعد التحالف الدولي في شرق سوريا، قد يكون ردا على الضربات الإسرائيلية، في حين أن الرد الأميركي -الإسرائيلي المتلاحق على الضربات الإيرانية يقف وراءه تنسيقا مشتركا مفادها رسائل حازمة لإيران، التي تراوغ دوما خلال المراحل الحاسمة من عملية التفاوض بشأن “الملف النووي”، بالإضافة إلى إيصال رسالة لإيران بعدم تجاوز “الخطوط الحمراء”.

قد يهمك: تطورات أميركية لمواجهة النفوذ الإيراني في الشرق السوري.. ما النتائج؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.