عمّار ديّوب

كفطرٍ انبثقت مؤخراً جيوش عديدة في الأراضي السورية.. كلها ظهرت على خلفية لقاء #فيينا، وكتكملةٍ للحرب الكونية على الإرهاب. الجميع، وبدءاً من النظام يقول أنه يحارب #داعش، وتشترك في هذه الحرب “المقدسة” #أمريكا و #روسيا بقواتٍ جوية مبتغين الهدف ذاته. العجيب في الأمر أنّ الجميع لا يصيب الهدف؟ فلماذا كلُّ هذا اللعب بالشأن السوري المأساوي؟!

 

كان أول خيار لتفتيت الجيش السوري يعود للنظام بمواجهة الشعب بالخيار العسكري والأمني، وأدى ذلك إلى بداية ظاهرة الانشقاق، ولاحقاً تشكّل الجيش السوري الحر من المنشقين ومن مدنيين فقراء. الأخير لم تكن مهمته مواجهة جيش النظام، بل حماية المظاهرات وإسقاط النظام عبرها. وفعلاً لعب دوراً مركزياً في حمايتها في العام الأول للثورة، وكانت الحاضنة الشعبية حامية له وهو جزءٌ منها، فلم يشكل سلطة كما فعلت لاحقاً الفصائل المسلحة.

الحر هذا لم يُسمح له بأن يكون خيار السوريين، وقد اعتقل أو همش أغلبية الضباط المنشقين في الدول المحيطة بسوريا. أيضاً لم تتمكن المعارضة السورية من إقامة علاقة سليمة معه، وأن تكون هي المعارضة السياسية وهو الجناح العسكري، وكذلك كانت قيادته طامحة للقيام بدورٍ سياسي يتجاوز وظيفته العسكرية. وبذلك كان يُعيد سلوك جيش النظام حينما سيطرت قيادته على سوريا منذ السبعينات. كان هذا خطأ كبيراً. إذاً ساهم في تهميشه أكثر من عاملٍ.

بالتهميش المستمر انتهت تجربة الجيش الحر، وما بقي منه أصبح فصائل متناثرة هنا وهناك. برز بديلٌ عنه، الجيوش المحلية المدنية الطابع، والسلفية لاحقاً والجهادية بعدها وبشكلٍ طاغٍ. المحلية الأولى انتهت بدورها، وقد تلقت دعماً لتصبح سلفية، وبالتالي يمكن الاستنتاج أن رفض دعم الحر كان من أجل أن يصبح سلفيّاً، وهذا تحقق بفعل الدعم المتأتي من قنوات سورية إسلامية ومن دول خليجية وأفراد داعمين لأسلمة الثورة السورية.

أسلمة الثورة كانت هدفاً مشتركاً للنظام وللدول الداعمة وللإسلاميين السوريين. ولكن ذلك لم يكن هدفاً للثورة، فالثورة كانت شعبية ومن أجل كل السوريين. الأسلمة ورغم طغيان الحديث عنها وعن الأصولية والجهادية ما زالت مرفوضةً شعبياً. ارتكاس أغلبية السوريين لاحقاً لرؤية دينية لحياتهم أمرٌ مختلف عن الأصولية والجهادية. إذاً هي لم تكن في بدايات الثورة بل صارت إليها.

بدءاً من نهاية عام 2012 تقريباً، وبعد أن كان للثورة بوجهها المدني دوراً مركزياً في تشكيل التنسيقيات والمجالس المحلية وإدارة شؤون المدن والبلدات والقرى، ورغم اختلاط ذلك بالعائلية والتسييس، فإنه بعد ذلك التاريخ بدأت تتشكل سلطة الفصائل العسكرية، وأصبح الميلُ شديدٌ مع نمو السلفية والجهادية، والتي فرضت نظاماً كاملاً على المناطق المحررة، وراحت تحرّر المحرّر أكثر من مواجهة النظام، وتستولي على بقية سوريا.

جبهة النصرة وأحرار الشام برزتا كحركتين رئيسيتين مع 2013، ولاحقاً قَدِمَ داعش من #العراق، وتهمّشت الفصائل الأقل إسلامية، وبالكاد بقيت فصائل من الجيش الحر. يمكن القول في هذه المرحلة اشتدت هجمات النظام وأصبح الدمار والقتل كارثياً، وبذلك انفصلت حاضنة الثورة عن الفصائل وبدأت مسيرة اللجوء الواسع، وهناك من ذهب إلى مناطق النظام، فليس من حياةٍ ممكنة مع الشمولية الدينية، فهي لا تفرض سلطة سياسية وعسكرية، بل رؤية محافظة، وتقيم الحد بشكل غبي وعبثي، وبالتالي كان خيار اللجوء والابتعاد.

خيار النظام أيضاً لم يكن المحافظة على الجيش كمدافع عن السلطة، بل اختار تشكيل لجان شعبية مسلحة، ولاحقاً حولها إلى جيش الدفاع الوطني، والتي قياداتها ممن سموا شبيحة. ومع تفتت جيش النظام نمت هذه التشكيلات، ولاحقاً تدخلت إيران ودعمتها، وهناك تحليلات تفيد بأنها تثق بها أكثر من الجيش النظامي، وأنها تعتمد عليها لتضمن مصالحها في سوريا مستقبلاً.

وبخصوص الأكراد فقد سُمح لحزب البي يا دي بتشكيل جيشه في مواجهة الجيش الحر أولاً، ولاحقاً أصبح لهذا الحزب طموح أكبر، وأصبح ينسق مع قوات التحالف الدولي والآن ينسق مع الروس كذلك! إذاً لا النظام ولا المعارضة عملا  للحفاظ على جيشٍ وطني، بل لعبوا لعبة التبعية للخارج، ومكّنوا الأخير من التسلط على موازين القوى السورية. فأصبحت بذلك سورية عرضة لكافة أشكال التدخل العسكري، وتهمّشت السياسة كفاعلية، وبالتالي أصبح النظام كما المعارضة تابعين لدولٍ خارجية، والجيوش كذلك. وكدلالة على ذلك لم يتمثّل السوريون في بيان جنيف الأول ولا في فيينا حالياً!.

في حديث الجيوش، حاولت المعارضة، وبعد تشكل الفصائل المسلحة، الدفع باتجاه تشكيل جيوشٍ على أساس طائفي، فبرز فصيل مسيحي وآخر درزي وثالث علوي ورابع اسماعيلي. كان القصد هنا تعميق الوجه الطائفي للثورة، لتأمين الدعم المالي. طبعاً هذه سياسة غبية بامتياز، وفشلت بشكل كامل، فتحكمت الأصولية بكافة أوجه العمل العسكري الرافضة للثورة أولاَ. الثورة بمعناها الشعبي مرفوضة بالنسبة للقوى الجهادية والسلفية، فهي قوى أصولية وبالمعنى السياسي تساهم في تدمير الثورة وتسمح للدول الإقليمية والامبريالية بدمار سوريا وتشريد شعبها، النظام لم يكن بعيداً عن كل ذلك، فهو من أطلق قادة جبهة النصرة وأحرار الشام، وهو من ضغط على المالكي وعبر إيران للإفراج عن الدواعش من سجونه.

منذ نهاية 2012 أصبح بقاء النظام مرتبطاً بالدعم الإيراني وحزب الله وروسيا، والمعارضة تهمشت أكثر فأكثر، وواقع الحال أصبح الوضع السوري حرباً مستعرةً، وسيطر داعش على أراضٍ واسعة في سوريا، وكذلك جيش الإسلام وجيش الفتح؛ وبالتالي من حيث النتيجة أصبحت سورية بيدِ غير السوريين.

العالم لم يفكر بالسوريين أبداً، وما حدث لهم منذ خمسة سنوات، ولا يفكر في الحرب الطاحنة على أراضيهم، التفكير ينصب على كيفية قطع رأس داعش. الحقيقة هذا المعلن فقط، بينما جوهر الأمر هناك مساوماتٍ تتناول الهيمنة على المنطقة بين روسيا وأمريكا وبقية الدول النافذة فيها.

انبثاق جيش سوريا الديمقراطي التابع لأمريكا، وجيش سورية الجديدة، والتابع لأمريكا والسعودية، وجيش وطني تشكله مجموعة معارضة ويروج لمناف طلاس، وبشراكة روسية وسعودية وبعض دول الغرب، وهناك هيئة تحرير سوريا، والتابعة لقطر وتركيا، وأخيراً جيش العشائر والتابع للأردن. أقول هذه الجيوش تأتي في إطار التدخل الدولي لمحاربة داعش وكذلك في إطار المشاورات المتتابعة وفقاً للقاء فيينا، والذي يبدو أنه يتضمن تحقيق مصالح الدول المحيطة بسورية في نظام الحكم القادم.

هذه الجيوش ليست لغاياتٍ سورية بل لغاياتٍ إقليمية ودولية. بذلك تصبح جيوش سوريا الصغرى، وتصبح سوريا تابعة بالكامل للخارج. هذا ما يُعمل من أجله وهو متناقض مع مصالح سوريا في جيشٍ واحد ودولةٍ واحدة ولصالح كافة السوريين. هذا ما كان من أهداف الثورة ولا يزال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.